رئيس الجمهورية يبرز الدور الريادي للجزائر في إرساء نظام اقتصادي جديد عادل    فلاحة: السيد شرفة يستقبل المدير التنفيذي للمجلس الدولي للحبوب    بورصة: بحث سبل التعاون بين "كوسوب" وهيئة قطر لأسواق المال    شهر التراث: منح 152 رخصة بحث أثري على المستوى الوطني خلال الأربع سنوات الماضية    موعد عائلي وشباني بألوان الربيع    الوريدة".. تاريخ عريق يفوح بعبق الأصالة "    مجلس الأمة يشارك بأذربيجان في المنتدى العالمي السادس لحوار الثقافات من 1 الى 3 مايو    عرقاب يتباحث بتورينو مع الرئيس المدير العام لبيكر هيوز حول فرص الاستثمار في الجزائر    أمطار مرتقبة على عدة ولايات ابتداء من مساء اليوم الاثنين    مسؤول فلسطيني : الاحتلال فشل في تشويه "الأونروا" التي ستواصل عملها رغم أزمتها المالية    بوزيدي : المنتجات المقترحة من طرف البنوك في الجزائر تتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية    الشلف – الصيد البحري : مشاركة أزيد من 70 مرشحا في امتحان مكتسبات الخبرة المهنية    إجراء اختبارات أول بكالوريا في شعبة الفنون    هنية يُعبّر عن إكباره للجزائر حكومةً وشعباً    العالم بعد 200 يوم من العدوان على غزة    صورة قاتمة حول المغرب    5 شهداء وعشرات الجرحى في قصف صهيوني على غزة    العدوان على غزة: الرئيس عباس يدعو الولايات المتحدة لمنع الكيان الصهيوني من اجتياح مدينة رفح    مولودية الجزائر تقترب من التتويج    تيارت/ انطلاق إعادة تأهيل مركز الفروسية الأمير عبد القادر قريبا    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    تقدير فلسطيني للجزائر    رقمنة تسجيلات السنة الأولى ابتدائي    رفع سرعة تدفق الأنترنت إلى 1 جيغا    الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنّين    أمّهات يتخلّين عن فلذات أكبادهن بعد الطلاق!    تسخير كل الإمكانيات لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    سنتصدّى لكلّ من يسيء للمرجعية الدينية    برمجة ملتقيات علمية وندوات في عدّة ولايات    المدية.. معالم أثرية عريقة    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فرصة مثلى لجعل الجمهور وفيا للسينما    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    الجزائر تُصدّر أقلام الأنسولين إلى السعودية    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    استئناف حجز تذاكر الحجاج لمطار أدرار    3 تذاكر ضاعت في نهاية الأسبوع: الثنائي معمري يرفع عدد المتأهلين إلى دورة الأولمبياد    لموقفها الداعم لحق الفلسطينيين قولا وفعلا: هنية يعبر عن إجلاله وإكباره للجزائر    بعد مسيرة تحكيمية دامت 20 سنة: بوكواسة يودع الملاعب بطريقة خاصة    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    القضاء على إرهابي بالشلف    مبادرة ذكية لتعزيز اللحمة الوطنية والانسجام الاجتماعي    موجبات قوة وجاهزية الجيش تقتضي تضافر جهود الجميع    تخوّف من ظهور مرض الصدأ الأصفر    إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار    عائد الاستثمار في السينما بأوروبا مثير للاهتمام    "الحراك" يفتح ملفات الفساد ويتتبع فاعليه    مدرب ليون الفرنسي يدعم بقاء بن رحمة    راتب بن ناصر أحد أسباب ميلان للتخلص منه    العثور على الشاب المفقود بشاطئ الناظور في المغرب    أرسنال يتقدم في مفاوضات ضمّ آيت نوري    "العايلة" ليس فيلما تاريخيا    5 مصابين في حادث دهس    15 جريحا في حوادث الدرجات النارية    تعزيز القدرات والمهارات لفائدة منظومة الحج والعمرة    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"لالّة ستِّي": عندما يصنع الكبرياء "لالّات النسا" فيحط بها فوق هضبة
نشر في الجزائر الجديدة يوم 25 - 03 - 2012

المهمة تغطية فعاليات تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية ،الانطلاق الساعة العاشرة ،مكان الانطلاق قصر الثقافة ،يدخل مرشد الوزارة " مولود " إلى الحافلة ويبدأ بعرض قائمة الصحفيين،الكل حاضر، يتحاور مع زميله "جليل" ليعلنا بدء الرحلة :" يا عميروش ..انطلق ".
