ثمة الآن ما يشبه النظامين الاقتصاديين داخل النظام نفسه، الأول يمثله القطاع العام، وهو يسيره بالأساس الكسالى والفاشلون ويحظون بامتيازات ومكافآت لاتخطر على بال أحد، والثاني يمثله من اختاروا القطاع الخاص طوعا أو كرها ليكتشفوا في غياب الدولة وقوانين العمل أن ختام عملهم إطلاق رصاصة رحمة عليهم والسلام... وهذا الأمر يتعلق فقط بمستوى الأجور، لأن القسمة الكبرى والطامة حدثت قبل نحو عشرين عاما، على الأقل أيام الإرهاب حدثت بين الثيران وكل أخذ نصيبه ولاسلام بعد أن بدأ بالمساواة بين المتعلمين والأميين وانتهى بفوز هؤلاء! الساكت رابح!! قبل أيام احتفل عمال العالم وليس عمال الجزائر بعيد العمال، والصحفيون بعيد الإعلام، فرفعوا شعارات بأنهم من «طيّبات الحمام»، كما وصفوهم وأن من حق الطيبة أن تنال حقها في التطيب والترطيب والتسميد والدهن... ادهن السير يسير، مثلهم مثل القطاع العام، فليسوا هم أقل شأنا، وهذه الثنائية غير المتجانسة لم أذكرها عرضا، لأنها كانت من أمهات أفكار سلطة الثيران بعد أن أقرت في الأيام الأخيرة قانون أجور للصحفيين في القطاع الحكومي النعسان على مدار العام والساكت عن إبداء أي رأي أو كلام قد يزعج معشر «الذبان»، أو حتى العاجز لأنه ببساطة جبان ويخشى ظله وهو قانون يرفع من شأن الكلمة الساكتة والصامتة، ويحط إلى أسفل السافلين من أية كلمة أخرى ولو كانت على شكل تململ سريري، كململة مريض يعاني من صداع شديد يستلزم قطع الراس بدل الإصلاح لكي لايتحول إلى إسلاخ وسلخ! ككل الإصلاحات التي نسمع بها ولا نراها! أما سيدي السعيد هذا الكادح الجزائري رقم واحد والفقير للَّه والبلاد، فكل الناس يعرفونه بمن فيهم النسوان والصبيان، فلا يغيب باعتباره رئيس اتحاد عمال القطاع العام عن المشهد السياسي والنقابي، لأنه بكل بساطة أيضا مصنف برتبة وزير (سري) في حكومة الثيران ولايمر إلا مرة في العام بعد أن يذهب إلى أندونيسيا في آخر الأرض في إجازة سنوية كل عام يريح فيها أعصابه ويكبس أوتاره لكي يعود لحلقات الملاكمة السلطوية ويخرج في كل مرة عندها كالباي أو السلطان أيام زمان... مع أن الحقيقة ليست دائما كذلك، فسيدي السعيد أصبح بفعل سلوكه الاستوزاري القائم على التملق والتودد والتملحس في وضعيه المهاجر غير الصالح المهدد بترحيله إلى «لبلاد» في أول رحلة طيران لعلهم يرتاحون من إزعاجاته ويكون خير مثال لكل من تسول له نفسه اتباع سيرته، فهذا واحد من الشروط الأساسية لكي يكون مقبولا عندهم، وبالمناسبة الهجرة (المباركة) في بلاد المهجر فرنسا مدعوة مرتين للتصويت (والتسويط) في فرنسا (الراڤدة) والجزائر الواقفة في أقل من أسبوع. وفيما يظهر الخيار هناك بين رئيس منتهية ولايته من أصحاب اليمين والملايين، وبين رئيس موعود من أصحاب اليسار والبروليتار، فإن هذا الخيار غير ظاهر هنا، لأن الكل يتصرف وليس بالضرورة يقول إنه الخيار الوحيد هو ماوقعه الثيران منذ أعوام، منذ أن رفعوا أيديهم عن كل شيء ليتفرغوا للعب واللهو بما لايقبله العقل أحيانا بما فيه الغذاء الأساسي والدواء! وقد يكون الاستثناء الوحيد ماذكره زعيم حزب يتعرض في كل مرة لانقلاب غيبي وليس علمي، جاء فيه أنه بعد عام إن شاء اللَّه أمين سيقضي على جيوب الفقر، فلا يعود هناك من يشوش على راحتك في قارعة الطريق أو أمام الجامع أو أمام المتجر توسلا لكي يتصدقوا عليه، مما أعطاهم اللَّه ومما فاض عليهم الرعيان والثيران بعد أن صاروا يعطون ويقبضون، كما يقبض ربكم الحمام! عام لقتل الفقر! المشكلة الآن مع الزعيم الذي سيحارب الفقر في عام، أنه لايستند على نظرية سياسية يمكننا بموجبها أن نعرف جدية مايقول ومدى القابلية للتطبيق، وهذا أمر ممكن الحكم عليه من أول الطريق، وهذا الخلاف مطروح أيضا على الساحة الفرنسية في انتخابات الرئاسة بين يساري يريد عدد أقل من البورجوازية ويميني يدّعي أنه يريد عددا أقل من