بقلم : زكرياء بوخزة / صحفي جزائري يفترض أن نظام القذافي سقط ، ويفترض أن زمن الاستبدادية والدكتاتورية قد مضى ، ويفترض أن الكتاب الأخضر قد أصبح مجرد ذكرى وعبرة لكل كتاب اخضر ، لكن ماذا بعد هذا الافتراض ؟ ماذا بعد ؟ . على وقع الأحداث الليبية في الساعات الأخيرة ، وما يخيم على ديارها لا يمكن إلا أن نضعه ضمن المشهد التاريخي في سجل ليبيا التي أراد شعبها أن ينفض الغبار عن نفسه بعد أكثر من أربعين عاما ، ليفجر لحظة هامة في المسار السياسي للجماهيرية الليبية . العالم الذي يتابع بإهتمام متزايد للشأن الليبي وتطوراته من شتى المصادر الإعلامية و بإختلاف أطيافها ، اشتركت رؤاهم لما يحدث على الصعيد الليبي ، رؤى خلقت بدورها اتجاهات متضاربة وأخرى غامضة حول مصير القذافي وعائلته وحاشيته ومستقبل ليبيا . انهيار نظام القذافي تبعتها فرحة شعبية عارمة ، فرحة كانت بإزدواجية الروح ، ففي حين خرج الغالبية فرحا واحتفاءا بإنتصار الثورة وبسقوط النظام الطاغي كما سموه ، راح البعض إلى الخوف و القلق من ان شبح الاستبدادية مازال قائما وأن القذافي لم يسقط و إنما اختفاءه لا يعدو ان يكون مجرد سيناريو من سيناريوهاته الغريبة و الخارجة عن المألوف التي لا طالما عرفه بها الليبيون وحتى العالم كله . إذن هكذا هي فرحة الشعب الليبي بالحدث ، فرحة عارمة مجنونة ، وفرحة عاقلة حذرة تتربص لما هو قادم . نعم لما هو قادم ، وهنا مربط الفرس والحديث كله وكل الحديث عن ماهو قادم . اذن سقط النظام .. ماذا بعد ؟ الثورة الليبية التي انطلقت بثنائية المسعى لاغنا عنهما ،أولها إسقاط النظام ، و ثانيها ليبيا جديدة تحقق معاني الدولة الحقة ونظام بكامل الشرعية يكفل ارساء السياسة السليمة لليبيا عظمى . فإذا كان المسعى الأول للثورة تحقق فعليا بإنهيار عرش القذافي الذي خلّد لأكثر من أربعة عقود من الزمن ، فماذا عن المسعى الثاني ، هل نحن اليوم على مشارف ليبيا التي ينشدها الشعب الليبي وعلى اجلها أقام الدنيا ولم يقعدها ، هل الظروف الآنية و الأوضاع الراهنة تجعلنا نقف عند حدود التفاؤل بغد مشرق يحل على ليبيا . أم انه تفكير البعض الذي راح ينعى الزمن الليبي الجميل وأيامها الملاح ، ويرى ان ليبيا على بعد خطوات من سيناريو مشابه لما حدث قبل ثمانية سنوات للعراق ، سيناريو لازال الشعب العراقي يدفع ضريبته غاليا لحد الساعة ، الخوف أيضا من فتنة داخلية تضع ليبيا أمام حرب أهلية وصراع طائفي وانقسام قد يحصل على مستوى البنية المجتمعية الليبية ، كل هذه الحسابات يسجلها دفتر الأحداث الراهنة و المتواترة بشدة في ليبيا بعد سقوط القذافي . الحسابات الاخرى نجدها في الطرف الاخر ، عند ما يسمى بالناتو الذي يعد العدة بل أعدها ويستعد لإرساء قواعده من اجل أهدافه السامية التي جاء من اجلها على حد تعبيره ، فإذا كان دخوله للأراضي الليبية تحت ذريعة تخليص ليبيا من شر القذافي ، فماذا يفعل الآن و القذافي قد انتهى . اذن المشاهد الجديدة في المسلسل الليبي لن يصنعها القذافي أو أتباعه بعد الآن ، لأنه دور حلف الشمال الأطلسي ليأخذ مكانه في اللعبة التي خلق من اجلها . الناتو الذي لن يغادر الأراضي الليبية حتى يحقق مكاسب إستراتيجية وسياسية واقتصادية ، ومن هذه اللحظة سنكون أمام خطط جديدة و ذرائع رهيبة سيحكيها مجلس الأمن لإعطاء الشرعية للناتو كي يعمر طويلا في ليبيا و يأكل منها الأخضر و اليابس . إذن رهان الثورة لم يتحقق بالكامل بعد في ظل هذه المعطيات ، لأن الثورة الليبية صحيح أسقطت رأس الأفعى ، لكنها الآن أمام أفعى جديدة وبسم أشد فتكا ، فعلى الثورة الليبية أن تتجاوز كل ذلك إلى بناء عهد جديد وربيع مشرق يحل على ربوع البلاد من أقصاها إلى أقصاها حتى لا يكون القادم أدهى وأمر