الكتابة : الكتابة صرخة إعلان في وجه العدم، إصرار على الحياة تخالف السائد، تشكل الماهية كما يشتهي الفاعلون بالحرف يبنون حضورا مميزا كما تنتظم كتابتهم، ويحفرون بعزم سيزيفي جدل السقوط والاستمرار، حتى يخلد عناد الوجود بفعل يجد الكثير عناءً وجلدًا لا قبل المترفين به. والوجود هنا مختلف مميز صارخ رغم صَمَتِه ضاجٌ رغم سكينته، مفعم كنهر الحياة الخالد. الكتابة وجود متمرد لا يعبأ بالخاملين إلى الموروث أو إلى صَرْعات التيارات الوافدة وركوبها برغم الحادثات والتجدد، الكتابة وجود يشكله المصرون على الكتابة الحقة ضمن نَسَقٍ ومشروع. العلم صيد والكتابة قيده: حين كلمتني الصديقة العزيزة علياء بوخاري في مشروع هذه الفعالية حول بعض منجزات السعيد بوطاجين في فعل الكتابة أطرقت قليلا في شردة من حيرة ثم قفزت إلى ذهني مقولة شيخي سيدي المداني بن رحمون في الكتاتيب: ( العلم صيد والكتابة قيده)، هنا أدركت جيدا معنى لهذا الكائن الافريقي الصياد –السعيد بوطاجين- فهو ككائن افريقي مصر على البقاء يعتبر الكتابة صيدا وأسلوب حياة لذا فهو لا يهمل قوس الحرف ولا نشاب الكلم ولاجراب الصيد. والسعيد بوطاجين لا الإفريقي يخاف على صيده ويخاف من افلاته لذا فهو مصر على تقيده وهو دوما لا يعدم حبال التوثيق وهو دائم الشك بصيده ولا يرتاح إلا وقد أمتن تكبيله لذا فالمعارف صيد عند أبي طاجين والكتابة زاده للقيد والتوثيق في أدغال هذا الراهن الموحش. الكائن الجاحظي: بوطاجين السعيد صنف من المخلوقات الكتابية معرض للانقراض وندر أشباهه إلى في بعض التجارب الحياتية المتفردة وهو كائن جاحظيمهووس بالقراءة وباللغات متعددة ومدمن على الكتابة في فنون معرفية مختلفة لذا يندر أن تجد بوطاجين في الأسواق والمقاهي والأماكن العامة وحتى الجامعة فهو بعد فراغ درسه يتبخر و«لن تجد له عزما"، إلا في صومعته ومعتزله بين كتبه وأوراقه وجنون مطاردته للمعنى حتى يظفر به ويميته بحثا وكتابة ليحييه ويخلده بطريقته المتميزة. وهنا نحن بحاجة لفك شفرة الوارثة –وليس دافينشي-لأني أرجح أن أبا طاجين من نسل المنحدرين من الجاحظ ولعله الوريث الوحيد لكنوزه لذا أعتبر نفسي محظوظا لأني عرفت هذا الكائن الخرافي وسط هذا الخراب في أرض اليباب هذه. أعرفه منذ ثلاثين سنة: الكتابة الحقه شبيهة بالكاتب والأفكار المتميزة تعيشها لا أن تدعيها في الكتابات المنمقة المنفوخة الصلفة. لقد عرفت أبا طاجين منذ أكثر من ثلاثين سنة في العاصمة من الجامعة المركزية إلى كل دروب الحياة الشعبية البسيطة في باب الواد وباش جراح وشارع طنجة. عرفته مع المبدعين والفانين والإعلاميين من الكبير المرحوم محمد بوليفة ومحمد حسين الأعراجي وأبو العيد دودو/ محمد لمين وأخيه محمد الصغير لمين، وعبد العالي رزاقي، وسليمان جوادي، وعبد العزيز بوباكير والشريف صاولي، وبوزيد حرز الله، وشلة كبيرة من الصعاليك العارفين بالكتابة والابداع والحياة. لذا فان هذا البوطاجين يعيش أندر حالات الصدق بين ما يحيا ومايكتب ويفعل ذلك ببساطة ويسر وحرص ويختصر حياته وكتابته بذات الشغف في حالة تماهٍ دائم ممتد مستمر نبيل. الكتابة والمرآة العاكسة: لا يتكلف السعيد بوطاجين حين يعكس الحياة في مراياه الكتابية لأنه جيد النظر في الحياة وفي الكتابة. وهو يفعل ذلك كسائق متمرس يقود إلى الامام ولا يضيره النظر السريع لما تعكسه مرأته من خلفه. يركب ذلك بسرعة المركب المخرج الذي يحسن التوليف بين الاثنين بصدق وحذق ومهارة ويسر. إن قراءاتي المختلفة لمراياه العاكسة ولدت لدي الكثير من المعالم الكتابية عند هذا الكائن المبارك ولعل منها: الكتابة لراهن الشأن وهو هنا يعرض لقضايا الوقت دون حذر أو خوف وبكل بساطة وتجرد وفحص. الكتابة الانتماء، بوطاجين لا يكتب خارج انشغالات محيطه الذي لا يتنكر له ولا