الفقراء... فأين هو الحلّ وكيف نبدأ! إذا كان حتى سيدي السعيد الذي يأتي من قريب لايعرف أين الباب ويسأل كالأعمى دلوني يا أحباب! ثمة وضعية معقدة جدا نتجت عن قسمة الثيران الأولى لكعكلة الخوصصة على الطريقة المصرية وهي أسوأ أنواع التجارب الاقتصادية والسياسية على الإطلاق، بعد أن كادت السياسة توصل إلى التوريث، والاقتصاد يعيد الى عهد الإقطاع ماقبل الرأسمالية في القرن الثامن عشر في أوروبا! وفي نفس الوقت تحول القطاع العمومي إلى وكر للمفسدين والفاشلين الذين صنعهم نفس النظام وجعلهم قائمين عليه وامتيازا لهم دون غيرهم، فهؤلاء استحقوا مكافآة غير معلنة جزاء تخريب المؤسسات أو «تصحيرها» بلغة لويزة حنون غير العمالية، لأنه المنفذ الأساسي الذي يدخل منه ذباب الخوصصة بعد عملية تحويل الملكية وهذا الموضوع أثير مؤخرا حين قال الوزير تمار أو طمار الذي رافق المدعو بن اشنهو، إنه ليس هو من قام بخوصصة مركب الحجار (للحديد والصلب)! وليس بالتأكيد أيضا سيدي السعيد، وإن كان طبل وزغرد فرحا بمقدم الهنود الذين أعادوا تشغيل المركب الضخم بواسطة بيع الخردوات ويحصلون من بنوك عمي موح على قروش ميسرة وهم يطمعون في المزيد دون أن ينفقوا دولار واحدا من جيوبهم، وهم بذلك فرحين بالثيران ويطلبون لهم العيش على الدوام حتى تقوم الساعة (الدقيقة)! وهذا الأمر انتهى إلى تغول الخواص بعد أن صاروا يشغلون نحو 60٪ من العمال، ولكن بأن ثمن وبأي حال من الأحوال! ربراب وسونطراك جاء في الأخبار أن شركة سونطراك الدولة وهي تدفع لعمالها بالدينار اعتمادا على الحساب بالدولار، أنها تعاقدت مع جهة فرنسية لكي تنقل مرضاها هناك مثلما يذهب كبار المسؤولين هناك للعلاج... فالمهم أن دولة حاسي مسعود وهو أقدم بئر بترول صارت تسمى دولة تيزي، تملك المال وهي مصدر العسل الأول وتبيح لنفسها ما لايباح لغيرها أسوة بما هو حاصل في قطاعات أخرى يد الدولة هي يدها تحظى بالمكرمات والامتيازات... مع أنها عمليا لاتنتج خيرات مادية ولاتضيف شيئا للثروة الوطنية! هذا الجانب الذي يعكس اختلالا طبقيا خطيرا حول أقلية إلى أثرياء وأكثرية إلى فقراء، يقابله وجه آخر لخوصصة متعجرفة وكلاهما في النهاية عبارة عن خوصصة مع اختلاف الشكل والأسلوب فيها. أما نموذج تلك الخوصصة فيمثله الملياردير ربراب، صاحب سيفتال وسي فيتال، أي أنه مثل برلسكوني في الطليان والوليد بن طلال في السعودية، ولايبدو الخليفة المنهار الذي هرب إلى لندن بماله أمامه إلا كعون أمن أمام ربه! وقد جاء في أخبار فروع الملياردير في بجاية التي احتل ميناءها، مثلما كاد الخليفة أن يحتل مطار بومدين والناس يتفرجون ولايعلقون كأن الطير وقع على رؤوسهم، أن فرع بجاية يرفض أن تثبت فوقه نقابة ولو كانت لصاحبها سيدي السعيد، الحليف الطبيعي لجماعة الثيران، وزاد في ذلك وقال إن رفع الأجور ليس من أولوياته الآن، فهو مشغول بتقديم إضافة للاقتصاد الوطني، وأنه يجب أن تكون هناك اتفاقات فردية وليست جماعية بين العمال والإدارة، وهذا كفر وبهتان لو لم تكن دولته هي الحاكمة لتم اقتياده إلى الحبس مباشرة بثلاث تهم على الأقل، منها خرق قوانين العمل وممارسة الدجل والشعوذة، لأن صاحبنا هذا لايضيف شيئا إلى الثروة الوطنية، وكل مايفعله – مع غيره هو تدوير المال العام باتجاه الخاص مستخدما مصطلح الوطنية التي طالما تغني بها الوطنيون والنقابيون مثلما يتغنى بالإسلام هو الحل الإسلاميون... ومع ذلك مازلنا ننتظر أن ترى حصادهم وقد أينع لنحكم على الأفعال وليس على الأقوال... ومع ذلك، فإن سيدي السعيد هو الأقدر من غيره على تولي مسؤولية رأب الصدع بين القطاع العام الذي يوزع البذخ على الإخوان (غير المسلمين) والقطاع الخاص الذي يعيد بنا الأذهان إلى أيام الاستعباد... فهو «كولاڤ» وزميل عندهم مفضل على العالمين من الحزبيين والسياسيين والنقابيين لهذا انتخبوا عليه وأنتم موقنون بالإجابة!