ولدت مأساة أهل السنة في العراق في 2003.. ولا تزال أطوارها تتفاعل على وقع مستقبل مجهول.. حدث ذلك عندما نزلت أول دبابة أمريكية في العراق وأعلنت ميلاد دولة شيعية على أنقاض نظام صدام حسين. ابتداء من هذا التاريخ.. وفي كل يوم كانت تتسع مساحة هذه المأساة لتسجل قوافل جديدة من الضحايا ومنكوبين بالملايين.. يحاصرهم الإقصاء ويطاردهم الاضطهاد ويمزقهم التمييز على الهوية.. هي مأساة حقيقية لا تحتاج إلى دليل أو توصيف.. كما لا يمكن إنكارها أو التعمية عليها.. إنها مأساة حقيقية قائمة بذاتها.. ومكشوفة ولا شيء يستخفي منها.. فالسفير “بريمر" كان يعلم جيدا أن ميلاد الدولة الطائفية في أرض الرافدين.. سيكون أكبر إنجاز للاحتلال الأمريكي بعد أن يغادر أرض العراق.. وهذه الطائفية كفيلة بمفردها بتفجير كل براكين الحقد التاريخي تحت أقدام المسخ السياسي الجديد.. حيث يتربص شيطان التطيف الشيعي.. وفي يده كير الصراع المذهبي ينفخ فيه بلا هوادة.. بالموازاة مع ذلك ينمو أخطر مشروع شيعي صفوي في العصر الحديث تحت مسمى الجمهورية الإسلامية في إيران.. في محاولة لإحكام قبضة الهلال الشيعي بمد حلقاته إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. ولدت دولة ما بعد صدام لتكون طائفية بامتياز.. متعصبة وقمعية.. دولة للشيعة فقط.. ليس فيها لأهل السنة نصيب.. وإن تركوا ليعيشوا فعلى الهامش وفي أضيق نطاق وبغير صلاحيات أو قدرات تؤهلهم ليؤسسوا كيانا مستقلا أو قابلا للحياة.. لم تكن دولة ديمقراطية تعددية أو فيدرالية.. ولا حتى ظل دولة تحترم حقوق الإنسان وتحفظ كرامة المواطنين.. بل كيانا نقيضا للدولة الحديثة.. يتحرك عكس تيار التاريخ.. ويحمل مواصفات دولة الجاهلية الأولى. تفكيك الجيش العراقي وتدمير مؤسسات الدولة الإدارية والسياسية والتهجير القسري لأهل السنة.. وملاحقة من بقي منهم بالتنكيل والقتل والترهيب بواسطة الميليشيات المسلحة.. التي كانت تتغذى عقائديا من السيستاني وسياسيا من المالكي.. كان ذلك صورة واضحة لتواطؤ التشيع الديني مع التشيع السياسي.. وكان أيضا مقدمة لتأسيس نظام سياسي طائفي حاقد استولى على مقاليده الشيعة.. الذين ركبوا موجة الفوضى التي أوجدها الاحتلال الأمريكي لتحقيق الانتشار في كافة مفاصل الدولة.. في ظل التهم الجاهزة كانت توجه للسنة باعتبارهم أعوان صدام المميزين..!! إن ممارسات الحكومات الطائفية في العراق التي تستلهم من النظامين السوري والإيراني كل أساليب القمع والتمييز ضد أهل السنة.. جسدت حالة سعي حثيث لإحالة ملايين العراقيين المخالفين في المذهب إلى مهمشين ومضطهدين تحت طائلة القانون وأحكام القضاء المسيس وبداعي محاربة الإرهاب وفي ظل دستور يمنح المالكي كل الصلاحيات المتغولة. فعلى غرار النظام السوري الذي أصدر قانونا يعدم فيه كل إنسان يتهم بالانتساب لجماعة الإخوان المسلمين.. فقد أصدار النظام الطائفي في العراق قانونا بمسمى مكافحة الإرهاب يحكم بالإعدام على كل متهم بالإرهاب.. أصيلا كان أم شريكا.. وبالسجن المؤبد على من يتستر على إرهابي.. وهؤلاء لن يكونوا إلا