الصالون الدولي للصناعات الغذائية بموسكو: حركية مكثفة ولقاءات ثنائية بالجناح الجزائري    بنوك: ارتفاع القروض الموجهة للاقتصاد ب3ر5 بالمائة بنهاية 2024    جرائم الاحتلال المغربي بحق الشعب الصحراوي تندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية    كرة القدم/رابطة ابطال افريقيا/الدور الأول التمهيدي (ذهاب): م.الجزائر و ش.القبائل في حملة السعي نحو استعادة المجد الافريقي    جيدو- مونديال 2025 (أواسط): الجزائر حاضرة بستة مصارعين في موعد ليما (بيرو)    رعاية الأمومة والطفولة: التكوين المتواصل عاملا محوريا في تحقيق الجودة واليقظة المستمرة    السيد رابحي يتفقد عدة مشاريع تندرج في إطار المخطط الأزرق للعاصمة    الوقاية من المخدرات: حيداوي يشرف على انطلاق الطبعة الثانية من المخيم التكويني للوسيط الشبابي    بجاية: العثور على 120 قطعة نقدية من العصور القديمة    العدوان البري على غزة: آلة الحرب الصهيونية تواصل نشر الموت والدمار في تحد صارخ للقانون الدولي    الجزائر لن تدخر جهدا في دعم و مساندة الشعب الفلسطيني    64 عاماً على معركة جبل بوكحيل بالجلفة    إطلاق بوابة رقمية جديدة    سنعمل على عصرنة المرافق العمومية    الرابطة الثانية هواة لكرة القدم/الجولة الثانية : فرصة لبعض الأندية للتأكيد ولأخرى للتدارك    زرّوقي يتفقّد المدرسة العليا للتكنولوجيات    الصالونات الجهوية للتشغيل:    بودن يشارك في مؤتمر بماليزيا    خدمات جديدة لاقتناء التذاكر إلكترونياً    وزير الصحة يقف بأم البواقي على الحالة الصحية للمواطنين الذين أصيبوا بعضات كلب    تحية إلى صانعي الرجال وقائدي الأجيال..    وزير الصحة يستقبل سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الجزائر    المعرض العالمي بأوساكا: الجزائر تنظم ندوة علمية حول الاستراتيجية الوطنية لتطوير الطاقة المتجددة والهيدروجين    المهرجان الثقافي الدولي للسينما إمدغاسن: فيلم "نية" من الجزائر ينال جائزة أحسن فيلم روائي قصير    تعليم عالي : 4112 منصب مالي لتوظيف الاساتذة بعنوان السنة المالية 2025    المغير: حجز أكثر من 11 ألف قرص مهلوس    جيجل : اصطدام قطار بسيارة يخلف مصابين اثنين    وفاة 46 شخصا وإصابة 1936 آخرين    إلتزام الجزائر إتجاه اللاجئين الصحراويين "مثالي"    لوكسمبورغ تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين    ينبغي "التحلي باليقظة والجدية والحرص على التواجد الميداني"    يعكس التزام الدولة بضمان الأمن الدوائي الوطني    تعميق الممارسة الديمقراطية وتقوية المؤسّسات    جائزة الابتكار المدرسي للاكتشاف المبكر للموهوبين    استحداث قطب تكنولوجي لتجسيد استراتيجية التحوّل الرقمي    مخطط عمل لضبط الأولويات وتسريع المشاريع الاستراتيجية    تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    هزة أرضية بشدة 3 بولاية المدية    انطلاق الحفريات العاشرة بموقع "رجل تيغنيف القديم"    وزارة التجارة الخارجية توظّف في عدة رتب    حضور جزائري في سفينة النيل    رشيد بلادهان من جنيف.. اعتداء الكيان الصهيوني على الدوحة "جريمة نكراء" يسجلها التاريخ    المجلس الأعلى للغة العربية: اجتماع لتنصيب لجنة مشروع "الأطلس اللساني الجزائري"    ضرورة تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    منصب جديد لصادي    صناعة صيدلانية : تنصيب أعضاء جهاز الرصد واليقظة لوفرة المواد الصيدلانية    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    دعوة إلى تكثيف الأبحاث والحفريات بالأوراس    إطلاق الأسماء على الأولاد ذكورا وإناثا ..    تقديم كتاب سفينة المالوف    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    تيطراوي يطرق أبواب "الخضر" ويحرج بيتكوفيتش    مشواري لم يكن سهلا ورُفضت بسبب قصر قامتي    الجماهير الجزائرية تتطلع لفوز سجاتي    وفرة وتنوع في المنتجات وتخفيضات تصل إلى 50 بالمائة    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية "ألق النجوم الصيفي".. سرد الطبيعة والحياة
نشر في الحياة العربية يوم 04 - 05 - 2025

رواية "ألق النجوم الصيفي"، مشروع سردي جديد يرصد فيه واقعًا فنّيا للجزائر في فترة الحركة الوطنية وما بعدها أثناء الاحتلال الفرنسي.
