انتصار جديد للقضية الصحراوية    أنقذوا الأطفال..    النونو: نتن ياهو يواصل خداع الجمهور    مبولحي في الدوري الجزائري    مسرحية على واجهة وهران البحرية    قويدري يستقبل وفداً نقابياً    وفاة 12 شخصا وإصابة 295 أخرين    الجزائر تدعو إلى إنشاء آلية أممية مخصّصة للأمن البحري    وزير الاتصال يوقّع على سجل التعازي    المنظمة الوطنية للصحفيين الجزائريين تدين الجريمة البشعة    تحذير أممي من القرار الصهيوني بشأن إعادة احتلال غزة    دعوى قضائية ضد روتايو بتهمة التحريض على الكراهية    تحديات الميدان في قلب التحول الرقمي    بنفيكا البرتغالي يستهدف عمورة    مدرب نيس السابق يشيد ببوعناني ويتوقع تألقه في "الليغ 1"    فخور بنجاح الجزائر تنظيميّاً وممثلاتنا فوق البساط    مساع لتحصيل 5 ملايير مستحقات لدى الزبائن    انعقاد الندوة السادسة للمجلس الاستشاري لمعرض التجارة البينية الإفريقي    المحافظة على كل المواقع الأثرية التي تكتنزها تيبازة    الجزائر قوة إقليمية وصوت محترم على الساحة الدولية    شبكة استعجالات طبية جديدة بقسنطينة    تطهير قائمة موزّعي الأدوية لضبط السوق    مجلس الأمن الدولي: الجزائر تدعو الى إنشاء آلية أممية مخصصة للأمن البحري    تجارة: انعقاد الندوة السادسة للمجلس الاستشاري لمعرض التجارة البينية الإفريقي    سقوط خطير لشباب من دراجة نارية    محطة للثقافة وللمرح في صيف عنابة    اللجنة الوطنية تفتح باب الترشيحات    بحث تحديات صناعة الفتوى في ظل التحولات الرقمية.. بلمهدي يشارك في المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء بمصر    تجار مهلوسات في قبضة الشرطة    حدائق الجزائر تنبض بالحياة    وفاة مسؤولين سامين في تحطم مروحية بجمهورية غانا:مزيان يوقع على سجل التعازي    القرض الشعبي الجزائري يتيح إمكانية تحويل قروض سكنات الترقوي العمومي إلى الصيغة الاسلامية    موقع بريطاني يسلط الضوء على زيارة وزير الخارجية الصحراوي الى المملكة المتحدة    المنظمة الوطنية للصحافيين الجزائريين تدين اغتيال صحافيين فلسطينيين من قبل الاحتلال الصهيوني بغزة    بطولة العالم للكرة الطائرة لأقل من 21 سنة اناث /المجموعة الثالثة/: الوضعية بعد إجراء مباريات الجولة الرابعة    انطلاق سهرات المهرجان الثقافي الوطني للموسيقى الحالية بقالمة    تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: ضمانات صندوق ضمان قروض الاستثمار تجاوزت 35 مليار دج في 2024    وهران : حجز أزيد من 450 قرصا من المؤثرات العقلية    ضرورة خدمة المواطن وتعزيز تماسك النسيج الاجتماعي الوطني    فرصة لإبراز التجربة الجزائرية في مجال المساعدة الإنسانية    القضاء على إرهابيين بالحدود الجنوبية الشرقية للبلاد    تصفيات مونديال كرة القدم سيدات 2026 (أقل من 20 عاما): المنتخب الجزائري يجري تربصا تحضيريا بسيدي موسى    خليف: أمرّ بفترة صعبة    عبدي علي يزور جامع الجزائر    وزارة التضامن تُحضّر للدخول الاجتماعي    أدوات النقّاد ترصد كتابات أهل القلم    معرض إسطنبول للكتاب العربي بتركيا: مشاركة مميّزة للجزائر    والي بجاية يأمر بإعادة تصنيف الأوعية العقارية    مخاطر على العين بأثمان بخسة    مسح وطني لنفقات الجزائريين    هذا سبب استبعاد بلايلي    تنسيق القطاعات أثمر نجاح عمليات نقل الحجاج    سيدي بلعباس: اختتام فعاليات الطبعة الرابعة عشرة للمهرجان الثقافي الوطني لأغنية الراي    مناقشة الانشغالات المهنية الخاصة بنشاط الصيدلي    زينب بنت جحش .. أم المساكين    فتاوى : شروط صحة البيع عن طريق الإنترنت    هكذا اجتمعت هذه الصفات في شخص النبي الكريم    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا‮ الطاعون‮ ولا‮ الكوليرا
نشر في الشروق اليومي يوم 30 - 11 - 2008

إما تنظيمات متطرفة وإرهابية، أو أنظمة تسلطية متخلفة. إنها الثنائية العقيمة المفروضة علينا اليوم في العالم العربي والإسلامي، وفي الجزائر أيضا. حتميتان تهيمنان بأشكال مختلفة على الساحة وتبني كل منها مجدها على أنقاض الآخر. النتيجة: مجتمع منهك بصراعات عنيفة لا تنتهي حولته إلى منتج دائم للعنف والإرهاب، وغير قادر على بلورة خيارات تؤمن مستقبله. لكن نحن اليوم بحاجة لبلورة خيارات أخرى بدلا أن نُساق، رغما عنا، في حتمية مقيتة: إما الطاعون أو الكوليرا.
