التأم شمل واحد من أشهر الثنائيات في التاريخ حين وصل رماد فيدل كاسترو إلى الضريح الذي يضم رفات رفيقه المناضل الثوري آرنستو تشي غيفارا ضمن موكب جنائزي للزعيم الكوبي الراحل يجوب البلاد لمدة ثلاثة أيام. وأحرق جثمان كاسترو بعد أن توفي، يوم الجمعة، عن 90 عاماً. ويسلك الموكب الجنائزي الطريق من سانتياغو دي كوبا إلى هافانا. وتجمع بضعة آلاف من المشيعين لاستقبال الموكب بالضريح خارج سانتا كلارا البلدة الواقعة في وسط البلاد التي أخرج فيها غيفارا الطبيب الذي تحول إلى ثوري قطاراً مصفحاً عن القضبان في معركة ضد جيش الرئيس فولغينسيو باتيستا أسهمت في أن تميل كفة الحرب لصالح المتمردين. ووقفت لافتة كبيرة تحمل صورة فيدل على قاعدة تمثال لغيفارا يبلغ طوله نحو سبعة أمتار. حملت اللافتة كلمات "دائماً حتى النصر" وهي العبارة التي كتبها غيفارا في وداع لفيدل. وقدم موسيقيون شعبيون وفرقة مسرحية عرضاً لتأبين الزعيم الراحل. وقال بيدرو بينيدا (70 عاماً) وهو عامل في مصنع لتصنيع اللحوم: "هذا مكان مقدس بالنسبة لنا لأن تشي يرقد هنا. الآن سيقضي فيدل الليلة إلى جوار رفيقه في المعركة". وفي وقت سابق اصطفت الحشود في الشوارع وهي تهتف "فيدل!" وتلوح بأعلام كوبية صغيرة لتحية رجل حكم كوبا 49 عاماً بتركيبة من الكاريزما والإرادة الحديدية فأقام دولة شيوعية على عتبة الولاياتالمتحدة وأصبح شخصية محورية في الحرب الباردة. تحرك رماد كاسترو ببطء في مقطورة خلف سيارة جيب عسكرية انطلقت من هافانا وشقت طريقها عبر عدة بلدات، يوم الأربعاء. والمحطة التالية للموكب الجنائزي هي سانتياغو دي كوباالمدينة الواقعة جنوب شرق البلاد التي بدأ منها كاسترو التمرد على الديكتاتور فولغينسيو باتيستا عام 1953. وهناك يوارى رماد كاسترو الثرى، يوم الأحد، في مقبرة يرقد فيها خوسيه مارتي البطل القومي الذي عاش في القرن التاسع عشر وأسطورة الموسيقى كومباي سيغوندو. وتوفي كاسترو بعد عشر سنوات من تنازله عن السلطة لأخيه الرئيس الحالي راؤول كاسترو (85 عاماً) لسوء حالته الصحية. التقى غيفارا وفيدل كاسترو في المكسيك حيث تدربا وقاما بشراء أسلحة استعداداً للثورة الكوبية قبل أن يبحرا إلى الجزيرة في 25 نوفمبر 1956 أي قبل 60 عاماً بالتمام من يوم رحيل كاسترو. أصبح غيفارا واحداً من أهم الرجال في القوة المتمردة ثم في الحكومة الثورية فرأس البنك المركزي وتولى وزارة الصناعة والتقى زعماء العالم وفي نهاية المطاف حمل السلاح مرة أخرى في محاولة لتفجير ثورة في مكان آخر من أمريكا اللاتينية. حين فر باتيستا من كوبا واجتاح المتمردون بقيادة كاسترو هافانا أقام غيفارا مكتبه في قلعة لا كابانا المطلة على المدينة حيث أشرف على محاكمات رجال باتيستا وعمليات الإعدام بالرصاص. لم يكن هناك من يضاهي المقاتل الوسيم في الكاريزما والشهرة سوى كاسترو واستمرت شهرته في الانتشار إلى أن اعتقله جنود من بوليفيا دعمتهم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) وأعدموه في عام 1967 عن 39 عاماً. واستخرجت رفات غيفارا من مقبرة جماعية ودفنت في سانتا كلارا عام 1997 بينما واجه النظام الشيوعي الكوبي الذي أسهم في إرسائه صعوبات في الاستمرار بعد انهيار الإتحاد السوفييتي. وخلال مراسم الدفن وصف كاسترو رفيقه غيفارا، بأنه "نبي" وفي رسالة وجهها إلى صديقه الراحل قال إن كوبا ما زالت ترفع رايات الاشتراكية. وفي حين أن أعداء الرجلين مقتوهما إذ يقولون إنهما دمرا الاقتصاد من خلال تطبيق النظام الاشتراكي، بالإضافة إلى سجن وإسكات المعارضين بنظام دكتاتوري على غرار ما كان مطبقاً في الإتحاد السوفييتي، فإنهما كانا بطلين مناهضين للاستعمار في نظر كثيرين خاصة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا. وقال الطالب إدواردو خوسيه مانيرسا (17 عاماً): "إنهما عملاقان في تاريخنا. حاربا من أجل وطننا ومن أجل سيادتنا".