رواية "ألق النجوم الصيفي".. سرد الطبيعة والحياة    تصعيد إعلامي خطير من إعلام الإمارات    الكوارث الإنسانية ومشاهد الموت والصمت الدولي    التنوع الثقافي عامل وحدة واستقرار    نحو إنجاز مركز لمعالجة نفايات المذابح بالعاصمة    إنتاج وتوزيع ملياري متر مكعب في 2024    تسقيف سعر القهوة يصنع الحدث    لقاء جهوي بالشلف تحضيراً لحملة الحصاد والدرس    قبس من نور النبوة    وزير الصحة يلتقي رئيسة الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان    تظاهرات في مدن وعواصم عالمية تنديدا بتواصل العدوان الصهيوني على قطاع غزة    إسدال الستار على الطبعة ال29 لمعرض مسقط الدولي للكتاب بمشاركة لافتة للناشرين الجزائرين    البطولة العربية لألعاب القوى (اليوم ال3): الجزائر في صدارة الترتيب    العالم يعيش أزمات انزلق بعضها إلى حروب مباشرة"    وقفة ترحم على أرواح شهداء التفجير الإرهابي بميناء الجزائر    الدرك الوطني بقيقبة توقيف شبكة إجرامية قامت بالسرقة    اليوم تنطلق عملية سحب الإستدعاءات    ارتفاع حصة الجزائر من إنتاج النفط الخام في جوان    الضرائب تطلق خدمة جديدة عبر الانترنت    تأكيد على أهمية تعزيز التنسيق و التشاور بين أعضاء البعثة    آيت نوري مرشّح    إنجاح موسم الحصاد بالتحضير المسبق وتحقيق الأهداف    الجزائر لا تكلّ في الدعوة لتوحيد الموقف العربي    صحفيو غزّة يُذبحون ويقتلون على الهواء    الأنظمة الاستبدادية تنتهج سياسات إسكات الأصوات الحرّة    المؤتمر ال38 للاتحاد البرلماني العربي: الدعوة الى تحرك فوري لوقف العدوان الصهيوني على غزة    احترافية الصحافة ضمان لازدهار واستقرار الجزائر    الجزائر– مسقط.. إمكانيات ضخمة لشراكة متينة    خدمات رقمية تسهّل الدفع الإلكتروني للفواتير    رامز زروقي يقرر الرحيل عن فينورد الهولندي    قلعة لتكوين المقاتلين وفق معيارَي الجاهزية والكفاءة    مشروع مبتكر لمن يعانون فوبيا روائح المستشفيات    تحسيس بأخطار المخدرات    صناعة دمى القش.. حرفة تحاكي شخصيات الرسوم المتحركة    عين تموشنت: التأكيد على دور الإعلام في مرافقة المسار التنموي    مدرب ليفركوزن تشابي ألونسو يشيد بإبراهيم مازة    "ريشة الحلم وألوان الواقع" في معرض تشكيليٍّ    مشاركة 150 مؤلّف و30 دار نشر في الدورة الرابعة    مسرحية "زهرة بلا أوراق" تمثل الجزائر    ماندريا يزيد الغموض حول مستقبله مع كون الفرنسي    رقمنة الموروث الثقافي مورد اقتصادي مستدام    بطولة افريقيا للمحليين 2025/ذهاب الدور التصفوي الاخير: المنتخب الجزائري يعود بالتعادل من غامبيا (0-0)    شهر التراث: انطلاق الورشة التكوينية الثانية في مجال حماية التراث الثقافي لفائدة سلك القضاة بالجزائر العاصمة    حج 1446ه: انطلاق أول رحلة للحجاج السبت المقبل    المحافظة السامية للأمازيغية: الجزائر واحدة وموحدة والهوية الوطنية ليست موضوعا للتشكيك    هذا موعد انطلاق الموسم المقبل    تأشيرة الصعود إلى قسم الكبار في المزاد    تاقجوت يدعو العمال الجزائريين إلى التجنّد    الجزائرية للمياه: توقيع خمس اتفاقيات لعصرنة تسيير خدمات المياه    إطلاق خدمة جديدة عبر الانترنت على مستوى بوابة جبايتك    وزارة الصحة تحيي اليوم العالمي للملاريا: تجديد الالتزام بالحفاظ على الجزائر خالية من المرض    عميد جامع الجزائر يُحاضر في أكسفورد    تواصل عملية الحجز الإلكتروني بفنادق مكة المكرمة    ماذا يحدث يوم القيامة للظالم؟    نُغطّي 79 بالمائة من احتياجات السوق    صفية بنت عبد المطلب.. العمّة المجاهدة    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية "ألق النجوم الصيفي".. سرد الطبيعة والحياة
نشر في الحياة العربية يوم 04 - 05 - 2025

رواية "ألق النجوم الصيفي"، مشروع سردي جديد يرصد فيه واقعًا فنّيا للجزائر في فترة الحركة الوطنية وما بعدها أثناء الاحتلال الفرنسي.
