القضاء على إرهابي وتوقيف 6 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    سوناطراك توقع بروتوكول تفاهم مع شركة الطاقة العمانية "أبراج"    الاحتلال الصهيوني يغلق الحرم الإبراهيمي أمام المصلين المسلمين    مدرب اتحاد الشاوية السعيد بلعريبي للنصر    تمنراست: إرتفاع حصيلة ضحايا ضحايا المرور إلى 9 أشخاص    الطارف: تعليمات باستدراك تأخر إنجاز محطة تحويل الكهرباء بتقيدة    فيما وضع حجز الأساس لإنجاز أخرى: وزير الطاقة يدشن مشاريع ببسكرة    وزير العدل يدشن مقر مجلس القضاء الجديد بتبسة    وزير الخارجية أحمد عطاف يصرح: الوضع المأساوي في غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر    جامايكا تعترف رسميا بالدولة الفلسطينية    الخبراء يبرزون أهمية اللقاء التشاوري للقادة الثلاثة    وزير البريد في القمة الرقمية الإفريقية    وزير الإشارة العمومية يعطي إشارة الانطلاق: الشروع في توسعة ميناء عنابة و رصيف لتصدير الفوسفات    وزير الداخلية يكشف: تخصيص أزيد من 130 مليار دينار لتهيئة المناطق الصناعية    المستشفى الجامعي بقسنطينة: الشروع في تركيب مسرع نووي جديد لعلاج مرضى السرطان    البروفيسور نصر الدين لعياضي يؤكد من جامعة صالح بوبنيدر    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    لعقاب ينهي مهام مديرين    اجتماع حول استراتيجية المركز الوطني للسجل التجاري    مجلس الأمة يشارك في مؤتمر بإسطنبول    غزّة تحت القصف دائماً    الاستخدام العشوائي للنباتات الطبية.. عواقب وخيمة    الفريق أول السعيد شنقريحة من الناحية العسكرية الثالثة    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    تأسيس جائزة وطنية في علوم اللغة العربية    اختتام ملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    مولودية الجزائر تقلب الطاولة على شباب قسنطينة وتبلغ نهائي كأس الجزائر للمرة العاشرة    فلاحة: السيد شرفة يبحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون    مباراة اتحاد الجزائر- نهضة بركان : قرار الكاف منتظر غدا الاربعاء كأقصى تقدير    فتح صناديق كتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الموقوفة على جامع الجزائر    قسنطينة: السيد عون يدشن مصنعا لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات    الجامعة العربية تجتمع لبحث تداعيات استمرار جرائم الاحتلال    تقرير دولي يفضح ادعاءات الكيان الصهيوني حول "الأونروا"    وزارة الشؤون الخارجية توضح    تكتل ثلاثي لاستقرار المنطقة ورفاه شعوبها    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    عاصمة البتروكيمياء بلا حظيرة تسلية ولا حديقة حيوانات    لا تزال الأزمة تصنع الحدث في الساحة الرياضية: بيان رسمي .. اتحاد العاصمة يعلّق على عدم إجراء مباراته أمام نهضة بركان    العماني: مواقف الجزائر مشرفة في المحافل الدولية    الحاجة الاقتصادية والاجتماعية لضبط عروض التكوين في الدكتوراه    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    إشادة ألمانية بأول تجربة لشايبي في "البوندسليغا"    بلومي هداف مجددا في الدوري البرتغالي    ماندريا يُعلّق على موسمه مع كون ويعترف بتراجع مستواه    دعم الإبداع والابتكار في بيئة ريادة الأعمال    تمنطيط حاضرة للعلم والأعلام    الوقاية خير من العلاج ومخططات تسيير في القريب العاجل    رجل الإصلاح وأيقونة الأدب المحلي    معالجة 245 قضية إجرامية    90 بالمائة من الأبناء يفشلون لعدم الاهتمام بمواهبهم    المنتخب الوطني يتعادل أمام نظيره التونسي    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوبل، وأشياء أخرى تحت الطاولة؟
نشر في الحياة العربية يوم 14 - 09 - 2022

نقترب شيئا فشيئا من تاريخ الإعلان عن منح جائزة نوبل للآداب، لهذه السنة (من 3 حتى 10 أكتوبر) وستتم هذه السنة، خلال أسبوعية نوبل، دعوة الفائزين بالجائزة في سنتي 2020 و2021 لاحتفالية التوزيع في صالة Konserthuset Stockholm وهي شكل من أشكال التكريم العلني الذي كان كوفيد قد هزّه بعنف في السنة الماضية. قلت نقترب، أي نحن العرب تحديدا، الذين «جفّت عبقريتهم» وفق منطق الجائزة، مادام نجيب يظل الوحيد الأوحد الذي فلت من هذا الجفاف. يمكننا أن نتخيل المرشحين من الآن: سلمان رشدي مثلا، او كاتبا أوكرانيا، أو أمريكيا. مستحيل أن يكون روسيا حتى ولو كان معارضا لبوتين، او عربيا.
