مجلس الأمة يشارك في اجتماعات اللجان الدائمة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط بالقاهرة    صيد 138 طناً من التونة الحمراء خلال حملة 2025 وإيرادات تصل إلى 7 ملايين دج    قسنطينة تهيمن على نتائج مسابقة "الريشة البرية" الوطنية لاختيار أحسن طائر حسون    الخطوط الجوية الجزائرية تصبح الناقل الرسمي للمنتخب الوطني في جميع الاستحقاقات الكروية    الرئيس تبون يؤكد أهمية توطين صناعة الأدوية لضمان الأمن الصحي لإفريقيا    الجزائر تطلق ثلاث دورات تلقيح لحماية الأطفال من شلل الأطفال ابتداءً من 30 نوفمبر    الجزائر تنتخب لرئاسة اللجنة الإفريقية لحماية حقوق الطفل للفترة 2027-2025    تجديد الوفاء لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة... معسكر تحيي الذكرى ال193 للمبايعة الأولى للأمير عبد القادر    البرلمان الجزائري يشارك في الاحتفال بالذكرى ال50 لتأسيس المجلس الوطني الصحراوي    اختتام أشغال المنتدى الدولي حول الحوكمة عالية الفعالية وعصرنة المرفق العمومي بالجزائر العاصمة    الجيش يواصل محاربة الإرهاب والإجرام    الاحتلال الصهيوني يبيد نساء فلسطين    تنصيب لجنة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي    الجزائر تُعيد جرائم الاستعمار إلى الواجهة    الجزائر تحتضن الدورة ال12 للندوة رفيعة المستوى    رسمياً.. الجزائر في المستوى الثالث    حملة شتاء دافىء تنطلق    الجزائر دخلت مرحلة إرساء أسس اقتصاد قوي ومتنوّع    بداري يشرف على تدشين المؤسسة الفرعية    توقيع اتّفاقات ومذكّرات تفاهم وبرامج تعاون    250 مصنعاً للأدوية في الجزائر    ملتقى الصناعات الإبداعية وحقوق المؤلف : تسليط الضوء على ميكانيزمات النهوض بالصناعات الإبداعية في الجزائر    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    فضائل قول سبحان الله والحمد لله    فتاوى    عملية عسكرية واسعة في طوباس..الاحتلال زاد تعذيب الأسرى الفلسطينيين خلال حرب غزة    بسبب مازا..هجوم إنجليزي حاد على ريان آيت نوري    ضمن قائمة التراث الإنساني لدى اليونيسكو : اجتماع تنسيقي لإعداد ملف عربي مشترك لتصنيف الألعاب التقليدية    فواكه الخريف والشتاء حلٌّ طبيعي لتقوية المناعة    الجزائر ملتزمة بالدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني    تناولنا الفرص الاستثمارية الواعدة التي تتيحها الجزائر    الدوبارة .. أكلة شعبية تحافظ على بريقها    سوق الملابس بين تقلبات المناخ وقلّة الإقبال    البرهان يناشد ترامب التدخل لإنهاء الحرب في السودان    دعوة إلى تمكين الشعب الصحراوي من حقّه في تقرير المصير    الجزائر ستطالب "ايكات" بتعويضات عن خسائرها في 2028    امتلاء السدود يقارب 32%.. وارتفاع قدرات التخزين ل9 مليار م3    هكذا يتم تقريب الإدارة من المواطن وتحسين الخدمة بالولايات الجديدة    الجزائر تدعو لمقاربة متكاملة تقضي على أسباب آفة    الجزائر باقية على العهد داعمة للأشقاء في فلسطين المحتلّة    المؤتمر الإفريقي للأدوية فرصة لولوج الأسواق القارية    الفوز أو مواصلة الانكسار    شجرة الزيتون.. رمز