مصادرة 993 قرص مهلوس    عرقاب يلتقي نائب رئيس البنك الدولي    71 عاماً على معركة تبابوشت بباتنة    هذا برنامج مباريات الخضر في مونديال 2026    نحو إطلاق مصنع صيدال بعُمان    توقيع بيان لتعزيز الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بين الجزائر والوكالة الدولية للطاقة الذرية    الجزائر تؤكد التزامها بحرية ممارسة الشعائر الدينية وحماية أماكن العبادة    وزير البريد يعرض مشروع قانون جديد لتنظيم خدمات الثقة والتعريف الإلكتروني أمام نواب البرلمان    كأس العرب فيفا قطر 2025 / الجزائر- العراق:"الخضر" على بعد نقطة واحدة من الدور ربع النهائي    كأس العرب 2025 : بوقرة يحذر من أمر مهم قبل مواجهة العراق    كأس العرب/فيفا 2025/:بولبينة وبركان ضمن التشكيلة المثالية للجولة الثانية    افتتاح المعهد الإفريقي للتكوين المهني ببومرداس لتعزيز التعاون البيني-الإفريقي    وزير الصحة يطلق الدليل الوطني للشبكة الوطنية لتكفل المرأة الحامل    المندوبية الوطنية للأمن عبر الطرق تحذّر من ارتفاع خطير في حوادث المرور بالجزائر خلال 2025    وزير الشؤون الدينية ووالي ولاية الجزائر يعاينان مشاريع ترميم معالم دينية وتاريخية بالعاصمة    انتخاب الجزائر نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة لحقوق المؤلف بالويبو للفترة 2026-2027    بن دودة تؤكد على أهمية رقمنة المخطوطات وتعلن:التحضير لملتقى وطني ضخم حول المخطوط    فعالية يوم الجالية تُبرز دور الجزائريين بالخارج في دعم قطاع الشركات الناشئة    الإيمان بنظرية المؤامرة وقايةٌ من الصدمات    بلمهدي يشرف على اجتماع لمتابعة الرقمنة بقطاع الأوقاف    ام البواقي : وفاة شخصين اختناقا بالغاز في عين البيضاء    إصابة 13 شخصا بجروح مختلفة بالمدية    خنشلة: حملة تحسيسية خلال الفترة الشتوية    ثورة التحرير الجزائرية تشكل نموذجا ملهما لحركات التحرر    فتح الترشح لاقتناء سكنات ترقوي مدعم (LPA)    سفارة النمسا في الجزائر توجه رسالة مؤثرة للجماهير الرياضية    المسؤولية بين التكليف والتشريف..؟!    منحة السفر تُصرف مرّة سنوياً    الفرقاني.. 9 سنوات من الغياب    المفتاح تمثّل الجزائر    بوغالي يشارك في افتتاح أشغال منتدى الدوحة    ناصري وبوغالي يعزّيان    فتح تحقيق في أسباب حادث بني عباس    علاقتنا بالجزائر ممتازة.. وأشكر للرئيس تكرمه باستقبالي    الوزراء الأفارقة يشيدون بدور الرئيس تبون في دعم الابتكار    نظام أجور خاص لحماية القضاة من الإغراء والتأثير    "حماس" تحذر من التفاف الاحتلال الصهيوني على بنود الاتفاق    وزير المجاهدين يكرّم المجاهدة الرمز جميلة بوحيرد    الرئيس الصحراوي يؤكد مواصلة النضال دون هوادة    جائزة جديدة لمازة في ألمانيا    منتخب مصر يعلن التحدي    محطة متنقلة لمعالجة المياه الملوّثة بسكيكدة    تخصيص 10 هكتارات لتوسيع مقبرة الزفزاف    مخطط استعجالي لإصلاح قطاع النقل والخدمات بعلي منجلي    مواجهة العراق نهائي قبل الأوان    الكتابة مرآة المجتمع وسؤال المرحلة    إجراء قرعة حصّة 2000 دفتر حج    أقرها رئيس الجمهورية.. إجراء عملية القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حج إضافية    صور من الحب والإيثار بين المهاجرين والأنصار    أفضل ما تدعو به لإزالة الألم والوجع وطلب الشفاء    جوع قاتل في السودان    المعروض على العرب: انتحروا... أو نقتلكم    إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية    "في ملاقاة أناييس".. رحلة البحث عن الأصول    المواطنون الحائزون على طائرات "الدرون" ملزمون بالتصريح بها    قرعة الحجّ الثانية اليوم    فضائل قول سبحان الله والحمد لله    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات في ديوان «تركت رأسي أعلى الشجرة» لعبد الله الهامل
نشر في الجمهورية يوم 18 - 02 - 2019

عبد الله الهامل راعي كلمات ضجرت من كآبة الأيام و ضجر الليالي، يهشّ عليها بخشبة أبت أن تكون عمودا يجمع أسمالها تحت خِباء يُقوّضُ لتحملَه الإبل وترتحل به صيف شتاء،لأنه لم يبق في كلامنا ماءُ بعدما زحفت فينا الصحراءُ.
