الأسعار عندنا نار حامية تحرق الجيوب والقلوب وتذيب الشحم واللحم وتأتي على الاخضر واليابس منذ سنوات في ظل فوضى السوق وسيطرة المضاربين والمحتكرين والمبيضين للمال الحرام والباحثين على الربح السريع وعجز مصالح المراقبة التي يبقى عملها محدودا وهامشيا ومتواطئا أحيانا ونظرة سريعة الى معركة الحليب الجارية وقائعها حاليا بين وزارة التجارة والمتعاملين بهذه المادة الاستهلاكية الاساسية من منتجين وموزعين وباعة تبين لنا أن صعوبة المهمة في قطاع أصبح خارج السيطرة ويرفض الخضوع للقانون علانية ولا عقاب ولاهم يحزنون فالحليب المدعم لا وجود له في السوق للأسبوع الثاني على التوالي ووزارة التجارة غرقت في كأس فماذا لو عامت في بحر الفساد فقد اعلنت الحرب من أجل زيادة 5 دج عن السعر المحدد وهو مبلغ زهيد ولو اتجهت نحو قطاع المواد الغذائية العامة لوجدت الزيادات كبيرة مثل الزيت والقهوة والاجبان والبقول الجافة ومواد التنظيف والملابس والاجهزة الكهرو منزلية والإلكترونية وقطع الغيار دون نسيان السيارات بمختلف انواعها واحجامها وصولا الى العقارات من سكنات واراض للبناء دون نسيان زيارة الصيدليات وعيادات الاطباء. فالفحص العادي الذي يستمر دقائق يصل سعره الى 2000 دج أما العمليات الجراحية فحدث عنها ولا حرج فالدنيا عندنا (طاق على من طاق) والغش لا حدود له والنوعية مفقودة والنظافة شبه غائبة ومرحبا بكل الامراض المهلكة التي تزداد انتشارا ومنها مرض السرطان بكل انواعه والكل يبحث عن المال والثراء بعيدا عن قضية الحلال والحرام والتجارة صارت حرفة من لا حرفة له فهي مفتوحة امام الجميع ولا يهم غير الربح على حساب المواطن البسيط وتبدأ سلسلة النهب في السلع الاجنبية من المستورد الى الموزع وتاجر الجملة وتنتهي عند تاجر التجزئة وإذا تحدثنا عن اسعار الخضر والفواكه الملتهبة فتتجه انظارنا في كثير من الاحيان الى الفلاح الذي غالبا ما يكون ضحية لتجار المواد الفلاحية من بذور واسمدة وأدوية وبعد تعب وشقاء ومصاريف كبيرة يقدم المنتوج الى تاجر الجملة الذي يضاعف الثمن دون تعب ثم يأتي دور تاجر التجزئة ليضاعف السعر مرة اخرى . فالبطاطا مثلا يبيعها الفلاح ب 15 دج للكغ وتصل للمستهلك ب 50 دج للكغ كما هو واقع في اسواقنا هذه الايام والتمر يباع في بسكرة ب 150 دج ويصل الى المستهلك بأكثر من 400 دج للكلغ بينما الموز المستورد من وراء المحيط الاطلسي لا يتعدى سعره حاليا 230 دج للكلغ واسالوا عن البرتقال والتفاح وغيرهما فقد تحولت غرف التبريد المدعمة من الدولة الى اماكن للتخزين من الاحتكار والمضاربة بدل حفظ المنتوج الفائض اعتقد ان المصالح المختصة في حاجة ماسة الى اجراء دراسة ميدانية دقيقة للسوق الوطنية تكشف الخلل وتسد الثغرات القانونية وتضبط قائمة المتعاملين وتضع اسعارا مرجعية وتحديد هامش الربح لدى تجار الجملة كما هو معمول به في دول اخرى مثل اسبانيا فحرية السوق لا تعني الفوضى فلابد من تطبيق القانون بصرامة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين ومعركة الحليب المدعم مجرد مناوشة صغيرة.