أتساءل دائما لماذا نستمر في الاحتكام إلى منظمات دولية تناصبنا العداء ؟ وأقصد على وجه التخصيص المنظمات غير الحكومية , كتلك التي رتبت الجزائر في المركز ال112 من180 دولة من حيث مؤشرات الفساد بمنحها 33 نقطة على 100 في تقريرها الخاص بسنة 2017, أي أنه في ظرف سنة واحدة تراجعت بلادنا بسبعة مراكز دفعة واحدة؟ ومع ذلك هناك من يقيم وزنا لهذا التقييم , ويخصص له الحيز البارز في أخباره المكتوبة و المسموعة والمرئية , دون البحث عن خلفيات هذه المنظمات, التي أضحت بمثابة "واجهة عالمية لمعارضة الحكومات ", ولكن ليس كل الحكومات, إنما فقط الحكومات التي تفتقر إلى مجتمع مدني يقظ ومحصن بالكفاءات القادرة على مواجهة خطط مثل هذه المنظمات ودحض ادعاءاتها ضد بلدهم, بالحجة والأدلة الدامغة, إعلاميا وحتى بمقاضاتها أمام القضاء الوطني وحتى الدولي, ليس لردعها فقط, ولكن لإرغامها على تحري الصدق والدقة في صياغة تقاريرها, والموضوعية في استقاء معلوماتها من مصادر موثوقة (من المعارضة أو الموالاة), المهم أن يكون هدفها في نهاية المطاف مساعدة الحكومات المستهدفة على تصحيح أخطائها, لا التحريض عليها من أجل تبرير نفقاتها لدى مموليها . لقد أصبحت المنظمات غير الحكومية, ملجأ من لا عمل له, من أطياف المعارضة في مختلف دول العالم , يعيشون عالة على مموليهم من الدول العظمى و من الشركات العابرة للقارات و رجال المال و الأعمال , و الذين يتبجح بعضهم أنه لا يتوانى في تمويل أية جهة معارضة في مختلف دول العالم . و لهذا فإن عدد هذه المنظمات التي لم يكن يتجاوز قبل الحرب العالمية الثانية 180 قفز في 2004 إلى 2535 منظمة تتمتع بالصفة الاستشارية لدى المجلس الاجتماعي و الاقتصادي لمنظمة الأممالمتحدة. ولا شك أن عدّاد هذه الهيئات لن يتوقف, ما دام الاقتصاد العالمي يشجع حصر الثروة العالمية بين أيدي الأقلية . ندعو في الأخير , كل من يقرأ القراءة الصحيحة لمؤشرات منظمة الشفافية الدولية حول الفساد, أن يطلع على قائمة مموليها, قبل أن يلقي نظرة على الخريطة الملونة التي رسمتها لانتشار و توزع الفساد في العالم. لا شك أنه سيستنتج دون صعوبة كيف أن جميع الدول التي تعتمد في اقتصادها على القطاع الخاص, تحتل دائما صدارة الترتيب ,خلافا للدول التي ما زال القطاع العام يشكل محرك اقتصادها, فضلا عن أن الدول المنتمية سابقا للمعسكر الاشتراكي تصنف تلقائيا ضمن الدول الفاسدة و الأكثر فسادا , مثلها مثل الدول التي لا تنصاع لتوصيات صندوق النقد الدولي (أحد ممولي منظمة الشفافية الدولية) و تنفذ وصفاته المزعزعة لاستقرار وأمن المجتمعات ؟ و دون منح المتربصين فرصة تصنيفنا ضمن المدافعين عن الفساد أو المشجعين عليه , نقول أن محاربة هذه الآفة واجب مدني وشأن داخلي وفي إطار القوانين و الآليات التي وفرتها الدولة لهذا الغرض, بعيدا عن الضغوط المغرضة للمنظمات غير الحكومية التي تدعي الاستقلالية وهي تتغذى من أموال الشركات المتعددة الجنسيات و المؤسسات الأمريكية المكلفة بتسويق صورة جيدة عن بلدها و توسيع نفوذها على الساحة الدولية بالحط من شأن بقية الدول في جميع المجالات. والسؤال الذي يطرح على منظمة الشفافية العالمية و "عملائها" المحليين , كيف يفسرون تنامي الفساد في العالم (من وجهة نظرهم )؟ ألا يؤشر ذلك على فشلهم في المهمة التي أوكلوها إلى أنفسهم منذ 1995؟ ألا يفرض عليهم هذا الفشل إعادة النظر في مناهج عملهم , ووضع طرق قياس معدلات الفساد بمعطيات و بيانات يمكن التحقق من صحتها , والاعتماد على متعاونين يحظون بالمصداقية وبالحياد تجاه السلطات الرسمية ببلدانهم ؟ ومتى تدرك هذه المنظمة أن الفساد لا إيديولوجية له ؟