سرد يجعل القارئ يعيش ويعايش وضعًا صعبًا بانسيابية وتدفق سردي للأحداث؛ ومتابعة لحركية الشخصيات بكثير من الخفة والرشاقة التي اقتضتها طبيعة بنية الحكاية، والتي تتفادى المطبات المقلقة للقارئ، والتي قد تجعله في شبه خصومة مع النص يصارع المخبوء من المعاني والأفكار.
إنّ ما يدعو للانتباه في هذا النص السردي هو سرد الطبيعة والحياة، وهو سرد يولي عناية كبيرة بمكونات الطبيعة وعناصر الحياة بوصفها مكونات سردية؛ قدّمت للنص حمولة فنّية وقيمة جمالية تؤسس لخطاب جديد في الرواية الجزائرية. ولعل عنوان الرواية «ألق النجوم الصيفي» يزكي هذا السرد الذي يربط بين الطبيعة والحياة. ولما كانت بداية أي نص مهمة كونها فاتحة الحكاية وبدايتها، فإنّ الكاتب يوليها لا شك عناية كبيرة وكذلك القارئ، فالكلمات الأولى في النص هي ما يفتح شهية القراءة لديه. جاء في بداية هذه الرواية ما نصه من بداية الليل، اشتدّت العاصفة. غير مرة، أيقظ سليم قصف الرعد، لطالما عاد إلى فراشه وحاول جاهدا أن يغفو، لكن الرياح العاتية كانت تزمجر وتهزّ سقف الحوش بشكل مخيف ناهيك أن قصف الرعد ما فتئ يُرعبه كلّما أقام الدنيا وأقعدها كمدافع الحرب العالمية الثانية.
بمثل هذا السرد تتحول الطبيعة إلى مكون سردي للحكاية؛ فيضعنا في سياق مناخ متقلب مهول ومخيف، يجعل القارئ في حال من الترقب والعناية لما تحمله هذه اللغة السردية الطافحة بالشعرية خاصة لما يقول: ركدت الريح لتسترجع أنفاسها واستنفد الرعد ذخيرة مدافعه، وهو بذلك يدفع القارئ إلى استنهاض قوى الإحساس لديه حتى يضعه في الصورة لما سيأتي من الأحداث. ويضيف إلى ذلك إشارة خفيفة إلى أن الأمر متعلق بالإنسان وبالحرب ومخلفاتها فيربط بين الرعد ومدافع الحرب العالمية الثانية ليس من باب الهدر اللغوي ولا من باب سذاجة التشبيه والوصف، وإنما من باب التأسيس لسرد الطبيعة والحياة كما أسلفنا.
يقوم سرد الطبيعة والحياة في هذه الرواية على اختيار مشاهد طبيعية مهمة يمكن تلقيها على حقيقتها، كما يمكن تلقيها من باب النظام الاستعاري الذي وظّفه الكاتب كتقنية سردية وجمالية من باب التجريب والتجديد. مع العلم أن الروائي جيلالي خلاص يستثمر الطبيعة في رواياته من مثل: زمن الغربان، حُراث البحر، رائحة الكلب، حمائم الشفق، عواصف جزيرة الطيور، بحر بلا نوارس، شدو البلابل، زهور الأزمنة المتوحشة، خريف رجل المدينة وغيرها من نصوصه السردية.
في لحظات الاستيقاظ تلك، كثيرا ما كان يفكّر في أمّه، ترى لو قدّر الله وتوفي أبي، هل سنصبر فنتجاوز أنا وأمي المحنة المأساوية؟ لشدّ ما أخشى انهيار أعصاب أمي سريعة العطب ! « الرواية:28 ،29.
