مؤتمر ومعرض غازتك: حشيشي يؤكد دور الغاز في الحفاظ على توازن أسواق الطاقة    إعادة هيكلة مواد ومواقيت ابتداء من هذا الموسم    الجزائر تواصل تكريس موقعها كفاعل أساسي في القارة    الحدث فرصة استثنائية لرؤية إفريقيا مجتمعة في مكان واحد    ما يجري في غزة "جريمة حرب مكتملة الأركان وإرهابا منظما"    الجزائر تدين الهجوم الجبان للكيان الصهيوني على الدوحة    خبراء الأمم المتحدة يتضامنون مع أسطول الصمود العالمي    التجارة البينية الإفريقية: توقيع عدة اتفاقيات تصدير للمنتجات الوطنية نحو دول أفريقية    مجلس التعاون الخليجي يؤكد وقوفه "صفا واحدا" مع قطر ضد العدوان الصهيوني    مجلس الأمة يشارك بالقاهرة في الدورة ال 39 للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي    الرئيس ماكرون يعين سيباستيان ليكورنو رئيسا للوزراء    ورشات تكوينية حول المزارع الذكية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي    توحيد البيانات لدعم التكامل الاقتصادي في القارة    حملات تضليلية تستهدف تشويه سمعة بلادنا    بحث التعاون الجزائري-النيجيري في قطاع الفلاحة    هذا آخر أجل للفلاحين والموّالين لتسديد اشتراكاتهم لدى "كاسنوس"    بريد الجزائر يحذّر زبائنه من المكالمات الاحتيالية    ماكرون وحيدا في مواجهة غضب الشارع اليوم    74 مداهمة أمنية لأوكار الجريمة    هلاك شخص وجريحان ببئر الجير    الإطاحة بعصابة تروج المهلوسات    شراكة جزائرية- نيجيرية في مجال الأدوية ب100 مليون دولار    معرض التجارة البينية الإفريقية: عرض فيلم "لومومبا" رمز المقاومة و التحرر الإفريقي بسينماتيك العاصمة    جمباز: الجزائرية كيليا نمور تشارك في ثلاث محطات كبرى في نهاية 2025    تيبازة.. مشروع لإنجاز مشتلة ذكية بطاقة إنتاج 3 مليون نبتة سنويا    عين تموشنت.. تدعيم المرافق الصحية بعشر سيارات إسعاف جديدة    معرض التجارة البينية الإفريقية: مؤسسات جزائرية توقع عدة عقود في مجال الصناعات الميكانيكية    زهير بللو:الجزائر تزخر بتراث عالمي متنوع يشهد على غنى تاريخها    أشرف على افتتاح المعرض الفني الختامي للإقامة الإفريقية "حوار وإبداع إفريقي".. بللو: الجزائر تسعى لتكون مركزا جامعا لحماية الثقافة والتراث الإفريقي    مشاركة المحافظة السامية للأمازيغية في معرض الجزائر الدولي للكتاب..تقديم 16 كتابا جديدا ويوم دراسي حول المسائل اللغوية الحالية    وفاة المغني حميد مدورعن عمر ناهز 50 سنة    المسرح الجهوي لبجاية: عرض شرفي لمسرحية جديدة حول غزة يوم 27 سبتمبر    حماس تؤكد نجاة وفد الحركة .. الاحتلال الإسرائيلي يستهدف قيادات حماس بالدوحة    استعراض آفاق تطوير التعاون الثنائي بما يخدم مصالح البلدين    قطاعنا مؤهل لوضع تجربته الرائدة في خدمة الدول الإفريقية    تبّون وشنقريحة يُعزّيان    درّاج جزائري يتألق في تونس    التأهّل إلى المونديال يتأجّل    توقيع اتفاقية ثنائية بين الجزائر وأوغندا    حجز مُحرّكات بغرداية    سعداوي يؤكد أهمية تحيين البرامج التعليمية والتكوينية    فتح 6770 منصب في التكوين المهني بخنشلة    تصفيات كأس العالم 2026: الجزائر تتعادل أمام غينيا (0-0)    التأهل إلى المونديال يتأجل وبيتكوفيتش يثير الحيرة    إبراز القيم الإنسانية والفكرية للأمير عبد القادر    بطولة إفريقيا للأمم لكرة اليد أقل من 19 سنة إناث: الجزائر تفوز على مالي (39-16) وتحقق انتصارها الثاني    قطاع الصيدلة سيشهد توقيع عقود بقيمة 400 مليون دولار    تجسيد برنامج تمويل المشاريع الموجّهة للشباب    الوفد الجزائري لألعاب القوى يحلّ بطوكيو    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    قصة ثمرة صغيرة صنعت هوية مدينة    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    شراكة بين "صيدال" وشركة "أب في" الأمريكية    الإعلان عن قائمة الوكالات المؤهلة    الإسلام منح المرأة حقوقا وكرامة لم يمنحها أي قانونعبر التاريخ    المولد النبوي يوم الجمعة    يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    ذكرى المولد النبوي الشريف ستكون يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوبل، وأشياء أخرى تحت الطاولة؟
نشر في الحياة العربية يوم 14 - 09 - 2022

نقترب شيئا فشيئا من تاريخ الإعلان عن منح جائزة نوبل للآداب، لهذه السنة (من 3 حتى 10 أكتوبر) وستتم هذه السنة، خلال أسبوعية نوبل، دعوة الفائزين بالجائزة في سنتي 2020 و2021 لاحتفالية التوزيع في صالة Konserthuset Stockholm وهي شكل من أشكال التكريم العلني الذي كان كوفيد قد هزّه بعنف في السنة الماضية. قلت نقترب، أي نحن العرب تحديدا، الذين «جفّت عبقريتهم» وفق منطق الجائزة، مادام نجيب يظل الوحيد الأوحد الذي فلت من هذا الجفاف. يمكننا أن نتخيل المرشحين من الآن: سلمان رشدي مثلا، او كاتبا أوكرانيا، أو أمريكيا. مستحيل أن يكون روسيا حتى ولو كان معارضا لبوتين، او عربيا.