سرد يجعل القارئ يعيش ويعايش وضعًا صعبًا بانسيابية وتدفق سردي للأحداث؛ ومتابعة لحركية الشخصيات بكثير من الخفة والرشاقة التي اقتضتها طبيعة بنية الحكاية، والتي تتفادى المطبات المقلقة للقارئ، والتي قد تجعله في شبه خصومة مع النص يصارع المخبوء من المعاني والأفكار.
إنّ ما يدعو للانتباه في هذا النص السردي هو سرد الطبيعة والحياة، وهو سرد يولي عناية كبيرة بمكونات الطبيعة وعناصر الحياة بوصفها مكونات سردية؛ قدّمت للنص حمولة فنّية وقيمة جمالية تؤسس لخطاب جديد في الرواية الجزائرية. ولعل عنوان الرواية «ألق النجوم الصيفي» يزكي هذا السرد الذي يربط بين الطبيعة والحياة. ولما كانت بداية أي نص مهمة كونها فاتحة الحكاية وبدايتها، فإنّ الكاتب يوليها لا شك عناية كبيرة وكذلك القارئ، فالكلمات الأولى في النص هي ما يفتح شهية القراءة لديه. جاء في بداية هذه الرواية ما نصه من بداية الليل، اشتدّت العاصفة. غير مرة، أيقظ سليم قصف الرعد، لطالما عاد إلى فراشه وحاول جاهدا أن يغفو، لكن الرياح العاتية كانت تزمجر وتهزّ سقف الحوش بشكل مخيف ناهيك أن قصف الرعد ما فتئ يُرعبه كلّما أقام الدنيا وأقعدها كمدافع الحرب العالمية الثانية.
بمثل هذا السرد تتحول الطبيعة إلى مكون سردي للحكاية؛ فيضعنا في سياق مناخ متقلب مهول ومخيف، يجعل القارئ في حال من الترقب والعناية لما تحمله هذه اللغة السردية الطافحة بالشعرية خاصة لما يقول: ركدت الريح لتسترجع أنفاسها واستنفد الرعد ذخيرة مدافعه، وهو بذلك يدفع القارئ إلى استنهاض قوى الإحساس لديه حتى يضعه في الصورة لما سيأتي من الأحداث. ويضيف إلى ذلك إشارة خفيفة إلى أن الأمر متعلق بالإنسان وبالحرب ومخلفاتها فيربط بين الرعد ومدافع الحرب العالمية الثانية ليس من باب الهدر اللغوي ولا من باب سذاجة التشبيه والوصف، وإنما من باب التأسيس لسرد الطبيعة والحياة كما أسلفنا.
يقوم سرد الطبيعة والحياة في هذه الرواية على اختيار مشاهد طبيعية مهمة يمكن تلقيها على حقيقتها، كما يمكن تلقيها من باب النظام الاستعاري الذي وظّفه الكاتب كتقنية سردية وجمالية من باب التجريب والتجديد. مع العلم أن الروائي جيلالي خلاص يستثمر الطبيعة في رواياته من مثل: زمن الغربان، حُراث البحر، رائحة الكلب، حمائم الشفق، عواصف جزيرة الطيور، بحر بلا نوارس، شدو البلابل، زهور الأزمنة المتوحشة، خريف رجل المدينة وغيرها من نصوصه السردية.
في لحظات الاستيقاظ تلك، كثيرا ما كان يفكّر في أمّه، ترى لو قدّر الله وتوفي أبي، هل سنصبر فنتجاوز أنا وأمي المحنة المأساوية؟ لشدّ ما أخشى انهيار أعصاب أمي سريعة العطب ! « الرواية:28 ،29.