روبورتاج: صباح شنيب
كنت فرحة جدا ربما لأنها أول رحلة أقوم بها بمفردي، يااااه..كل شيء يبدوا رائعا، حتى الطبيعة كانت إلى جانبي، فالجو كان جميلا،وتلك الشمس الساطعة التي رفعت درجة حرارة الحافلة بعد انطلاقنا؛هذا لا يعني أني لا أحب المطر،أنا مغرمة حد الهوس به ،ومد كنت صغيرة أهوى المشي تحته ولكني كنت أخاف أن يلغي المطر الرحلة،فنحن الجزائريون على خلاف شعوب العالم نلغي المواعيد فجأة ولأسباب واهية جدا وأحوال الطقس من أكبر المبررات.
رفقة رائعة ليوم رائع
إن أهم ما ميز الحافلة يوم ذهابنا هو السكوت المخيم،إنه الوحيد الذي كان يحدث الجلبة؛ ربما لأن الوجوه غريبة عن بعضها،جلست بالقرب من نافدة الحافلة فأنا أهوى السفر لهذا السبب وهو مشاهدة الأشياء وهي تسابق الحافلة في اتجاه معاكس،إن الطرق الطويلة تخلق الإلهام،ألم يؤلف أديب غربي رواية من أروع ما كتب من الروايات الكلاسيكية وهو في القطار وعنونها ب"القطار"؟، كل شيء كان رائعا ،وأروع ما في الرحلة هو الصحفية التي جلست بجانبي،" كم أحببتك يا هاجر قويدري " إنها تعمل متعاونة في جريدة وطنية ولحسن الصدف أنها روائية هل هناك أروع من أن يجلس بقربك كاتب في هذا اليوم الرائع ؟، لقد تحدثنا كثيرا: عن الأدب،الشعر،الروايات،الصحافة.. وهي المواضيع الوحيدة التي أفلح في مناقشتها، نصحتني كثيرا لدرجة أن قلبي انقسم يومها قسمين: قسم يستمتع بكلام هاجر،وقسم يستمتع بمناظر الطبيعة خارج الحافلة، فعلا تصلح علي رائعة المرحوم "عثمان بالي" يقول في أحد مقاطعها " دمعة سالت من العين سالت على الخدين قسمت الخد نصفين صار للحبيب قلبين " ترحمت على فقيد الأغنية الترقية ولويت رقبتي باتجاه النافدة من جديد.
الطريق الوطني شرق غرب:ما أحوج الجزائر إلى الفضاءات الواسعة
الساعة تشير إلى الحادية عشر صباحا ،لقد خرجنا من ولاية البليدة ونحن على الطريق الوطني"شرق غرب" ،الرابط بين ولاية البليدة ووهران ،إنه إنجاز فريد من نوعه ،هو أول مكان نكون فيه خارج ضوضاء المدينة ،وأزقة طرقات العاصمة التي تفوح منها رائحة الموتى بسبب حوادث المرور الكثيرة،إنه طريق يمتد مد البصر،وأنا أنظر من النافدة لا شيء كان يملأ عيناي سوى الطريق ،والجبال التي تنتهي من حين لآخر بمساحات شاسعة وزعت عليها بضع منازل،تبدو كقبب من بعيد،لقد بدأت هذه الجبال وتلك المساحات تكتسي حلة خضراء،ونحن في عز الشتاء؛أعتقد أنها فعلت ذلك لاستقبال الزوار،قلت في نفسي:" في بلدنا الجزائر كل شيء يهوى الضيافة وحتى الجبال" إن تشابه الطريق والجبال يجعل المسافر يحس وكأنه لا يزال في مكان واحد لا يتحرك سألت الروائية المميزة فقد سبق لها وأن ذهبت إلى تلمسان:" هل سيبقى الطريق محصورا بين الجبلين؟ فأجابتني وهي لا تكف عن الإبتسام :" نعم هو هكذا حتى نصل إلى تلمسان"ثم قالت لي:ألم يعجبك الأمر؟ فسارعت بالإجابة :"في كلتا الحالتين أنا مرتاحة، لأني أستمتع برؤية المارة،الناس،وألبستهم،وحتى العمران لأكتشف حياة أهل المنطقة، عندما يكون الطريق داخل المدن وإذا كان منزويا فأستغل الفرصة للتفكير في أمور أخرى ذات صلة بحياتي أنا "،ضحكت الرفيقة،وعادت أقفلت عينيها،وعدت أنا،ورميت عيناي خارج الحافلة ،بعد برهة وقف المرشد"جليل" قائلا :"هل تحسون بالجوع؟ " هو هكذا قليل الكلام،وحتى إذا تكلم فيستعمل جملا قصيرة جدا ،الجمل القصيرة هي من أبرز سمات الرواية الجديدة ومن أهم شروط اللعبة اللغوية والتأثير في المتلقي ،كان جليل حازما جدا عبر أيام الرحلة كلها لدرجة أنه لا يتكلم إلا لأمر واحد: ليوجه وإذا كان هناك احتمال ثان فهو لكي يوجه .
