الجزائر ونيجيريا توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون البرلماني وتبادل الخبرات    الجزائر تؤكد حرصها على التكفل بمواطنيها العالقين في غزة    وزيرة التضامن تطلق مشروع أكبر مركز للتكفل بالأطفال المصابين بالتوحد والتريزوميا بوهران    38 وفاة و1770 جريحا في 1470 حادث مرور خلال أسبوع    وزير الصحة يبحث مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية سبل توسيع التعاون في المجال الطبي    تقديم عرضا شاملا حول البرامج التنموية الكبرى للقطاع    قانون المالية جاء بنهج جديد قائم على الشفافية والمساءلة    اتفقنا على تعزيز التعاون في مجال التنقل والهجرة غير الشرعية    غزة تعانى من حالة تجويع قاسية وهي جريمة في القانون الدولي    إسرائيل تحرم غزة من المساعدات المنقذة للحياة    ينتظر من الهيئة تعبئة خبرتها لمرافقة الإصلاحات الوطنية الشاملة    يستقبل وزير الداخلية الإسباني    الشلف : فرقة البحث و التدخل BRI بأمن الولاية    سكيكدة : والي سكيكدة يحل قضايا المواطنين في ظرف قياسي    جيجل : إتلاف كميات معتبرة من اللحوم الفاسدة    انطلاق الطبعة ال28 للصالون الدولي للكتاب في 29 أكتوبر    الحزب الشيوعي البرازيلي يجدّد تضامنه مع نضال الشعب الصحراوي    البعثة الأممية في ليبيا تؤكد دعمها للمفوضية العليا للانتخابات    ندوات تكوينية عن بُعد لطلبة معاهد الشؤون الدينية    يواصل التألّق مع فرانكفورت    غموض حول الموعد الرسمي لعودة آيت نوري    مدرب ليل يردّ الاعتبار لماندي    تدابير جديدة لتخفيف الازدحام بالموانئ والمطارات    تحسين الحوكمة وتسريع التحوّل الرقمي في الأشغال العمومية    محطات التحلية خيار استراتيجي لتعزيز الأمن المائي    الجزائر متمسكة بإصلاح الحوكمة الاقتصادية العالمية    إطلاق المكتبة الرقمية الجامعية    تفكيك عصابة أحياء بعين تموشنت    44 مشاركا في الطبعة 15    معالجة أولويات قطاعات البيئة، التربية والمياه    احموا أنفسكم بحماية معطياتكم الشخصية    الطبعة الثامنة على وقع "الذاكرة الوطنية"    الهوية الجامعة والذكاء الاصطناعي والنيوكولونيالية أبرز المحاور    "بومرداس قلعة الثوار" ..عمل فني يخلّد الثورة    التلقيح المبكر يمنح مناعة أقوى ضدّ الأنفلونزا    ظاهرة موسمية تتجاوز الوصفات الطبية    الساورة في الصدارة    حمدان يستشهد بثورة الجزائر    الجزائر تشارك في منتدى موسكو    وزارة الثقافة تطلق جائزة    سميرة بن عيسى تلمع في سماء الأدب    ندوة حول إسهامات المرأة في النضال إبّان الثورة    الاقتصاد العالمي يدخل مرحلة جديدة    ناصري يشارك في مؤتمر جنيف    ضرورة وضع أسس تعاون عملي بين البلدين في مجالات الطاقة    مديرية الصحة تدعو المواطنين خاصة المقيمين بسكيكدة وفلفلة للتلقيح ضد "الدفتيريا"    خبراء الصحة يشدّدون على أهمية تعزيز التطعيم واحترام الرزنامة    المنتخب الوطني : بقائمة من 50 لاعباً.. هل يستعد بيتكوفيتش لمفاجأة كبرى؟    عودة آيت نوري وعطال تبعث المنافسة بين دورفال ورفيق بلغالي    صادي وبيتكوفيتش يتضامنان معه..أمين غويري يغيب رسميا عن كأس إفريقيا    "جوائز نوبل".. أزمات اقتصادية وحروب السلام!    أدب النفس.. "إنَّما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ"    فتاوى : حكم قراءة القرآن بدون تدبر    "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"    تسجيل خمس حالات إصابة مؤكدة بداء الدفتيريا بولاية سكيكدة    انتصاران هامّان لأولمبيك آقبو وأولمبي الشلف    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنسانية موجوعة في مواجهة عطب قصورها
نشر في الحياة العربية يوم 06 - 05 - 2020

الوضع الإنساني الذي تعيشه البشرية اليوم غير مسبوق، ويقودنا إلى مزيد من تأمل حياتنا واختبار إنسانيتنا بكل ما يعتريها ويخترقها من تناقضات، بين ما نحن عليه من خوف وحيرة وما يجب أن نكونه.
وربما كان التواضع أمام معضلات الطبيعة كالتحولات المناخية الخطيرة، والتسونامي، وارتفاع منسوب مياه البحار، وارتفاع درجة الحرارة، وذوبان ثلوج القطب الشمالي، وغيرها، أهم سمات بشرية بدأت تفهم أن ما يحدث من حواليها ليس في النهاية إلا شكلاً من أشكال احتجاج الطبيعة التي ابتذلت وانتهكت وسرقت منها عفويتها، بحيث أصبحت تتحرك دفاعاً عن وجودها واستقلالها من سطوة الإنسان التي تكبر لدرجة الخطورة.
وكل تواضع في المقاربة وإعادة التساؤل، يبين أن هذا الإنسان بدأ يفهم ويخرج من دائرة سطوته وجبروته المعتاد. وهذا يتجلى من خلال جهد إنساني واسع يحصر ما يجب فعله وما لا يجب فعله أيضاً، حفاظاً على الطبيعة، والوجود الحي من النهايات المفجعة، وليس كوفيد 19 اليوم إلا أحد مظاهرها القاسية، ولا أحد يعلم ما تخفيه الطبيعة من عواصف قادمة وزلازل مدمرة وبراكين، تعيد تشكيل ليس الجغرافية فقط بل الإنسان نفسه إذا بقي للإنسان من وجود.
لكن يبدو أن من تعود على شيء لا يشيب عليه فقط، ولكن يموت أيضاً عليه دون أن يعي ذلك. لا تزال هناك عقليات وردود فعل أورو- مركزية لا تتغير مطلقاً، لدرجة أن أصبحت من ثوابت الإنسان الأوروبي المعاصر، تعطي لنفسها الحق في رؤية كل من لا يشبهها بنظرة دونية، ساخرة، حتى ولو كان هذا المختلف يتجاوزها ثقافة وعلماً وإنسانية وليس أقل تحضراً منها.
وهذا يؤكد شيئاً واحداً لا يمكن القفز عنه أبداً: انهيار الإنسان وقيمه. ما حدث، قبل فترة قصيرة تجاه الصينيين، في فرنسا وأوروبا عموماً، مثير للتساؤل، وقد أشعل وسائط التواصل الاجتماعي في شكل موجات احتجاجية عارمة، مما يبين أن جوهر الإنسان ما يزال حياً ولم يلوث قط.
بدأ الفعل العنصري مع الصينيين في بداية ظهور فيروس كورونا، بحيث أصبح الصيني كأنه هو الوباء نفسه، خارج الأطر الوقائية، وحلت محل الحذر ردود فعل شديدة العنصرية، حررت اللغة العنصرية الممنوعة قانوناً، كأكلة الوطاويط مثلاً، وانعكس الموقف ليس فقط على الصينيين، ولكن على كل من يحمل ملامح آسيوية، مما ينبئ عن جهل غير مسبوق، حيث بدأ تفادي الصيني والياباني والكوري، وحتى الإندونيسي وغيرهم.
وصل الأمر حتى الطفولة، كذلك الأب الفرنسي الذي يحذر ابنته من الفيروس الصيني بمجرد مرور شاب آسيوي بالقرب منها. وليست الأمثلة هي ما ينقصنا في هذا السياق. تطورت هذه الممارسات من الكلام إلى الفعل بإرغام شابة آسيوية على مغادرة قطار الضواحي خوف العدوى بفيروس كورونا. وأمام هذه الحالة من العمى والأنانية والجهل التي فضحتها مواقع التواصل الاجتماعي بقوة، كان لا بد من دق ناقوس الخطر على الصعيد الرسمي، وهو ما لم يحدث، ربما لأن فجيعة كورونا أربكت مؤسسات الدولة أيضاً، لأن توقيف هذا السيل العنصري كان بإمكانه أن يتحول إلى وسيلة وقائية حقيقية من الآتي المحتمل.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. عندما كانت القناة الإخبارية الفرنسية القوية BFMTV تنقل من يوهان الصينية مباشرة، وقفة الثلاث دقائق صمتاً تكريماً لآلاف الصينيين الذين توفّوا بسبب فيروس كورونا، إيذاناً بانتصارهم على الجائحة، صدر من أحد الصحافيين (أثناء تغطية الوقفة الإنسانية الكبيرة، التي يفترض أن يتواضع الإنسان أمامها) كلام شديد العنصرية يبين خفايا هذه النفس البشرية، في وقت أن القانون الفرنسي يعاقب بصرامة مثل الممارسات العنصرية أو المعادية للسامية.
