وزارة الصناعة تعمل على إعادة بعث المشاريع الصناعية المصادرة في أقرب الأجال    الأولمبياد الجزائرية للرياضيات : سعداوي يزور التلاميذ المشاركين في التصفيات    السيدة كريكو تستقبل سفيرة جمهورية الهند لدى الجزائر    مجلس الأمة يشارك في أشغال الاتحاد البرلماني الدولي    تطوير حقول جديدة وتعزيز الإنتاج : التوقيع على اتفاق-إطار بين "ألنفط" وبتروغاز العمانية    بنك التنمية المحلية: ارتفاع رقم الاعمال ب25 بالمائة في 2024    جيش الاحتلال يوجّه إنذارا لإخلاء أجزاء من شمال القطاع : استشهاد 25 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على غزة    نقابة إسبانية تدين اعتقال ناشط صحراوي طالب بالعدالة لابنه بالداخلة المحتلة    الصين وإيران وأخلاق الضعفاء    ألعاب القوى/كأس المجر (رمي القرص): الجزائري أسامة خنوسي يفتك الميدالية الذهبية    كرة القدم/ كأس إفريقيا للأمم سيدات 2024 /المؤجلة إلى 2025/ودية: المنتخب الجزائري يفوز على الكونغو الديمقراطية (1-0)    تنس/المسار الافريقي ITF/CAT لفئة 14 سنة وأقل - المرحلة الثانية: ثلاث ميداليات للجزائر منها فضيتان    رئيس مجلس الأمة:إشراك المرأة في صنع القرار التزام ومكسب دستوري    موجه لحاملات مشاريع سينمائية .. بللو يشرف على إطلاق برنامج "هي"    إحياء الذكرى السبعين لتأليف النشيد الوطني "قسما"    "ماذا لوتكلمنا عنك" : فيلم وثائقي حول مسيرة الأستاذة والكاتبة جوهر أمحيس أوكسال    مهرجان المسرح الفكاهي بالمدية: تخصيص الطبعة ال 15 لمرافقة المواهب الشابة    الدعاء وصال المحبين.. ومناجاة العاشقين    فتاوى : حكم تلف البضاعة أثناء الشحن والتعويض عليها    بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم.. صوت الإسلام الأول    غوتيريش: وقف إطلاق النار في غزة وحل الدولتين "الطريق الوحيد المستدام لإعادة الأمل"    ميسي باريس سان جيرمان.. وجهاً لوجه    بوغالي يؤكد على أهمية تكامل المؤسسات وتفعيل الرقابة البرلمانية لتجسيد السياسات الاقتصادية    مشاركة قياسية بحضور وجوه رياضية وفنية    استلام وشيك لمشاريع ربط 27 منطقة نائية بالكهرباء والغاز    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 56500 شهيدا و133419 مصابا    غزّة.. حرقٌ وقتلٌ وجوعٌ    معرض الجزائر الدولي: مشاركة قياسية تعكس جاذبية السوق الوطنية ومناخها الاستثماري    أسواق النفط تشهد تقلبات حادة    ضرورة صون أمانة الشهداء والحفاظ على سيادة واستقلال البلاد    ظاهرة الكهول العزّاب تتفشّى في الجزائر    مساع لمحاربة المخدرات والآفات الاجتماعية    الاغواط : حجز أزيد من 4 آلاف قرص مؤثر عقلي    ممثلا لرئيس الجمهورية، العرباوي يتوجه إلى إشبيلية للمشاركة في المؤتمر الدولي ال4 لتمويل التنمية    الكيان أسدى تعليمات بإطلاق النار على المدنيين الباحثين عن الغذاء    نسبة نجاح 100% في "البيام" بمدارس أشبال الأمة    تدعيم الجهاز الشرطي بكفاءات مؤهلة لمواجهة التحدّيات الأمنية    انتخاب فريد بوقايس رئيسا جديدا    تسليم خط السكة بشار - غارا جبيلات قبل نهاية 2025    بريد الجزائر يحدّد السّقف اليومي للدفع عبر الهاتف    وزير البريد يشارك في منتدى حوكمة الأنترنت بالنّرويج    80 ٪ نسبة النجاح بجامعة بسكرة    نادي ليدز الإنجليزي الأقرب للفوز بصفقة حيماد عبدلي    فولفسبورغ الألماني يضع شرطا قاسيا لبيع عمورة    الهوية والمنفى والتصوف في قلب "موت أبيض"    أجيال وتيارات تلتقي في الإبداع وقضايا إنسانية أخرى    فتح باب التسجيل للمسابقة الوطنية لحفظ القرآن الكريم    تجاوب كبير مع حملة النظافة بالعاصمة    تحرك ميداني بعنابة ضد المخدرات    مخيَّم صيفي تثقيفي وترفيهي لأبناء الجنوب    التاريخ الهجري.. هوية المسلمين    آيت نوري يتوهّج    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    الجزائر تستعد لاحتضان أول مؤتمر وزاري إفريقي حول الصناعة الصيدلانية    صناعة صيدلانية: تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الوزاري الافريقي المرتقب نوفمبر المقبل بالجزائر    يوم عاشوراء يوم السادس جويلية القادم    تسليم أولى تراخيص تنظيم نشاط العمرة للموسم الجديد    الجزائر-موريتانيا: فرق طبية من البلدين تجري عمليات لزرع الكلى بالجزائر العاصمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصين وإيران وأخلاق الضعفاء
نشر في الحياة العربية يوم 29 - 06 - 2025

في مثل الحرب الإيرانية الإسرائيلية، يحفل الإعلام الغربي بنقد أخلاقي ضد الصين بدعوى أنها "لا تلجم حلفاءها". هكذا ذاع في أخبار الإعلام الغربي والأميركي أن الصين لم تضغط على طهران للالتزام بمنع انتشار الأسلحة النووية، ومن ثم تجنب الحرب، وهو أمر يشبه ما جرى في الحديث عن هجمات الحوثيين اليمنيين على السفن الأميركية، إذ جرى انتقاد الصين لأنها لا تضغط على طهران كي تضغط على جماعة أنصار الله فتوقف هجماتها. وهكذا يجرى استثمار مثل هذه الحروب الإقليمية لتوجيه اتهامات أخلاقية إلى الصين، بدعوى أنها لا تضطلع بواجباتها لنزع فتيل الأزمات في العالم.
قد يتبادر إلى الذهن أن العجيب في مثل هذه الأخبار والتحليلات أنها تتعامى عن جذور المشكلات التي عادة ما تتسبب بها الولايات المتحدة أو حلفاؤها، ومن ثم تبرئتهم من أعبائهم الأخلاقية، مختلقة تهماً أخلاقية في غير محلّها للآخرين، لكن الحقيقة أن الأمر أعجب من ذلك كثيراً، فالصين التي تبدو غير حاضرة في مناطق النزاع على نحوٍ يجبر الولايات المتحدة على الاستئناس برأيها أو أخذ مواقفها بالاعتبار، يجرى استحضارُها عنوة في مشكلات العالم للقول إنها مقصّرة في دور لم تقل إنها راغبة بالمشاركة فيه، كما لو أن واشنطن تريد القول إن الصين غير مؤهلة أخلاقياً لتصير يوماً ما قطباً عالمياً مكافئاً لها.
لكن الصين، التي يعدّ طموحها بالتحول إلى قطب عالمي مقطوعاً به ومؤكّداً، لا يبدو أنها منزعجة من ضعف تأثيرها في ملفات الصراع الدولي، ولا يُخجلها ذلك إلى درجةٍ تتخلى فيها عن طموحها لتغيير النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب الباردة.
كنت في الصين، خلال أيام الحرب، متجولاً بين عدة صحف ومحطات تلفزيون في مقاطعات الجنوب، ومنها أكتب هذا المقال، حيث حافظ الإعلام الصيني الرسمي على تغافله عن تلك التهم كما لو أنها غير موجودة، رغم تركيزه على الحرب الإيرانية الإسرائيلية وإذاعة أخبارها في مقدّمة نشراته الإخبارية. والمعنى الذي يمكن استخلاصه أن خطّة بكين للتحول إلى قطب عالمي لا تتضمّن التدخّل في ملفات الصراع، بل الأصح أن خطتها تقوم على تجنب ذلك التدخل، وبناء طبقاتٍ من الأسوار بشأن مشروعها الذي ينطلق من متانة الاقتصاد وصولاً إلى النفوذ السياسي في العالم.