في الحقيقة أنا أشعر بالجوع فعلا ،التفت إلى الحافلة فإذا بها خالية على عروشها ماعدا السائق "عميروش "،ابتسم ابتسامة عريضة وهو يقول:" ألا تريدين الأكل؟"وأجبته بلهفة: بلا أريد ذلك،وصحت بأعلى صوتي: "إنتظروني،أنا آتية"،ضحك الجميع علي لأني لم أنتبه لخروجهم ،لكني لم أخبرهم لحد الساعة أني أهوى الفضاءات الواسعة وأنسى نفسي فيها،ألم يخلق الشعر في الصحراء؟.
سألت المرشد مولود عن المكان الذي نحن فيه،فاخبرني أننا بولاية "الشلف" ذهب الكل إلى المطعم والمتجر الذي يجاوره،اشترينا بعض الأطعمة الخفيفة ،وعدنا إلى الحافلة، انطلقنا من جديد ،عدت أنا أفتش في الطريق عن نفسي وعادت هاجر إلى غفوتها أو ربما هي أيضا تبحث عن نفسها بطريقتها الخاصة فهي أديبة لا يجب أن أنسى هذا ،وأنا كذلك ألملم شتات أفكاري وأتعب ذاكرتي في أمور تنفع ولا تنفع وإذا بعيناي تسقطان على لافتة ضخمة كتب عليها:" ولاية تلمسان ترحب بكم ".

جوهرة المغرب العربي ترحب بي ،وهواها الذي أنساني العاصمة
فتحت النافدة،أخرجت نصف جسدي،أخذت نفسا عميقا وكأني أريد أن أحتوي الجوهرة كلها،ثم تنهدت تنهيدة طويلة أخرجت عبرها العاصمة من داخلي،وبقيت كذلك أستمتع بكل شيء تلمساني:المارة ،الطرقات الواسعة التي لا تعرف شيئا اسمه الازدحام،الشوارع التي نقيت كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس،قلت في نفسي: لماذا لا نشاهد النظافة عبر شوارع العاصمة ونشاهدها هنا تحوم حول شوارع تلمسان ؟ وأجبتُني: ربما لأنها مدينة تلمسانية خالصة،وبقيت ملكا لسكانها،ليس كالعاصمة التي سكنها أهل غير أهلها،:من سيهتم بالحفاظ على نظافة ولاية غير ولايته الحقيقية ؟،وأمام دهشتي بجمال الشوارع،العمارات، ومحاولاتي اليائسة للبحث عن نفاية صغيرة سقطت سهوا من أحد المارة، وإذا بالمرشد مولود يصيح بنبرة غضب: صباح هيا لقد وصلنا.
فندق "إبيس":
السلطة الرابعة وتأنيب الضمير
نزلنا أمام فندق"إبيس"،ألقيت نظرة على بناءه الخارجي،لقد بني بناء عصريا،يشبه العمارات الفرنسية الشاهقة،لكن شيء ما ينقصه:إنها اللمسة العربية الأصيلة،تناولت حقيبتي وتبعت الكل وسؤال عالق بذهني:لماذا لا نمتلك فنا معماريا خاصا بحضارتنا نحن العرب وليس حضارة ألآخركما في البلدان الآسيوية كاليابان والصين؟ فرغم ما وصلت إليه هذه البلدان من تطور،والتكنولوجيا التي دخلت حتى في التركيبة البيولوجية للإنسان الآسيوي،إلا أن ثقافة البلد لم تخدش ،ولا يزال الآسيوي يأكل بالقطبين الخشبيين وهو مربع الرجلين، تحت سقف منزل آسيوي محافظ على نمطه مند آلاف السنين،فلِم لا يكون هذا الفندق بطاقة هوية لتلمسان الضاربة حضارتها في جذور التاريخ ؟وبينما أنا أصارع حيرتي فإذا بزميل يقول بصوت خافت:" هذا الفندق بناه وليد القذافي"،لم أهتم كثيرا للأمر وهممت بالدخول.