فخر على مر الأجيال    صرامة كبيرة وعقوبات قاسية ضد مخالفي قانون المرور    دعوة للتحقيق في وضعية مستشفى عين طاية    مشاريع حيوية يُنتظر تسليمها قريبا بدلس    عوار يتحدث عن تجربته في السعودية وعلاقته مع بن زيمة    مفاجأة كبيرة في ملف عودة قندوسي إلى مصر    الشروع في إعداد قوائم المستفيدين من منحة رمضان    وزارة التربية تعتمد رقما أخضر    إفريقيا تواجه تحدّيات غير مسبوقة    الفنانة القديرة باية بوزار"بيونة"في ذمة الله    النادي الرياضي" أنوار باتنة"يحصل على 4 ميداليات    افتتاح المهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي    بوعمامة حاضر في منتدى داكار    بوعمامة يشارك في المنتدى الإفريقي للبث الإذاعي والتلفزي    هذه أضعف صور الإيمان..    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات في ديوان «تركت رأسي أعلى الشجرة» لعبد الله الهامل
نشر في الجمهورية يوم 18 - 02 - 2019

عبد الله الهامل راعي كلمات ضجرت من كآبة الأيام و ضجر الليالي، يهشّ عليها بخشبة أبت أن تكون عمودا يجمع أسمالها تحت خِباء يُقوّضُ لتحملَه الإبل وترتحل به صيف شتاء،لأنه لم يبق في كلامنا ماءُ بعدما زحفت فينا الصحراءُ.
عبد الله شاعر يرفض أن يكون كغيره من الشعراء !، وهذا ما نلحظه في البيان الذي صدّر به ديوانه «تركت رأسي أعلى الشجرة» بيان ثوري يتماهى مع بيان جبران في دمعة وابتسامة ، والذي يقول فيه: « لو تخيّل الخليل أنّ الأوزان التي نظم عقودها وأحكم أوصالها ستصير مقياسا لفضلات القرائح، وخيوطا تعلق عليها أصداف الأفكار لنثر تلك العقود وفصم عرى تلك الأوصال...ليس لنا عذر سوى أن عصرنا هذا كثرت فيه قلقلة الحديد وضجيج المعامل، فجاء شعرنا ثقيلا كالقطارات، ومزعجا كصفير البخار» أمّا عبد الله فيقول :« لينقرض الشعر...وللسيد الخليل بن أحمد الفراهيدي كل قبعات التحايا ..»
هذا ما يجعلنا نتلمسّ روحا رومانسية متمردة ساخرة ، لكنها ليست كرومانسية أدباء المهجر، إنها رومانسية بلغة أقرب إلى الواقعية، وفي الوقت نفسه تائقة إلى الماضي إلى الحب إلى الطفولة الأولى.
أول عتبة نقف أمامها هي شكل الكتاب الخارجي بلونيه البارزين ولون أبيض يتخفى مثلما تتخفى معاني عبد الله.الأسود والأحمر يحتلان صورة الغلاف ... أما الأبيض فقد احتل مساحة ضيقة وهي لفظة «رأسي» وصورة رِجلين لمّا تحطا على الأرض .
ومن ثمّ يطلّ الديوان على ثمان شرفات: سيد الروائح والأشياء /تذكارات لامرأة السهو / وجوه تطاردني/ يوم طويل في صحراء الملل / حيوانات تقاسمني الغياب/ سيرة ناقصة - محاولة شرح العدم-/متوالية أحذية بالية/ القصيدة الشرسة تتركني وحيدا/
منها تترائى لعبد الله العديد من الاقترافات، والجراحات، والأحداث، والإشكاليات الوجودية والقيم الإنسانية الضائعة، والذكريات الطافحة بالحنين إلى الطفولة الأولى ، ويتحول هذا مع الزمن إلى صراع نفسي بين الذاكرة والواقع، فيترجم إلى لغة جمعت بين نارين؛ نار الواقع، ونار الوجدان ؛ وجدان رومانسي متمرد يذكي ذاكرة تأبى الحرف الواحد والنمط الواحد والمؤسسة وما اصطلح عليه.ونار واقعٍ لا يحتاج إلى أسلوب بقدر حاجته لمن ينبّهنا إليه.