قال الصحافي إيمانويل لوشيبر، في لحظة خشوع الصينيين الترحمية، وكان يظن أن المايك مغلق: إنهم يدفنون البوكيمون. هل يعقل؟ وهل يكفي أن تعتذر القناة؟ أو حتى أن يعتذر الصحافي نفسه عبر صفحته في «تويتر» بكلام هو في النهاية عذر أقبح من ذنب.
قال: هذا الصباح، أثناء بث وقفة الترحم الصينية على الضحايا صدرت مني عبارة غير لائقة، وكنت أظن أن الميكرو مغلق؟؟؟ مؤدى هذا الكلام.. العنصرية مسموح بها شرط ألا تظهر بشكل معلن وألا يعرفها الناس.
ومضت العملية وكأن شيئاً لم يكن، وعاد الصحافي إلى ممارسته الإعلامية بشكل طبيعي. متأكد من أن الآلاف، وربما الملايين مثلي اليوم، كلما رأوا هذا الصحافي على الشاشة انتقلوا تلقائياً إلى قناة أخرى. أسوأ من هذا كله ما صرح به طبيبان فرنسيان منخرطان في التجارب والبحث عن دواء كوفيد 19، في القناة الإخبارية الفرنسية LCI، حول إمكانية إجراء التجارب الإكلينيكية الاختبارية على أفارقة حتى يتم التأكد من صلاحية اللقاح بشرياً؟ بمعنى أبسط، يتم تجريب الدواء على بشر يتساوى موتهم وحياتهم، وهذا يصدر من أعلى هيئة إنسانية لا تفرق بين البشر طبياً.
فقد ناقش البروفيسور كامي لوخت، مدير المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي INSERM، وهو مؤسسة تابعة للدولة، أي تخضع للقانون الرسمي، والبروفيسور جان بول ميرا، رئيس قسم العناية المشددة في مستشفى كوشان، فكرة استعمال دواء السل BCG لمعالجة المصابين بفيروس كورونا. قال الدكتور ميرا: «ألا يمكن أن نجرب هذا الدواء أولاً في إفريقيا؟ فهناك لا استعمال للأقنعة ولا متابعة طبية، ولا عناية مشددة».
ويواصل: «كما حدث ذلك في التجارب الخاصة بالسيدا عندما تم تجريب ذلك على المومسات هناك لأنهن الأكثر تعرضاً للمرض والأقل وقاية منه». ويؤيده الدكتور لوخت: «معك حق. نفكر حالياً في دراسة موازية في إفريقيا نحاول من خلالها أن نقوم بنفس المقاربة بالنسبة لتطبيق دواء السل BCG». عنصرية معلنة تجعل من الأفارقة فئران تجارب لأدوية محتملة لا أحد يعرف ضررها المحتمل.
لم يعتذر الطبيبان في النهاية على الرغم من الاحتجاجات؛ لسبب بسيط، لأن كلامهما يندرج ضمن ممارسة استعمارية قديمة كانت تعتبر إفريقيا المستعمرة حقل تجارب، والإفريقي أقل قيمة في السلم الاعتباري، قد يسبقه الكلب أو القطة أو أي حيوان أليف يربى في البيت.
الكثير من الأدوية جربت في إفريقيا، أستراليا، أمريكا، أوروبا على الساكنة الهشة، وعندما يثبت الدواء جدواه على بشر الدرجة الثانية، يتم استعماله لإنقاذ إنسان الدرجة الأولى. بهذا المنطق تصبح الإنسانية إنسانيتين، واحدة لها الحق في العيش الكلي، والثانية لا حق لها ولا تشكل أكثر من فأر تجارب.
وباء كوفيد 19 كشف بشكل مفضوح كم أن البشرية تتحمل مسؤولية ما يحدث اليوم. ما زلنا في عمق الوباء القاتل، ولا يبدو أن هذه الأخيرة قد فهمت شيئاً من جوهر ما يصيبها، ولا أعتقد أنها ستفهم حتى بعد زوال الوباء. المسالة أصبحت بنيوية، وأي تغيير محتمل يقتضي تدمير البنية المترسخة. هل الدول المتقدمة مستعدة لذلك؟
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.