كان في البوابة مضيفو الفندق،استقبلونا بالابتسام الكثير ليس لأنه عملهم ،ولكن لأنهم تلمسانيون،أكملنا إجراءات الدخول،رقم غرفتي هو411،دفعني الفضول لأقوم بجولة في الفندق قبل الصعود،إنه فندق رائع،نظرت إلى البطاقة التي تحمل المفتاح الأوتوماتيكي الخاص بغرفتي عليها صورة مصغرة للفندق واسمه المرصع في الأعلى بنجمتين قلت لزميل لي: على أي أساس تمنح النجوم للفنادق في بلادنا ؟، ففي وقت تجد فندقا لا يصلح ليتحصل على نجمة واحدة بأربع أو خمس نجوم،لا يأخذ هذا الفندق الراقي سوى نجمتين،وصعدنا إلى الغرف ،إن غرفتي جميلة جدا،رميت الحقيبة جانبا ورميتُني على السرير ،إن بعض الإعلاميين لا يرون في الصحافة سوى ذلك المنشار الكهربائي الذي لا يستعمل إلى للتقطيع،في حين السلطة الرابعة أسمى من أن تكون كذلك،إنها مهنة نقل الحقائق بكل موضوعية بعيدا عن المزايدات،ثم نهضت من مكاني وقلت سوف أكتب عن كل ذلك في الجريدة وفعلا فعلت.
وبينما كنت أرتب ملابسي في الخزانة وإذا بأحدهم يطرق الباب،إنه المرشد مولود :لديكم ندوة صحفية خاصة بالمعرض الوطني للكتاب بالمركز الدولي للصحافة، سنذهب في الحافلة،نزلت من الفندق والتحقت بالفريق،حضرنا الندوة الصحفية وعدنا إلى "إبيس" ،كتبت تغطية الندوة الصحفية لأني أردت أن أنام باكرا ذلك اليوم،كنت متعبة،فبالكاد أغمضت جفوني في الليلة الماضية لقد أذهبت فرحتي برؤية الجوهرة القدرة على النوم،أنهيت عملي قبل أن يحين وقت العشاء،وبعثته في البريد الإليكتروني لرئيس القسم الثقافي بالعاصمة وقلت:" سترتاح مني يا"الحاج" هذه الأيام،سوف لن أتجادل معك حول مواضيعي،ستكون أنت وإياها على انفراد".
تناولنا العشاء وعدنا إلى الفندق،في الصباح نهضت متأخرة قليلا إن الهواء النقي الذي يلبس تلمسان رغم تمدنها جعلني أحس بطاقة ،ونشاط لم أشعر بهما إلا وأنا بمسقط رأسي " مينار زارزة قرية الديس والبراءة" شكرا لكي يا تلمسان لأنكي ذكرتني بها ،نزلت إلى بهو الفندق،تناولت فطوري في عاصمة الثقافة الإسلامية،وخرجت من الفندق.
تلمسان" المدينة الريف "،ووسام عاصمة الثقافة الإسلامية

إن أهم شيء يميز الشوارع،الأزقة،الدكاكين،الطرقات،الحافلات وحتى محلات الهواتف العمومية،هو ذلك الوسام الذي يرصع تلك الأمكنة،إنه وسام "عاصمة الثقافة الإسلامية "،كل شيء يخبرني بأنها كذلك فأي شخص يزور الجوهرة يمكنه أن يعرف الأنشطة التي ستنظم،أماكن وأوقات تنظيمها، فالملصقات والإعلانات والبرامج الخاصة بالتظاهرة موجودة في كل مكان وحتى الناس ،وتلك الابتسامات العريضة التي تزين الأوجه،كتب عليها هي أيضا "عاصمة الثقافة الإسلامية"،اشتريت بعض الأغراض بعد أن تطفلت قليلا على جزء من عاصمة الزيانيين وعدت إلى الفندق. لقد أحببتها كثيرا إنها "المدينة الريف"،الحياة المتمدنة في نمط العيش والريفية في الهواء النقي،الحارات الواسعة،المساحات الخضراء التي لا تكف العين عن مشاهدتها وطياب المارة والناس الذين لايزالون محافظين على هدوء أعصابهم،وسعة خاطرهم سعة الشوارع،ونقائها،ليس كالعاصمة التي ترى الناس يمشون بقلق واضطراب حتى في أحسن حالاتهم،فتراهم سكارى،وما هم بسكارى ولكن الأزقة الضيقة والضجيج الذي يجعلك لا تسمع حتى نفسك وكثرة المتسولين،والمجانين جعلهم كذلك،أنا لم أشاهد متسولا واحدا في تلمسان عبر أسبوعي الرحلة كلها،فعلا يصلح عليها اسم "المدينة الريف" هكذا اخترت أن أسميك يا تلمسان.