عبد الله شاعر يرفض أن يكون كغيره من الشعراء !، وهذا ما نلحظه في البيان الذي صدّر به ديوانه «تركت رأسي أعلى الشجرة» بيان ثوري يتماهى مع بيان جبران في دمعة وابتسامة ، والذي يقول فيه: « لو تخيّل الخليل أنّ الأوزان التي نظم عقودها وأحكم أوصالها ستصير مقياسا لفضلات القرائح، وخيوطا تعلق عليها أصداف الأفكار لنثر تلك العقود وفصم عرى تلك الأوصال...ليس لنا عذر سوى أن عصرنا هذا كثرت فيه قلقلة الحديد وضجيج المعامل، فجاء شعرنا ثقيلا كالقطارات، ومزعجا كصفير البخار» أمّا عبد الله فيقول :« لينقرض الشعر...وللسيد الخليل بن أحمد الفراهيدي كل قبعات التحايا ..»
هذا ما يجعلنا نتلمسّ روحا رومانسية متمردة ساخرة ، لكنها ليست كرومانسية أدباء المهجر، إنها رومانسية بلغة أقرب إلى الواقعية، وفي الوقت نفسه تائقة إلى الماضي إلى الحب إلى الطفولة الأولى.
أول عتبة نقف أمامها هي شكل الكتاب الخارجي بلونيه البارزين ولون أبيض يتخفى مثلما تتخفى معاني عبد الله.الأسود والأحمر يحتلان صورة الغلاف ... أما الأبيض فقد احتل مساحة ضيقة وهي لفظة «رأسي» وصورة رِجلين لمّا تحطا على الأرض .
ومن ثمّ يطلّ الديوان على ثمان شرفات: سيد الروائح والأشياء /تذكارات لامرأة السهو / وجوه تطاردني/ يوم طويل في صحراء الملل / حيوانات تقاسمني الغياب/ سيرة ناقصة - محاولة شرح العدم-/متوالية أحذية بالية/ القصيدة الشرسة تتركني وحيدا/
منها تترائى لعبد الله العديد من الاقترافات، والجراحات، والأحداث، والإشكاليات الوجودية والقيم الإنسانية الضائعة، والذكريات الطافحة بالحنين إلى الطفولة الأولى ، ويتحول هذا مع الزمن إلى صراع نفسي بين الذاكرة والواقع، فيترجم إلى لغة جمعت بين نارين؛ نار الواقع، ونار الوجدان ؛ وجدان رومانسي متمرد يذكي ذاكرة تأبى الحرف الواحد والنمط الواحد والمؤسسة وما اصطلح عليه.ونار واقعٍ لا يحتاج إلى أسلوب بقدر حاجته لمن ينبّهنا إليه.