لأن الإستابليشمنت الذي يحف بالجائزة، أراد ذلك، خارج منطق الفن الذي لا ينصاع إلا للحق. توقف حلم نوبل عند العرب، بتوقف التطور والخروج يوما ما من دائرة التخلف، إلا إذا انهار النظام الامبراطوري الذي يحكم العالم اليوم. في زمن تمحى فيه أسماء مثل تولستوي الذي اختار الحق على العبودية. أتذكر كتيب لينين الذي قرأته في يفاعتي: «بصدد تولستوي».
قراءة لينين كانت صائبة حينما اعتبر أن روايات تولستوي كانت أكبر من الأنظمة وأكبر من التاريخ الذي نشأت فيه. ربما لو فكرت نوبل بشكل مختلف، لمنحتها له استثناء هذه السنة، وبمفعول رجعي، لتولستوي الذي رفضها سريا، في أول دورة، في 1901، فسلمت لكاتب فرنسي جد متواضع هو «سولي برودوم». تولستوي، فوق الأنظمة وعابر للتاريخ. لكن ذلك لن يكون لأنه غير محبوب اليوم بسبب الحرب الأوكرانية – الروسية؟ ثم لأنه ميت، والقانون لا يسمح بذلك؟ لكن من قال إن تولستوي ميت، الذي رسم بدقة عالم الحروب المميت؟ كيف مُنع وجوده في أوكرانيا ورُفِضت ذاكرته، مثله مثل دويستوفسكي العبقرية العالمية التي مرت عبرها كل الأنظمة وظلت مقاومة للظلم بما في ذلك ظلم القياصرة، ودرس بعمق النفس الممزقة. محيت أسماؤهم وسُحبت كتبهم من المكتبات، في صمت غربي أمريكي عادة عقلاني وحداثي وديمقراطي؟ لنا أن نخاف من الآتي لأنها ممارسات تذكر بمحاكم التفتيش المقدس. نعم نحن ضد الاعتداء العسكري على أوكرانيا، لكن الفن يجب أن يظل الحائط الذي يقي البشرية من كل التجاوزات الخطيرة المحتملة. لنا أن نخاف لا على موضوعية نوبل، ولا نعتقد أنها ستسقط في الخطأ المميت، ولنا أن نخاف على مآلات البشرية التي ترى الخراب الثقافي أمام عينيها، وتصمت عليه. في هذا العالم شيء يسير بالمقلوب.