قصر"المشور":
موعد مع ابن زيدون والسلطان يغموراسن في قصر الحمراء بإسبانيا

استغل المرشدان:مولود،وجليل فرصة الفراغ ذات صباح بعد يومين من العمل المتواصل في المعرض الوطني للكتاب ب"الكدية" لأخذنا إلى قصر"المشور"، لكن ولشدة تعبي لأني لم أنم في الليل بانشغالي في كتابة التغطيات، بعد أن أعرت جهاز الكومبيوتر المحمول لأحدهم،ولم يعده لي حتى الواحدة صباحا ما اضطرني للبقاء ساهرة مع الكتابة، وعندما نهضت ونزلت إلى بهو الفندق لم أجد إلا صديقة لي،وعدتني أنها ستصحبني إليه في الأيام القادمة،وفعلا حددنا موعدا،استقلنا سيارة أجرة وذهبنا إلى قصر"المشور".
أول إحساس انتابني وأنا أمام قصر"المشور" هو نفسه الإحساس الذي أشعر به وأنا أقرء غزليات ابن زيدون؛شيء مختلف جذا يعود بك إلى ألاف السنين خلت،لقد أخدني"المشور" إلى الزمن الجميل إلى"أشبيليا"إلى زمن العروبة بالسيف،والرمح،والقرطاس،والقلم،إلى العصر الأندلسي،تخيلت نفسي أمام "قصر الحمراء" بإسبانيا فدخلت النادي الأدبي لولادة بنت المستكفي، وسمعت ابن زيدون وهو يلقي بغزلياته على الحضور مستعطفا محبوبته الحسناء ولادة؛"المشور" لا يمثل قصرا بناه الزيانيون مع السلطان يغموراسن في أوائل القرن الثالث عشر ميلادي فقط، بل يمتد إلى أبعد من ذلك،إنه الفن المعماري للحضارة العربية الإسلامية التي لا تزال معالمها واضحة رغم الأزمان،والحروب هو بطاقة هوية تلمسان التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الحضارة العربية الإسلامية وهو الشاهد على الحضارة الزيانية، فقد أثر عن السلطان يغموراسن أنه كان يقيم في القصر القديم بتلمسان العليا " تاقرارت "إلى غاية بناء صومعة المسجد الجامع فأصبح مكان إقامة أمراء بني زيان،ورسموا قواعد نظامهم بعقد المجالس للتشاور في أمور الدولة،لذلك اشتق اسمه فصار "المشور" بقي منه الآن سوره الضخم ومؤذنة المسجد،دخلت وصديقتي حنان القصر؛شيء مذهل حقا،في هذا المكان يتعرف الزائر على اللمسات الفنية التي كانت تميز البناء العربي المنبثق من حضارته الإسلامية الأصيلة، كان "المشور" رغم عمليات الترميم التي لم تنتهي بعد في أجمل ما يكون عليه بناء عربي خالص،لقد كان هذا الصرح التاريخي مزينا بالزخرفة التي اشتهرت في فترة حكم الزيانيين كالنقش على الجص لتوشيح الجدران،الأقواس المتعانقة التي أحيطت بالزُّليج المزركش و"القراطي" وهي زخرفة هندسية متعددة الألوان،وبمختلف الأشكال الدقيقة البراقة،إن أكثر شيء أثار انتباهي في هذا المعلم هو الحوض المائي الذي بني ب"المرمر"؛ وهو من أجود أنواع الرخام،مشيت على ممر يتوسط الحوض، جلست ثم أدخلت يدي في الماء،وإذا بخدم السلطان يومغراسن تتجول من حولي وابن زيدون هناك يستمع إلي وأنا أردد قصيدته التي يقول فيها: أضحى التنائي بديلا من تدانينا ،وناب عن طيب لقيانا تجافينا/ بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا ،شوقا إليكم ولا جفت مآقينا/ نكاد حين تناجيكم ضمائرنا ،يقضي علينا الأسى لولا تأسينا /، فإذا بصوت يصيح:" صباح تعالي أريدكِ أن تلتقطي لي صورة بهاتفي النقال " استيقظت من حلم جميل بكلمة "الهاتف النقال" التي أكدت لي أني في عصر غير ذلك العصر وأكملت القصيدة بحسرة على الفردوس المفقود:وحالت لفقدانكم أيامنا فغدت سدا،وكانت بكم بيضا ليالينا. ثم قلت لصديقتي:ليت "غرهام بل"اكتشف الهاتف في العصر الأندلسي،لكنا الآن نسمع ابن زيدون وهو يلقي غزلياته،ولشاهدنا ولادة،في ناديها الأدبي،ما فائدة التكنولوجيا في هذا الزمن؟وهي لا تنشر إلا صور الموت،والقتلى ،والتفاهات التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، التقطنا بعض الصور كأشبه ما يكون وقوفا على أطلال عصر ولى رغم بقاء معالمه تحارب الزمن ،وخرجنا.