سنودُ البناء النصي لعبد الله أعمدة العبث والإلغاز: آرثر رامبو/ فرانتس كافكا /إدغار آلان بو / قسطنطين كفافيس/ ألبير كامو ...لذا فالسؤال عن أشياء عبد الله سؤال لا طائل منه ، بل السائل كمن يسأل عن لوحة الحذاء لفان كوخ وعن فن بيكاسو المبتدع، لأن أشياء عبد الله تأبى الحرف الواحد وتأبى الرمز أيضا، إذ لم تصبح الكلمات عنده رموزا أو دوالا لمدلولات لقد استحالت نصوصا، فوَراء كل شيء من أشياء عالم عبد الله نص متوارٍ يمتح من التراث المحلي والعربي والإنساني يقول:
«أمضيت هذا اليوم الصيفي الحار
أضيع اللبن
وأرمي الشمس بأسنان الذئاب والضباع
وأنتظر...
بقيت الشمس تنظر إلي
وتحك شعرها
حتى نامت في حجر السماء»
ففي هذا المشهد إشارة إلى تقليد محلي قديم، إذ يرمي الطفل أول أسنانه متفائلا بأسنان جميلة وقوية كما أن هنالك إشارة إلى مثل عربي مشهور: «الصيفَ ضيعت اللبن « يضرب لمن يضيع الفرصة ويفوّت الغنيمة .ولكن عبد الله فكك العرف والمتعارف عليه، وبنى دلالات إضافية عليه، فهو يرمي أسنان الاقتراف والجراح دون رجاء أو انتظار تاركا الفراغ ليملأه القارئ، أما التراث الإنساني فأمثلته كثيرة منها إشارته إلى قصيدة « في انتظار البرابرة « لكافافيس».
لغة عبد الله لغة شفافة، قصائده بيوت زجاجية تطلّ على رشق الحياة اليومية من جهاتها الأربعة – الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية-، وعلى شجونها وشجاراتها بأبعادها الثلاثة، هي قصائد تطل على واقع أقل ما يقال عنه إنّه كارثي، بيئة ملوثة بشر ملوثون سياسة البرابرة المتهافتين وتخلف دقت مساميرُه كلَّ أبواب المنون.
شعره أقرب إلى الشعر الاعترافي،يصطبغ بنبرة ضحك عالية، تعمل على تطهيرك مما ألمّ بك من ألم وجودي، فتراه إذ ذاك يركز على الخزي واحتقار الذات وكشفها من الناحية النفسية والاجتماعية آخذا المدد من ركام من الحزن والألق الذي سببه التخلف الحضاري وطنيا وقوميا.
ترك عبد الله رأسه أعلى الشجرة لأن الإنسانيَّ دون كيشوط يرقص ويتصدى بالدرع للفراغ ،ترك عبد الله رأسه أعلى الشجرة لأنه فقد البوصلة والميزان والإيقاع والقافية غيرها من الأشياء التي لم يبق لها وجود إلا من زوادة معنى. وهو إذ يناجي سيد الروائح والأشياء يناجي الروح يناجي الفطرة يناجي الطبيعة التي فقدت التوازن مما أحدثه البشر فصارت كالبهلوان على خيط رفيع يطل على الهاوية أمام جمهور يطلب التسلية، أما عبد الله فيكتفي بالنظر من بعيد والبقاء وحيدا في غفلة من أعين الجمهور. وفي هذه الغفلة تشرق عليه حواجب الشعر ويومض كرفرفات فراشة ويتفتح كزهرة في الصحراء.
إن الشعر عند عبد الله ذو أثر خفي ، يجعل العالم أكثر خفة، فالشعر تذكير للنسيان، يمكن القول إنّه فراشة ولا يعني ذلك عكسَه ألوانَ الطيف الحياتي في لوحة جميلة فقط، بل في أثره الكبير في النفوس الكبيرة، وهذا ما نجده ماثلا عند محمود درويش في ديوانه «أثر الفراشة «.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.