صحيحٌ أن الصين دخلت مرحلة جديدة منذ 2015 حين انتقلت من البناء الداخلي إلى التطلع نحو مكانتها الدولية، لكنها إنما تبني ذلك على الأسس التي احتفظت بها منذ بدأت انفتاحها على العالم في 1978، وقوامها العمل بصمت وتجنّب الصراعات التي يمكنها أن تهدم البناء الذي يجرى إتمامه، حتى يكتمل. لقد فعلت الصين ذلك في شأن نموها الاقتصادي، وهي تفعله اليوم في شأن تحويل نجاحها التنموي إلى نفوذٍ سياسيٍّ عبر مبادرة الحزام والطريق.
أما موقف الصين من الحرب بين إيران وإسرائيل، ودافعت فيه عن "المشروع النووي الإيراني السلمي"، ودانت فيه الهجمات الأميركية والإسرائيلية على إيران، إلى جانب خطابها التقليدي الفضفاض بشأن وقف العنف والدعوة إلى السلام الذي يبدو كما لو أنه من نوع "أخلاق الضعفاء" الذين يخافون التدخل والمواجهة، فيندرج في سياسة الأسوار التي تحمي بها مشروعها لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، تكون هي فيه صاحبة أكبر اقتصاد، إذ لا ريب أن وجود النظام الإيراني يمثل خطّاً متقدّماً للدفاع عن خطّة الصين المستقبلية، عبر ما تمثله من تكدير للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. ولهذا، فإن الصين، التي تستورد نحو 90% من صادرات النفط الإيرانية تمثل نحو 20% من الاقتصاد الإيراني، فضلاً عن ارتباط البلدين باتفاق تعاون استراتيجي تستثمر الصين بموجبه نحو 400 مليار دولار في الصناعات النفطية الإيرانية 25 سنة، لم تقف على الحياد في شأن الحرب التي تدعم أحد أطرافها اقتصادياً، لكنها أيضاً لم تتورّط فيها.
تدرك الولايات المتحدة جوهر هذا السلوك السياسي الصيني، فبكين لا تريد أن تتورّط مباشرة في الصراعات الدولية، بينما تريد فعلاً للولايات المتحدة أن تتورّط كي تحمّلها عبئاً أخلاقياً على تسبّبها في إشعال بؤر التوتر، ثم تقيّم سلوكها العسكري وأسلحتها التي تستخدمها مباشرة أو عبر حلفائها. وهذا يفسّر استحضار الصين أينما تورّطت الولايات المتحدة وحلفاؤها، وتوجيه تهم أخلاقية لها بدعوى أنها لا تضغط على الأنظمة الموالية لها، فالسبب أن واشنطن تدرك أن تورّطها في الصراعات الدولية يسحب من رصيد نظامها العالمي أحادي القطبية، وكي لا تكسبه الصين، فإنها تحوّل التهم الأخلاقية نحوها، فتمنع عنها أن تضيف رصيداً لصالح نظامها العالمي البديل المقترح، بدعوى أنها غير مؤهلة له. وهذا لا يعني فقط أن أقاويل وتهماً كثيرة توجّه إلى الصين في مجال السياسة الدولية، ومصدرها الإعلام الغربي، قد تكون غير حقيقية من جهة تمثيل مواقف الصين أو سياساتها أو تطلعاتها، بل يعني أيضاً أن الغرب يصرّ على محاسبة الصين وفق معاييره التي لا تأخذها الصين باعتبارها وخططها أصلاً.
الحال أن الصراع الحقيقي في العالم هو الذي يدور في العلن والخفاء بين الولايات المتحدة والصين، على مختلف المستويات، بما فيها الأخلاقية، تدخّلت بكين أو لم تتدخل، لأن الصراع بينهما لا يزال محمولاً على المستقبل.
العربي الجديد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.