"لالّة ستِّي": عندما يصنع الكبرياء "لالّات النسا" فيحط بها فوق هضبة
مر أسبوع كامل ونحن بتلمسان، قرر المرشدان جليل ومولود العودة إلى العاصمة،لكنني بقيت لأسبوع آخر بطلب من رئيس القسم الثقافي،لم يكن لدينا عمل يوم رجوع الفريق إلى العاصمة،نهضت متأخرة قليلا والتحقت بحنان في بهو الفندق ،تناولنا الفطور،وقررنا الذهاب إلى هضبة" لالّة ستِّي "،رغم أن جليل ،مولود و عميروش أخذونا إليها مرارا في الليل إلا أن ذلك لم يشف غليلي وأردت رؤيتها نهارا،استقلنا الحافلة ونزلنا أمام المصعد الهوائي،لقد استغلينا بطاقات الصحافة التي بحوزتنا لرشوة عمال التيليفيريك معنويا وصعدنا مخلفين وراءنا طوابير من المنتظرين أدوارهم قلت لصديقتي: لولا تظاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية لما كان الزوار بهذا الحجم، إن التظاهرات الثقافية مرتبطة بشكل مباشر بسياحة البلد،فهي بطاقة الدعوة التي تجلب الزائر،قطعت صديقتي كلامي قائلة: "صباح إن تلمسان كلها تظهر من هنا"، نظرت إلى الهضبة فإذا ب"لالّة ستِّي" تنادينا :لالّة ستِّي هي" الولية الصالحة بنت عبد القادر الجيلالي،تنحدر من سلالة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم،هي أصغر أخواتها،قدمت من بغداد لتستقر بتلمسان،عاشت خلال القرنين 67 ه الموافقين للقرنين 1213م كانت لها كرامات،ونسجت حولها حكايات شعبية عديدة،دفنت بعد وفاتها في الهضبة التي كانت تتعبد فيها،والتي حملت اسمها"هضبة لالّة ستِّي" يقصدها الزوار،وبني بجانبها مسجد صغير للتعبد،وبيت للزوار،وأصبحت تشكل كلها معلما تاريخيا "، هكذا كتب على أحد جدران المعلم التاريخي،هو مكان هادئ ومحترم وجميل،يتوفر على كل وسائل الترفيه والاستمتاع لقد أطليت من على إحدى الجدران التي تحيط بالهضبة،وإذا بتلمسان كلها هناك في الأسفل،وكأني في السماء أعانق روح "لالّة ستِّي"،وكأن "لالّة ستِّي" هكذا اختارت أن تعيش في المرتفعات ارتفاع همتها:"كم أن شأنك العظيم يا "لالّة ستِّي" وقد حفظه التلمسانيون بكل أمانة فغدت الهضبة جنة فوق قمة جبل،بعدما عاش البشر مند عهود ما قبل التاريخ في الكهوف بمنطقة القلعة العليا و"بودغن" في قرية "بني بوبلان"،تحت هضبة "لالّة ستِّي"، رجعنا إلى الأسفل ب"التريفريك" لكن قلبي بقي معلقا في الأعلى وقد أغرم ب"لالّة ستِّي" إلى الأبد ،كما أغم بالولاية التي تحتويها ،أغرم بتلمسان حد الهوس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.