أطنان من الشكاوى تصل إلى السلطات العليا تعري تجاوزات مسؤولين ومتسولين في السلطة، والرد الشائع الذي كثيرا ما يصطدم به الشاكي أن شكواكم وصلت وأن مصالح الوزير قد حولتها إلى مصالح ولايتكم للبت فيها، وببساطة كأنك ''يا بوزيد ما غزيت''، والمشتكى منه وفق منطق جماعة ''الفوق'' تحول إلى قاض والشاكي أصبح واشيا مطلوبا إزاحته من منصبه وتأديبه على جرأته.. موظف شريف رفض أن يكون محايدا وصدّق نكتة مسؤوليته أمام التاريخ، فقام في خفية عن عيون ''أم عياله بجمع ملف كامل عما يجري في إدارته ليرسله إلى معالي وزير ما، طالبا منه بأن ينقذ المال العالم من ''الناهم'' العام. وبدلا أن تتحرك مصالح الوزارة لإنقاذ شرفها الذي لطخه معالي المدير، أعلمت الوزارة الموظف الواشي بأن الملف قد تم تحويله إلى مديره للبت فيه وما على الموظف المسكين إلا الاتصال بمسؤوله ليعلمه بتطورات الملف. صاحبي جنّ بعدما فصل من عمله وزوجته المصون طلقته لأنه تلاعب بخبزة ''عيالها''، والسبب أن الوطنية والخوف على المال العام أصبح ممرا يؤدي إلى الجنون وكذا إلى الطلاق البائن والظاهر.. وزير العدل بلعيز أعطى الصحفيين الأمان وطلب منهم مساعدته على كشف قضاته المتجاوزين ووعد بأنه سيحمي المخبرين الإعلاميين من مغبة المتابعة القضائية التي يمكن أن تترتد عليه بمجرد أن يقول عن قاضيا ''كليمة''. لكن ما نسيه الوزير الصادق في عهده أنه ليس من السهل على أي كان أن يضمن الغد الذي قد لا يكون فيه الوزير وزيرا، والعالمون بالأمور يدركون أن ''ذراع الدولة طويل'' وأن العدالة تقلب الصفحة ولا تنساها، وهو قول صاحبي المجنون الذي ذكر لي أنه قدم الملف كاملا إلى العدالة فقامت العدالة نفسها بمعالجة قضية قذف مرفوعة ضده ووضعت ملفه الخاص بالاختلاس في رف التأجيل، ليدان المسكين بالسجن والجنون في انتظار الطعن أو ''الطعم''. ترى من يتجرأ على أن يكون شريفا في هذا البلد فأمثال صاحبي ألف وأف منكم ..؟