بعد سنوات طويلة أمضاها في بيع الزهور والسجن، يكرس رئيس أوروغواي خوسيه ألبرتو موخيكا نفسه اليوم شخصية عالمية، منتزعاً لقب «أفقر رئيس في العالم وأكثرهم سخاءً»، كما تصفه الصحافة الدولية. وتعود شهرة موخيكا إلى أسلوب عيشه المتقشف وخطاباته المناهضة للمجتمع الاستهلاكي. موخيكا وهو في الثمانين من العمر يستقبل زواره في منزله المتواضع الكائن في ضواحي مونتيفيديو، وتحمل جدرانه بقع الرطوبة ولا تتجاوز مساحته 45 متراً مربعاً. وما زال الرئيس الذي أشرف على نهاية مسيرته المهنية ينظر نحو المستقبل «أعتقد أننا كنا دوماً حساسين لطريقة النظر إلى العالم الجديد، إلى الشباب». ورغم أنه معروف بتواضعه عادة، فإنه لا يتردد في تقديم نفسه كمثال، وأسر مازحاً: «هل رأيتم كيف أن المرشحين للرئاسة لا يضعون ربطة عنق؟ أتذكرون أن أول برلماني لم يضع ربطة عنق كان أنا»، معبراً عن سروره بأن الطاقم السياسي الحديث «يتحرر بعض الشيء». ولم ينس أعوام الاعتقال التي أمضاها في سجون الحكم الدكتاتوري (1973-1985) لأكثر من 13 عاماً تعرض فيها للضرب والإذلال، حيث وضع في زنزانة معزولة لتسعة أعوام لم يرافقه أثناءها سوى الحشرات محروماً حتى من القراءة لسبعة أعوام. عمل موخيكا في صباه بائعاً للزهور في الأحياء الميسورة في مونتيفيديو، جاذباً السيدات المسنات اللواتي كن يكرمن مفقوديهن، وذلك قبل أن ينضم إلى حركة التحرير الوطني «التوباماروس» في ستينات القرن الماضي، لكنه يعتبر اليوم «الحرب وسيلة وحشية تعود إلى ما قبل التاريخ، فأياً يكن سبب الحرب فإنهم هم أنفسهم الذين يدفعون الثمن، الأكثر ضعفاً». وعشية مغادرته الرئاسة يرى أنه في كل مرحلة من التاريخ البشري يجب السعي إلى تعلم أمر ما ونقله إلى الذين سيأتون. ويعتزم هذا العاقل المسن مطمئناً من الآن فصاعداً أن يفعل «ما يفعله الأسلاف، إعطاء نصائح لا يأبه لها الجميع».