لأن الإستابليشمنت الذي يحف بالجائزة، أراد ذلك، خارج منطق الفن الذي لا ينصاع إلا للحق. توقف حلم نوبل عند العرب، بتوقف التطور والخروج يوما ما من دائرة التخلف، إلا إذا انهار النظام الامبراطوري الذي يحكم العالم اليوم. في زمن تمحى فيه أسماء مثل تولستوي الذي اختار الحق على العبودية. أتذكر كتيب لينين الذي قرأته في يفاعتي: «بصدد تولستوي».
قراءة لينين كانت صائبة حينما اعتبر أن روايات تولستوي كانت أكبر من الأنظمة وأكبر من التاريخ الذي نشأت فيه. ربما لو فكرت نوبل بشكل مختلف، لمنحتها له استثناء هذه السنة، وبمفعول رجعي، لتولستوي الذي رفضها سريا، في أول دورة، في 1901، فسلمت لكاتب فرنسي جد متواضع هو «سولي برودوم». تولستوي، فوق الأنظمة وعابر للتاريخ. لكن ذلك لن يكون لأنه غير محبوب اليوم بسبب الحرب الأوكرانية – الروسية؟ ثم لأنه ميت، والقانون لا يسمح بذلك؟ لكن من قال إن تولستوي ميت، الذي رسم بدقة عالم الحروب المميت؟ كيف مُنع وجوده في أوكرانيا ورُفِضت ذاكرته، مثله مثل دويستوفسكي العبقرية العالمية التي مرت عبرها كل الأنظمة وظلت مقاومة للظلم بما في ذلك ظلم القياصرة، ودرس بعمق النفس الممزقة. محيت أسماؤهم وسُحبت كتبهم من المكتبات، في صمت غربي أمريكي عادة عقلاني وحداثي وديمقراطي؟ لنا أن نخاف من الآتي لأنها ممارسات تذكر بمحاكم التفتيش المقدس. نعم نحن ضد الاعتداء العسكري على أوكرانيا، لكن الفن يجب أن يظل الحائط الذي يقي البشرية من كل التجاوزات الخطيرة المحتملة. لنا أن نخاف لا على موضوعية نوبل، ولا نعتقد أنها ستسقط في الخطأ المميت، ولنا أن نخاف على مآلات البشرية التي ترى الخراب الثقافي أمام عينيها، وتصمت عليه. في هذا العالم شيء يسير بالمقلوب.
يكذب من يقول إنه غير معنيّ بجائزة نوبل، ولا يحلم بالفوز في أحد حقولها، من السلام إلى الآداب، مرورًا بالكيمياء والفيزياء والاقتصاد، لكن جائزة الآداب تظل لها خصوصية كبيرة، إذ إن صداها كبير، ولا يتوقف بسهولة بالخصوص إذا كان الفائز بها جديداً على المشهد، وغير مرئي إعلاميًا مثلما حدث في السنة الماضية حينما مُنِحت للزنجباري قورناح عبد الرزاق. كل شيء يتعلق بالآداب والفنون محكوم بالعقل إلى حدٍّ ما، لكنه أيضاً، رهين الذوق والأثر الوجداني العميق. الأمر طبيعي لكونه يتأسَّس على اللغة. واللغة بحر بلا ضفاف، تحتاج إلى من يتآلف مع حركة موجها وتقلباتها. هناك مشترك إنساني عام في الحكم على النص الأدبي الجيد أو المميز، وهذا متفق عليه، لكن هناك أيضاً خصوصيات النص التي قد يتلقاها كُلٌّ بطريقته من أقصى الإيجابية إلى السلبية في أدنى مراتبها. المحصلة، تضارب كبير في ردود الفعل فور الإعلان عن الفائز. لكل شخص، كاتبًا كان أو قارئًا أو إعلاميًا، مقاربته الخاصة في تأسيس ردّة فعله وحكمه، مرتبطة بالنّص المُنتَج، ولكن لها أيضا علاقة خارجية بالثقافة الخاصة لمستهلك النص. لهذا أيضا، كثيرا ما تخطيء التوقعات طريقها في فوز فلان أو فلانة، لأن رهان القارئ المتخصص أو العام، ينبني على فكرة الكاتب كما عرفه هو، من خلال قراءة منجزه الأدبي، أو