سنودُ البناء النصي لعبد الله أعمدة العبث والإلغاز: آرثر رامبو/ فرانتس كافكا /إدغار آلان بو / قسطنطين كفافيس/ ألبير كامو ...لذا فالسؤال عن أشياء عبد الله سؤال لا طائل منه ، بل السائل كمن يسأل عن لوحة الحذاء لفان كوخ وعن فن بيكاسو المبتدع، لأن أشياء عبد الله تأبى الحرف الواحد وتأبى الرمز أيضا، إذ لم تصبح الكلمات عنده رموزا أو دوالا لمدلولات لقد استحالت نصوصا، فوَراء كل شيء من أشياء عالم عبد الله نص متوارٍ يمتح من التراث المحلي والعربي والإنساني يقول:
«أمضيت هذا اليوم الصيفي الحار
أضيع اللبن
وأرمي الشمس بأسنان الذئاب والضباع
وأنتظر...
بقيت الشمس تنظر إلي
وتحك شعرها
حتى نامت في حجر السماء»
ففي هذا المشهد إشارة إلى تقليد محلي قديم، إذ يرمي الطفل أول أسنانه متفائلا بأسنان جميلة وقوية كما أن هنالك إشارة إلى مثل عربي مشهور: «الصيفَ ضيعت اللبن « يضرب لمن يضيع الفرصة ويفوّت الغنيمة .ولكن عبد الله فكك العرف والمتعارف عليه، وبنى دلالات إضافية عليه، فهو يرمي أسنان الاقتراف والجراح دون رجاء أو انتظار تاركا الفراغ ليملأه القارئ، أما التراث الإنساني فأمثلته كثيرة منها إشارته إلى قصيدة « في انتظار البرابرة « لكافافيس».
لغة عبد الله لغة شفافة، قصائده بيوت زجاجية تطلّ على رشق الحياة اليومية من جهاتها الأربعة – الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية-، وعلى شجونها وشجاراتها بأبعادها الثلاثة، هي قصائد تطل على واقع أقل ما يقال عنه إنّه كارثي، بيئة ملوثة بشر ملوثون سياسة البرابرة المتهافتين وتخلف دقت مساميرُه كلَّ أبواب المنون.
شعره أقرب إلى الشعر الاعترافي،يصطبغ بنبرة ضحك عالية، تعمل على تطهيرك مما ألمّ بك من ألم وجودي، فتراه إذ ذاك يركز على الخزي واحتقار الذات وكشفها من الناحية النفسية والاجتماعية آخذا المدد من ركام من الحزن والألق الذي سببه التخلف الحضاري وطنيا وقوميا.
ترك عبد الله رأسه أعلى الشجرة لأن الإنسانيَّ دون كيشوط يرقص ويتصدى بالدرع للفراغ ،ترك عبد الله رأسه أعلى الشجرة لأنه فقد البوصلة والميزان والإيقاع والقافية غيرها من الأشياء التي لم يبق لها وجود إلا من زوادة معنى. وهو إذ يناجي سيد الروائح والأشياء يناجي الروح يناجي الفطرة يناجي الطبيعة التي فقدت التوازن مما أحدثه البشر فصارت كالبهلوان على خيط رفيع يطل على الهاوية أمام جمهور يطلب التسلية، أما عبد الله فيكتفي بالنظر من بعيد والبقاء وحيدا في غفلة من أعين الجمهور. وفي هذه الغفلة تشرق عليه حواجب الشعر ويومض كرفرفات فراشة ويتفتح كزهرة في الصحراء.
إن الشعر عند عبد الله ذو أثر خفي ، يجعل العالم أكثر خفة، فالشعر تذكير للنسيان، يمكن القول إنّه فراشة ولا يعني ذلك عكسَه ألوانَ الطيف الحياتي في لوحة جميلة فقط، بل في أثره الكبير في النفوس الكبيرة، وهذا ما نجده ماثلا عند محمود درويش في ديوانه «أثر الفراشة «.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.