لا يخلو سرد الطبيعة والحياة هاهنا من نظام ترميزي بالنسبة لأسماء الشخصيات ولدلالة الأب والأم وارتباط كل ذلك بالوطن والاحتلال والثورة، فقد رصدت لنا هذه الرواية وقائع تأسيس «المنظمة الخاصة» في سنة 1947 بعد أحداث الثامن من ماي 1945 واستشهاد 45 ألف جزائري، وكيف مهدت كل هذه الأحداث في اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المظفرة. « كانت قضية المناضلين الذي لجؤوا إلى الجبال بعد مجازر الثامن من ماي 1945 تؤرق قادة الأركان.
في سرّيّة تامة، ساعد حميد مصطفى بن بولعيد في نقل كوكبة من أولئك المطلوبين من مدينة الجزائر إلى منطقة الأوراس، في شرق البلاد، كان كريم بلقاسم على رأس المرحّلين الذين استقبلهم فلاّحون مجهولون في القرى والأرياف بعيدا عن أعين قوات الأمن الاستعمارية.» الرواية:147 ،148.
يقوم سرد الطبيعة والحياة في هذه الرواية أيضا على الواقعية في الأحداث إلى درجة يشعر القارئ وكأنه يعيش الزمن نفسه الذي عاشته الشخصيات على الرغم من تباعد الزمنين. أحداث كانت من نصيب كتب التاريخ وصفحات المذكرات والشهادات تتحول إلى خطاب سردي عبر فاعلية الخيال التي أضفت عليها سحرا وجمالا.
وجدت الثعبان الحديدي المترع بطنه مالًا وافرا. سأله أحمد بن بلة فورًا:
أرني مفتاح لغزك !
أجابه بختي نميش مبتسما:
لا تنس أنّي موظف ببريد وهران المهم. هناك قطار يحتوي مقطورة خاصة بأموال منجم قنادسة غير البعيد عن مدينة بشّار يأتي مرّة كلّ شهر .أخطر أحمد بن بلة أعضاء قيادة أركان المنظمة الخاصة وشرح لهم طريقة السّطو على مقصورة المال بقطار بشّار- وهران.»الرواية:224 ،225.
هكذا لا يجد الكاتب صعوبة في تسريد هذه الحادثة التاريخية المعروفة ضمن سياق حكائي يجعلها قريبة من الواقع، وكأنه كان حاضرا لوقائعها وعاصر أحداثها. ليشير إلى قضية مهمة تتعلق بالطبيعة والحياة من خلال استغلال فرنسا لثروات الجزائر الباطنية؛ وعلى رأسها الفحم الحجري أساس الطاقة قبل اكتشاف البترول.
وبذلك تكون الرواية قد ربطت بين الطبيعة والحياة بطريقة لافتة للنظر؛ فكلما سردت لنا مشهدا من الطبيعة إلاّ وكان المشهد لطبيعة غاضبة فنهر الشلف فائض مجراه بغزارة، والثلج أقعد الناس في بيوتهم وغطى السهول والروابي والمنازل برداء أبيض ناصع، وفي الليل تشتدّ العاصفة والرعد كلما قصف أيقظ النائم هلعا عدة مرات. وزخات المطر غزيرة تنقر الأرض نقرات سريعة بخيوطها النازلة من السماء بكثافة وإن كانت خافتة. وفي مقابل هذه الطبيعة بحركتها هذه المفعمة بالحياة، يتجلى القتل بكل همجيته لمن يدّعي تهدئة شعب بدائي متخلف ومتوحش.
في الأخير، انهارت قواه، شيئا فشيئا، أسبل النعاس جفنيه فتمدّد على حشيّة الزنزانة الوسخة. هجع هجعة الأبرار دون أن يدري أو يشعر بشمس الضّحى التي راحت تسطع فوق سجّن مليانة المغمّ.» الرواية:267.
أضفى سرد الطبيعة والحياة على هذه الرواية مسحة خاصة بتلك اللغة الشعرية التي تجاوزت المألوف والمعتاد ببنية لغوية زادت السرد جمالا وبهاء.» من حافّة الطريق إلى الأفق الضبابي، كانت بعض الرقع الموشّاة بالأعشاب الخضراء المزرقة تبدو كما شفاه بنات الهوى، ذلك أنّها كانت تعرض جمالها الذابل على هذا الحقل الهرم أو ذاك السهل العجوز.». الرواية:305 ،306. ومع كل ذلك تُنبت هذه الأرض رجالا أوفياء يتحدون الاستعمار. ففي «البدء، كان الحبّ، منذ الأزل كان الليل ولا زال شرشف غرام الأحباء.» الرواية: 348. بهذا الجملة تنتهي الرواية وبالحبّ تختم الحكاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.