يكذب من يقول إنه غير معنيّ بجائزة نوبل، ولا يحلم بالفوز في أحد حقولها، من السلام إلى الآداب، مرورًا بالكيمياء والفيزياء والاقتصاد، لكن جائزة الآداب تظل لها خصوصية كبيرة، إذ إن صداها كبير، ولا يتوقف بسهولة بالخصوص إذا كان الفائز بها جديداً على المشهد، وغير مرئي إعلاميًا مثلما حدث في السنة الماضية حينما مُنِحت للزنجباري قورناح عبد الرزاق. كل شيء يتعلق بالآداب والفنون محكوم بالعقل إلى حدٍّ ما، لكنه أيضاً، رهين الذوق والأثر الوجداني العميق. الأمر طبيعي لكونه يتأسَّس على اللغة. واللغة بحر بلا ضفاف، تحتاج إلى من يتآلف مع حركة موجها وتقلباتها. هناك مشترك إنساني عام في الحكم على النص الأدبي الجيد أو المميز، وهذا متفق عليه، لكن هناك أيضاً خصوصيات النص التي قد يتلقاها كُلٌّ بطريقته من أقصى الإيجابية إلى السلبية في أدنى مراتبها. المحصلة، تضارب كبير في ردود الفعل فور الإعلان عن الفائز. لكل شخص، كاتبًا كان أو قارئًا أو إعلاميًا، مقاربته الخاصة في تأسيس ردّة فعله وحكمه، مرتبطة بالنّص المُنتَج، ولكن لها أيضا علاقة خارجية بالثقافة الخاصة لمستهلك النص. لهذا أيضا، كثيرا ما تخطيء التوقعات طريقها في فوز فلان أو فلانة، لأن رهان القارئ المتخصص أو العام، ينبني على فكرة الكاتب كما عرفه هو، من خلال قراءة منجزه الأدبي، أو القراءة عنه. لكن للجنة نوبل أيضا حساباتها، كثيرا ما يلعب فيها السياسي والظرفي وغير المنتظر، دورًا حاسمًا. كلما اقترب الإعلان عن نوبل اهتزت الأعين وشخصت الأبصار صوب ستوكهولم أو مدن أخرى يتم فيها الإعلان عن الفائز. ومهما كانت ردود الفعل متناقضة، تظل جائزة نوبل تحمل سرًا خاصًا وجاذبية لا نجدها عند غيرها من كبريات الجوائز العالمية. عدد الذين رفضوا استلامها يعدّون على أصابع اليد الواحدة. رفضها في دورتها الأولى ليون تولستوي عندما استشير، لأنه شعر بنفسه أكبر منها، وكان في المرحلة الأخيرة من حياته التي ترك فيها كل ممتلكاته للفقراء المزارعين، واختار حياة الكفاف. ورفضها أيضا، جون بول سارتر في إعلان صحافي أثار جدلاً كبيرًا. وقف ضد تسطيح ما قام به ألفريد نوبل باكتشافه للمتفجرات التي فتحت الطرقات داخل الجبال الوعرة، هذا صحيح، لكنها كانت أيضا السبب الرئيس في مقتل الملايين من البشر.
باستثناء الحالتين، لا يوجد من مُنحت له الجائزة ورفض استلامها. فقد غيّرت نوبل الكثير من المصائر البشرية نهائيًا، ومنحت لأصحابها مساحة واسعة للشيوع وربما الخلود؟ يبدو من خلال آراء أغلب الحاصلين عليها أن المسألة لا تتوقف عند الحدود الذاتية، ولا حتى عند حدود المال المحصل عليه من وراء الفوز بها. بالنسبة للأدباء. فهي تُدخل مباشرة الكاتب ضمن جنّة المحظوظين. تثبّتهم في تاريخ الأدب نهائيًا كعلامات ثقافية لا يمكن القفز عليها. فهي تمنحهم اعترافًا دوليًا كبيرًا لم يكن متوفرًا من قبل. لعامل السن طبعًا أهمية كبيرة. هناك من يحصل عليها في شبابه، فتمنحه نوبل عمرًا آخر مع قرائه ومحبيه، بحيث تصبح جهوده مرئية بامتياز، وهناك من لم يعش بعد الحصول عليها، إلاّ بضع سنوات ليستمر بعدها بقوة في المخيال الأدبي الإنساني.
لكن هناك أيضًا من قتلته نوبل للآداب مباشرة فمات كفاعلية ثقافية وأدبية. فتوقف تقريبًا عن الإنتاج كميشيما والبير كامو وأيضا أورهان باموك الذي ابتعد كثيراً عن نصوصه المرجعية الكبيرة مثل اسمي أحمر أو ثلج التي دفعت بنصوصه إلى الواجهة، ومال نحو السيري والمذكرات وكأن الفعل التخييلي توقف، حتى روايته الأخيرة «ليالي الطاعون»، لم تخرج عن هذا الجانب السيري. في المجال العلمي يختلف الأمر كثيراً والحكم عن الفائز أهون، لأنه لا يتعلق بفردٍ واحد إلا نادرًا.
كثير ما تُعطَى مناصفة، مما يسمح للحاصلين عليها بأن يواصلوا جهودهم الإنسانية في الكيمياء والفيزياء والطب والاقتصاد بشكل أكثر فاعلية. هناك مرض كبير صاحب نوبل في وقت مبكّر هو نزعتها الجغرافية الأورو-ساكسونية وعدم التفاتها إلى المساحات الأخرى إلا نادرًا مع أنها أماكن منتجة للمعرفة والعلم والتخييل الحي والغني. هناك مناطق منسية وكأنها غير محسوبة في الخرائط النوبيلية، بالخصوص إفريقيا والعالم العربي، وآسيا ولو بشكل أقل. الهند مثلا، قارة علمية وثقافية، يفوز كتابها بالبوكر مان، في كل مرة، لكنهم يظلون على عتبة نوبل دون أن يدخلوها؟ هل هذا طبيعي؟ الجواب عن لجنة نوبل، هذه السنة.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.