القراءة عنه. لكن للجنة نوبل أيضا حساباتها، كثيرا ما يلعب فيها السياسي والظرفي وغير المنتظر، دورًا حاسمًا. كلما اقترب الإعلان عن نوبل اهتزت الأعين وشخصت الأبصار صوب ستوكهولم أو مدن أخرى يتم فيها الإعلان عن الفائز. ومهما كانت ردود الفعل متناقضة، تظل جائزة نوبل تحمل سرًا خاصًا وجاذبية لا نجدها عند غيرها من كبريات الجوائز العالمية. عدد الذين رفضوا استلامها يعدّون على أصابع اليد الواحدة. رفضها في دورتها الأولى ليون تولستوي عندما استشير، لأنه شعر بنفسه أكبر منها، وكان في المرحلة الأخيرة من حياته التي ترك فيها كل ممتلكاته للفقراء المزارعين، واختار حياة الكفاف. ورفضها أيضا، جون بول سارتر في إعلان صحافي أثار جدلاً كبيرًا. وقف ضد تسطيح ما قام به ألفريد نوبل باكتشافه للمتفجرات التي فتحت الطرقات داخل الجبال الوعرة، هذا صحيح، لكنها كانت أيضا السبب الرئيس في مقتل الملايين من البشر.
باستثناء الحالتين، لا يوجد من مُنحت له الجائزة ورفض استلامها. فقد غيّرت نوبل الكثير من المصائر البشرية نهائيًا، ومنحت لأصحابها مساحة واسعة للشيوع وربما الخلود؟ يبدو من خلال آراء أغلب الحاصلين عليها أن المسألة لا تتوقف عند الحدود الذاتية، ولا حتى عند حدود المال المحصل عليه من وراء الفوز بها. بالنسبة للأدباء. فهي تُدخل مباشرة الكاتب ضمن جنّة المحظوظين. تثبّتهم في تاريخ الأدب نهائيًا كعلامات ثقافية لا يمكن القفز عليها. فهي تمنحهم اعترافًا دوليًا كبيرًا لم يكن متوفرًا من قبل. لعامل السن طبعًا أهمية كبيرة. هناك من يحصل عليها في شبابه، فتمنحه نوبل عمرًا آخر مع قرائه ومحبيه، بحيث تصبح جهوده مرئية بامتياز، وهناك من لم يعش بعد الحصول عليها، إلاّ بضع سنوات ليستمر بعدها بقوة في المخيال الأدبي الإنساني.
لكن هناك أيضًا من قتلته نوبل للآداب مباشرة فمات كفاعلية ثقافية وأدبية. فتوقف تقريبًا عن الإنتاج كميشيما والبير كامو وأيضا أورهان باموك الذي ابتعد كثيراً عن نصوصه المرجعية الكبيرة مثل اسمي أحمر أو ثلج التي دفعت بنصوصه إلى الواجهة، ومال نحو السيري والمذكرات وكأن الفعل التخييلي توقف، حتى روايته الأخيرة «ليالي الطاعون»، لم تخرج عن هذا الجانب السيري. في المجال العلمي يختلف الأمر كثيراً والحكم عن الفائز أهون، لأنه لا يتعلق بفردٍ واحد إلا نادرًا.
كثير ما تُعطَى مناصفة، مما يسمح للحاصلين عليها بأن يواصلوا جهودهم الإنسانية في الكيمياء والفيزياء والطب والاقتصاد بشكل أكثر فاعلية. هناك مرض كبير صاحب نوبل في وقت مبكّر هو نزعتها الجغرافية الأورو-ساكسونية وعدم التفاتها إلى المساحات الأخرى إلا نادرًا مع أنها أماكن منتجة للمعرفة والعلم والتخييل الحي والغني. هناك مناطق منسية وكأنها غير محسوبة في الخرائط النوبيلية، بالخصوص إفريقيا والعالم العربي، وآسيا ولو بشكل أقل. الهند مثلا، قارة علمية وثقافية، يفوز كتابها بالبوكر مان، في كل مرة، لكنهم يظلون على عتبة نوبل دون أن يدخلوها؟ هل هذا طبيعي؟ الجواب عن لجنة نوبل، هذه السنة.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.