لا يخلو سرد الطبيعة والحياة هاهنا من نظام ترميزي بالنسبة لأسماء الشخصيات ولدلالة الأب والأم وارتباط كل ذلك بالوطن والاحتلال والثورة، فقد رصدت لنا هذه الرواية وقائع تأسيس «المنظمة الخاصة» في سنة 1947 بعد أحداث الثامن من ماي 1945 واستشهاد 45 ألف جزائري، وكيف مهدت كل هذه الأحداث في اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المظفرة. « كانت قضية المناضلين الذي لجؤوا إلى الجبال بعد مجازر الثامن من ماي 1945 تؤرق قادة الأركان.
في سرّيّة تامة، ساعد حميد مصطفى بن بولعيد في نقل كوكبة من أولئك المطلوبين من مدينة الجزائر إلى منطقة الأوراس، في شرق البلاد، كان كريم بلقاسم على رأس المرحّلين الذين استقبلهم فلاّحون مجهولون في القرى والأرياف بعيدا عن أعين قوات الأمن الاستعمارية.» الرواية:147 ،148.
يقوم سرد الطبيعة والحياة في هذه الرواية أيضا على الواقعية في الأحداث إلى درجة يشعر القارئ وكأنه يعيش الزمن نفسه الذي عاشته الشخصيات على الرغم من تباعد الزمنين. أحداث كانت من نصيب كتب التاريخ وصفحات المذكرات والشهادات تتحول إلى خطاب سردي عبر فاعلية الخيال التي أضفت عليها سحرا وجمالا.
وجدت الثعبان الحديدي المترع بطنه مالًا وافرا. سأله أحمد بن بلة فورًا:
أرني مفتاح لغزك !
أجابه بختي نميش مبتسما:
لا تنس أنّي موظف ببريد وهران المهم. هناك قطار يحتوي مقطورة خاصة بأموال منجم قنادسة غير البعيد عن مدينة بشّار يأتي مرّة كلّ شهر .أخطر أحمد بن بلة أعضاء قيادة أركان المنظمة الخاصة وشرح لهم طريقة السّطو على مقصورة المال بقطار بشّار- وهران.»الرواية:224 ،225.
هكذا لا يجد الكاتب صعوبة في تسريد هذه الحادثة التاريخية المعروفة ضمن سياق حكائي يجعلها قريبة من الواقع، وكأنه كان حاضرا لوقائعها وعاصر أحداثها. ليشير إلى قضية مهمة تتعلق بالطبيعة والحياة من خلال استغلال فرنسا لثروات الجزائر الباطنية؛ وعلى رأسها الفحم الحجري أساس الطاقة قبل اكتشاف البترول.
وبذلك تكون الرواية قد ربطت بين الطبيعة والحياة بطريقة لافتة للنظر؛ فكلما سردت لنا مشهدا من الطبيعة إلاّ وكان المشهد لطبيعة غاضبة فنهر الشلف فائض مجراه بغزارة، والثلج أقعد الناس في بيوتهم وغطى السهول والروابي والمنازل برداء أبيض ناصع، وفي الليل تشتدّ العاصفة والرعد كلما قصف أيقظ النائم هلعا عدة مرات. وزخات المطر غزيرة تنقر الأرض نقرات سريعة بخيوطها النازلة من السماء بكثافة وإن كانت خافتة. وفي مقابل هذه الطبيعة بحركتها هذه المفعمة بالحياة، يتجلى القتل بكل همجيته لمن يدّعي تهدئة شعب بدائي متخلف ومتوحش.
في الأخير، انهارت قواه، شيئا فشيئا، أسبل النعاس جفنيه فتمدّد على حشيّة الزنزانة الوسخة. هجع هجعة الأبرار دون أن يدري أو يشعر بشمس الضّحى التي راحت تسطع فوق سجّن مليانة المغمّ.» الرواية:267.
أضفى سرد الطبيعة والحياة على هذه الرواية مسحة خاصة بتلك اللغة الشعرية التي تجاوزت المألوف والمعتاد ببنية لغوية زادت السرد جمالا وبهاء.» من حافّة الطريق إلى الأفق الضبابي، كانت بعض الرقع الموشّاة بالأعشاب الخضراء المزرقة تبدو كما شفاه بنات الهوى، ذلك أنّها كانت تعرض جمالها الذابل على هذا الحقل الهرم أو ذاك السهل العجوز.». الرواية:305 ،306. ومع كل ذلك تُنبت هذه الأرض رجالا أوفياء يتحدون الاستعمار. ففي «البدء، كان الحبّ، منذ الأزل كان الليل ولا زال شرشف غرام الأحباء.» الرواية: 348. بهذا الجملة تنتهي الرواية وبالحبّ تختم الحكاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.