*
كانت الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام الغربية والأمريكية على الخصوص مؤثرة فعلا؛ إرهابيون يضربون خمسة أهداف كاملة في بومباي، العاصمة الاقتصادية للهند، مدينة حيوية تُحول إلى رعب وخراب. من يقف وراء كل هذا: للوهلة الأولى، وقبل أي تحقيق، يشار إلى أناس ينتسبون للإسلام. جرى الحديث في البداية عن "دكة مجاهدين"، ونقل أن الإرهابيين كانوا يبحثون عن حاملي جوازات السفر الأمريكية والبريطانية، لتنتشر بسرعة تلك الصورة النمطية المعروفة: الذين يقومون بمثل هذا النوع من الخراب معروفون؛ إسلاميون متطرفون ينتمون ل "أيديولوجية الحقد‮ والموت‮".‬
*
ما هو المنطق الذي يبرر مثل هذه الأفعال؟ ثم ما هي الديانة التي تبيح هذا الرعب؟ وأخيرا، وهذا سؤال براغماتي، ما هي النتيجة التي يمكن أن تحققها مثل هذه الأفعال للإسلام وللأمة الإسلامية أو حتى للدنيا كلها والآخرة أيضا؟ نفس الأسئلة تطرح بالنسبة للإرهاب الهمجي الذي‮ يرتكب‮ في‮ الجزائر؛‮ عمليات‮ قتل‮ وتخريب‮ همجية‮ لا‮ يقبلها‮ لا‮ الشرع‮ ولا‮ المنطق‮ ولا‮ تفيد‮ أحدا‮.‬
*
هذه‮ الحركات‮ المتطرفة‮ تمكنت‮ منا‮ لسوء‮ حظنا؛‮ بالأمس‮ وعدوا‮ الناس‮ بالجنة‮ في‮ حالة‮ ما‮ أذا‮ صوتوا‮ لهم،‮ وبعدما‮ فعلوا‮ أدخلوهم‮ في‮ جحيم‮ لا‮ ندري‮ متى‮ سينتهي‮. هذه‮ هي‮ الوقائع‮ ولا‮ تهم‮ المبررات‮ والأسباب‮!
*
الآن، وبعدما اتضح أمام المجتمع مدى خطورة هذا النهج، جاءته الفرصة المناسبة كي يبلور خيارات وفق أساليب غير عنيفة. وهذا لا يعني إقصاء التيارات السياسية والفكرية التي تتبنى نظرة معينة حول الدين الإسلامي ودوره في المجتمع، لكن من غير المنطقي أن يبقى التيار العنفي الإرهابي هو المهيمن على الجميع ويشل أي مبادرة لتغيير الهيمنة الأحادية هذه. فعندما نتحدث عن المعارضة أصبحنا نشير فقط إلى أولئك الذي أثبتوا شرعيتهم بالبندقيات والمسدسات الرشاشة! لكن التيارات الأخرى التي لها بدائل جدية لا وجود فعلي لها في الساحة. لقد غُمرت في‮ ظل‮ حرب‮ طالت‮ ولم‮ تحسم‮.‬
*
لكن الجماعات الإسلامية الجهادية ليست حتمية، وكان يمكن، في الحالة الجزائرية، التخلص منها كلية لو تُوبعت الحرب على الإرهاب إلى نهايتها. لقد توقفنا عند حد النصر العسكري ولم يتم ربح المعركة ضد التشدد والتطرف، وهذا يعني أننا لم نفعل شيئا، لأن التشدد الحالي قد ينتج تطرف الغد. ونفس الأسباب التي أدت لحرب الأمس لا تزال كما هي قائمة اليوم. في حين يمكن ربح المعركة كاملة بفتح المجالين السياسي والإعلامي وفق ضوابط دولة القانون، بأن يتم إدخال المجتمع في ديناميكية جديدة تمتد لنواحي الحياة السياسية والفكرية والتربوية حتى يفهم‮ الناس‮ أنه‮ بإمكانهم‮ أن‮ يكونوا‮ مسلمين‮ في‮ أعلى‮ درجات‮ الإيمان‮ بالله‮ من‮ غير‮ أن‮ يمزقوا‮ إخوانهم‮ أشلاء‮ في‮ الشوارع‮ أو‮ أن‮ يحولوا‮ المرافق‮ العامة‮ والمؤسسات‮ الحكومية‮ إلى‮ خراب‮.‬
*
ولأننا لم نربح المعركة كاملة مع الإرهاب يبقى هاجس التطرف يهيمن على المجتمع ولا يفسح المجال لخيارات أخرى بديلة. والمؤسف أن الأنظمة التسلطية في العالم العربي والإسلامي تبني "مجدها" على الرعب الذي تخلفه الجماعات الإرهابية، تماما كما بنى صقور البيت الأبيض استراتيجية الهيمنة على العالم انطلاقا من تخويف العالم كله بخطر داهم اسمه "القاعدة"، لسان حالها دائما: الوضعية هشة وغير مستقرة وفتح المجالين السياسي والإعلامي قد يؤدي لانزلاق مشابه لذلك الذي ذاق مرارته الجميع من قبل.