لقضاياه لأنه يؤمن أن موت الكتابة حين تدعي قضايا الأخرين وتتبنى اطروحاتهم وتلبس لبوسا غير لبوسها كالغراب في المخيال الشعبي. الكتابة الوعي: لم يحدث وان ادعى السعيد بوطاجين أنه حداثي أو تنويري أو ما بعد حداثي، أو حامل معول هدم للتراث أو ما إلى ذلك من عروض الأزياء الكتابية المتقعرة. لأنه ببساطة ووعي كتاباته يعتبر فعل الكتابة تراكما لصناعة وعي مع الوقت دون عجرفة ولا صلف معرفي موهوم. الكتابة الراصدة: سبق وان قلت إن أبا طاجين افرقي وهو في كتابته أقرب إلى القنص لا يطلق سهم الحرف الا ليصيب صيد الكتابة في مختلف شؤونها ثم يجس نبضها ويفحصها بحياد ويخلص إلى التشريح بخبرة مركبة من الاجتماع والنفس والاعلام والفنون المصاحبة ولعلي هنا امسك عن ملاحظات كثيرة أخرى لضيق المقام في هذا الفعالية. غير أنني أرى ان فعل الكتابة في المرايا العاكسة جدير بدراسات مختلفة سوسيواجتماعية وسيمائية ولغوية تعنى حتى بالإحصاء في النسق والفن والتناول. المسرح والهوية (الحياة): بوطاجين السعيد حين يكتب عن المسرح هو عارف بفنونه المختلفة وهو عارف بالحياة ومدها وجزرها لأنه يعتبر الحياة مسرحا أعجب من المسرح وأغرب، لذا فهو ممتد المعرفة بين المعاش والمجسد، والجسور عنده مفتوحة على التواصل والتفاعل الدائم لذا فإن الكتابة عنده فن راصد لفعل المسرح وفعل الحياة وفعل الهوية. الأفعال الثلاثة: 1. فعل الحياة العادية عند بوطاجين أساس بكل ما تحمل الحياة من تناقضات وشحن وهو منطلق للفحص والعلاج. 2. فعل المسرح تشكيل وإعادة تجسيد يعني النقد والتشريح بكل الفنون الصناعية في عالم المسرح دون محاذير وبوعي اعرابي دقيق للحياة. العيش، القراءة، الكتابة، السفر: دوما كان بوطاجين أقرب إلى الزهاد وفي العيش بوعي وحكمة كأنه من مريدي الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي غير أن ذلك لم يجعله يغفل عن اكتناه الحياة وفهم ومراحل عيشها بمدها وجزرها وفهمها بعمق ورصد الثابت فيها والمتحول، وهنا تأتي القراءة المستمرة في فنون معرفية وحياتية متعددة لترسيخ المفاهيم وتطويرهما والاستزادة في زاد المحارب لكتابة الحقة بوعي متجدد راصد ضمن رؤية ونسق ومشروع بارز المعالم. ولعل السفر عند أبي طاجين زاد أخر لوعي الحياة بمنطق التروبادور، فقد جربت هذا العالم مع الكثيرين غير أنه مع أبي طاجين سفر من الفهوم والزاد والطاقة وفعل الحياة المنتجة للكتابة يشحذ الحرف لمناجزة صنوف الموجهات الكتابية المتجددة في فعل متواصل مرير. يأبى أن يكون عابرا في حديث عابر: عرفت بوطاجين لأكثر من ثلاثين حولا ، ولعلي وصلت إلى خلاصات كثيرة لا أزعم أنها محيطة بالرجل ولا مكتملة الرؤية ، غير أني متأكد من واحدة أعتقد أنها سمة ملازمة له ألا وهي أنه يرفض أن يكون عابرا في كلام عابر وهو يفعل ذلك بهدوء وسكينة وثقة وثبات. ولعل التدريس والقراءة والكتابة مسارتٍ بحرص على فعلها بتجرد ونفس وخطو راسخ ضمن رؤية ونسق ومشروع. بوطاجين يعتبر مساره فعل فاتح كتابي ضمن قناعات هو صنع معالمها ويصر على السير في نطاقها لان الكتابة عنده وجود وحياة متجددة. إدمان الكتابة حالة صوفية: إن استمرار فعل الكتابة عند بوطاجين وبهذا النفس المتجدد الممتد له عوامل كثيرة ومتعددة لعلي أكتفي هنا بواحدة أعرفها منذ زمن ولم يطلها التبدل أو التغيير فالكتابة عند بوطاجين حالة صوفية من التماهي والتداخل والعروج والاختراق " أنا من أهوى من أهوى أنا " لذلك فلا يمكن أن يتصور هذا الكائن دون كتابة أو دون هذه الحالة الصوفية العجيبة المستمرة بتماثل متسق نادر وهنا أجدني ادعو إلى فحص هذه الحالة الصوفية بدراسات مسحية سابرة لتجلي الكثير مما أحس ولا أعرف وقد تشي بالكثير الكثير في فهم ادمان الكتابة والتعلق والارتباط والاستمرار والانضباط بنسق جدير بالفحص والتنويه.