ليس ثمّة أرقام مضبوطة حول عدد الفقراء في البلاد لانعدام الإحصاءات أو تداخل الصلاحيات بين عديد القطاعات ، ما يجعل التعرّف على الرقم غير سهل ، لكن الفقر تقرأه في عيون الرعيّة ، بعضها يدخل الأسواق و بعض آخر يقرفص عند مدخلها مخافة لهيبها ، رغم أنّ الفاقة تجاوزت المعقول بكثير . و ربّما إلى وقت غير بعيد لم تكن الطبقة المتوسطة في المجتمع تشعر بالغلاء المستأسد على كل البضائع ، فجاء رمضان و عرّ العورة بما لم يدع مجالا لستر ما يجب ستره ، و إن كانت البكائيات تصدح بصوتها المجلجل نحيبا على مَن لم يستطيعوا مدَّ أيديهم إلى طاولات الخضر – و لا تحدثوني عن الفواكه - فاليوم الطبقة الدنيا كفكفت دمعها لتوافد الطبقة الوسطى إلى نادي الفقراء ، فصار الجميع في الهمّ واحدا ، و لم يعد الحمل مركونا كلّه إلى ظهر الفقراء الأوائل ، و هذا بدوره قد يخلط المفاهيمَ على علماء الاجتماع. و إن كان قد قيل في زمن ليس ببعيد: الفقراء لا يدخلون الجنّة ، فهل كان لهم نصيب من الدنيا و هم يظلون و يبيتون على الطوى في عاديات الأيّام وزادتهم النائبات ُ صوما على الصيام ، فكم عدد النّاس الذين يفطرون إفطارا مغذّيا و صحيا و قد سمسرت الحيتانُ الكبرى كلَّ ما يسدّ الرمق ؟ وأغلق أشباه التجّار ، من أول السلسلة إلى آخرها اللعبةَ بينهم متقاسمين الثمن و الربح و هامش الربح على حساب بطون خاوية ، ليس في قصبتها الهوائية إلّا زفير و شهيق يصفّران في مساحة فارغة عازفَين لحن التوتر.