*
لكن الوضع يظل رهن تعقيد مستديم، فمن جهة هناك تيارات متطرفة تحاول أن تستثمر، من جديد، في الوضعيات الكارثية التي تخلفها إخفاقات الأنظمة التي تبرهن باستمرار عجزها على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها السكان، وفي الجهة المقابلة، هناك أنظمة تستثمر في الخوف الذي تزرعه قوى التطرف، لتبقي المجتمع كله رهن طاعتها، ولا توفر له من خيار سوى الإذعان لاستبدادها، ومع مرور الوقت تنتج وضعيات مزرية تصلح لاستثمار متجدد من جانب المتطرفين، وهكذا دواليك. حلقة مفرغة بين الطاعون والكوليرا، في حين لسان حال المجتمع: لا الطاعون‮ ولا‮ الكوليرا،‮ اعطوني‮ حريتي‮ أطلقوا‮ يدي،‮ كما‮ يقول‮ الشاعر‮!‬
*
لما نعد إلى الوراء نجد أن "الفيس" حاز على دعم شعبي كبير عند تأسيسه، حوله من مجرد حركة دينية متشددة إلى حركة شعبية احتجاجية على إخفاقات الحزب الواحد وانتقامية من تعسف وتسلط نظام الحكم. لكن سرعان ما تحول الالتفاف الشعبي حول هذه الحركة الاحتجاجية إلى رفض بالجملة لها عندما اكتشف المجتمع إرهاب متطرفي هذا التيار ومحدودية "برنامجه"؛ فانتخب الناس على الجنرال اليمين زروال في الانتخابات الرئاسية ل 16 نوفمبر 1995، رغم أنه عسكري وكان مرشح النظام، آنذاك، كان المجتمع بحاجة لمن يرجع له الأمن ويوقف انهيار الدولة ويعالج مشاكله، لكنه (أي المجتمع) يفاجأ، مع مرور الوقت، أنه حتى العودة للنظام ليست مجدية لأن النظام الذي وصفه زروال ب "المتعفن" لم يغير من طقوسه الفاشلة، ولم تعد هناك خيارات أخرى أمام المجتمع كي يبلور مشروعا وطنيا للبناء كي يحل مشاكله.
*
حقيقة، لقد استردت السلطة زمام المبادرة مجددا بعد الفرصة التاريخية التي منحتها إياها الجماعات الإسلامية المتطرفة. نفس الشيء يقال على جميع الدول العربية التي أصبحت تبني شرعية وجودها من قدرتها على ضمان الأمن بالنسبة للداخل، وأيضا، تُزايد بهذا الوضع تجاه القوى الكبرى في العالم فتظهر وكأنها الأقدر على الوقوف في وجه التطرف فتضمن السند الخارجي. لكنها لم تتعظ من التجارب المريرة السابقة، فعادت للاحتكار السياسي والهيمنة والتسلط على المجتمع، رغم أنها قادرة على الدفع نحو التغيير بحكم هيمنتها على مراكز القرار والتأثير في المجتمع. في نفس الوقت تبقى قوى التطرف كما هي متربصة بالمجتمع، في حين أن التيارات الأخرى التي يمكن أن تقدم مشروعا أفضل في جو سلمي ديمقراطي تبقى مغمورة أيضا. هذا المشروع قد يأتي لما يتم رفض الثنائية العقيمة سلطة تطرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.