سنة.. والنتيجة كانت معروفة.. مئات وآلاف المشانق التي علق فيه أبرياء وأحرار من داخل العراق ومن خارجه بتهم باطلة وأحكام قضائية شكلية.. ولأن دائرة الإعدام لا تقف عند حد معين.. فقد طالت يد المالكي نائب رئيس الجمهورية الهاشمي ذاته.. لأنه سني.. فحكم عليه بالإعدام خمس مرات متتالية.. ولا يزال حجر الرحى يدور ليرسو أخيرا على وزير المالية. في بغداد كما في باقي المدن العراقية المختلطة.. سعى الشيعة لتطهير المدن والأحياء من أهل السنة.. وتكفلت ميليشيات الصدر والمالكي وغيرهما من فيالق الموت والرعب بتنفيذ المهمة بكل شراسة.. وبإحكام القبضة على المناصب القيادية العسكرية والأمنية وتأسيس قضاء طائفي يأتمر بأمر الساسة.. ضيقت الدائرة على أهل السنة الذين وقعوا بين كفي كماشة.. إما الصمت أو الموت. لقد احتشد مئات الآلاف من الأبرياء في السجون.. وطالت يد القهر والعبث النساء أيضا.. ففي أوكار الموت هذه تفنن الجلادون في التنكيل بضحاياهم.. ومرغ شرف النساء في التراب.. وفي الأقبية المظلمة وخلف القضبان العاتية كانت أنات المعذبين تصطدم بجدران صلبة من صمت العالم والعرب. استولى الشيعة على مفاصل القطاع النفطي.. واحتكروه لأنفسهم.. ويكفي دليلا على درجة الفساد والسرقة التي استنزفت الموارد النفطية للعراق والمقدرة بمئات المليارات من الدولارات أن العراق مصنف في المراتب الأولى عالميا من حيث الفساد المالي.. ولعل فضيحة صفقة السلاح الروسي خير دليل على ذلك.. وإلا فأين تصب عائدات العراق من بيع النفط.. إن لم تكن في جيوب المالكي والسيستاني وأزلامهما من هؤلاء الشيعة الفاسدين؟ لا يقف الأمر عند هذا الحد.. فقد تحول العراق إلى متنفس اقتصادي لإيران المحكومة بعقوبات اقتصادية غربية.. والتي تجاوزت صادراتها إليها سقف 11 مليار دولار.. ناهيك عن تمويل حرب الإبادة التي يشنها النظام البعثي المتوحش في سوريا.. وعمليات التهريب والتخريب التي لم يعرف العراق لها مثيلا. وحيث يسرح ويمرح الفسادان المالي والسياسي.. يتولى الفساد الإعلامي أداء دوره التحريضي.. فعشرات القنوات التي تبث سمومها في نفوس البسطاء من أتباع المذهب الشيعي.. تصور أهل السنة باعتبارهم إرهابيين وقتلة الحسين والمتواطئين على إقصاء علي من الخلافة.. ومن ثم يجب الانتقام منهم بلا رحمة.. هكذا بكل بساطة تتم تغذية عقول ساذجة تتحول لأدنى سبب إلى آلة قتل وتدمير يصعب التحكم فيها.
إن انتفاضة أهل السنة الأخيرة.. انعكاس لحالة الظلم التي لحقت بهم.. فالمالكي الذي يتوعدهم بالإنهاء.. أي التصفية – كما جاء على لسانه -.. يوفر الدليل الدامغ على أن هذا الشخص يملك الاستعداد كما بشار الأسد لممارسة الإبادة.. وهو لا يخجل من نفسه إذ يتهم هؤلاء المظلومين برفع شعارات طائفية.. وينسى المغفل أن رائحة التشيع والعمالة لإيران التي تفوح منه كفيلة ببعث أية طائفية مضادة حتى ولو كانت ماتت منذ أمد بعيد. العراق قائم على برميل طائفي قابل للانفجار.. وفتيل الاشتعال وعود الثقاب هما في يد غلاة الشيعة المتطرفين.. فمن يملك احتواء تراجيديا يعد لها هؤلاء الحمقى؟