تحصل فيلم "الصين لا تزال بعيدة" للسينمائي الجزائري مالك بن إسماعيل أول أمس على نجمة المجتمع المدني الفرنسي للمؤلفين متعددي الوسائط سكام 2013 الجائزة التي تكرم منذ سنة 2005 أحسن شريط وثائقي. وأوضحت الجمعية الفرنسية للمؤلفين متعددي الوسائط في بيان لها أن عمل المخرج الفرنسي الجزائري تصدر ترتيب الأفلام ال 29 الأخرى متقدما الأفلام الطويلة "الكل بلارزاك" للمخرج الفرنسي كريستيان رواد و"حنين الأضواء" للشيلي باتريسيو غوزمان. وستعرض نجوم السنة على الشاشة الكبيرة يوم 13 أكتوبر في منتدى الصور الذي ينظم منذ سنة 2008 في هال بباريس. وسيجري العرض المقرر بالشراكة مع مجلة تيلي راما بحضور المؤلفين. يعتبر "الصين لا تزال بعيدة" إنتاجا مشتركا فرنسي جزائري جمع على وجه الخصوص سيرتا فيلم والمعهد الفرنسي ومؤسسة التلفزيون الجزائري ووزارة الثقافة. حاز هذا الفيلم الوثائقي منذ إخراجه سنة 2008 على جائزة آلغا بنافيزيون لأحسن وثائقي بباريس قبل حصاد سنة من بعد الجائزة الخاصة للجنة التحكيم خلال المهرجان ال30 للقارات الثلاثة بنانت (فرنسا) والجائزة الخاصة للجنة التحكيم بالمهرجان الدولي للفيلم المتوسطي بتيطوان (المغرب) والجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بميونيخ (ألمانيا). وتجري أحداث الشريط الوثائقي الذي يدوم 130 دقيقة في قسم دراسي بمدرسة ابتدائية تقع في قرية "غسيرة" الصغيرة الواقعة في قلب الأوراس التي انطلقت منها شرارة الثورة 1 نوفمبر 1954، حيث عاش المخرج المتأثر بالسينما الإيطالية الواقعية في القرية، وسجل يومياتها خاصة بمدرسة القرية التي بنيت في العهد الاستعماري والتي تستقبل أطفال المنطقة من بنين وبنات. ويعود المخرج بالذاكرة إلى الشرارة الأولى للثورة، وفيها تمّ قتل معلم فرنسي بالمدرسة كان هو وزوجته بالحافلة، كما قتل القايد، وانخرطت المنطقة في الثورة تحت لواء جبهة التحرير، وقادها الشهيد مصطفى بن بولعيد، الذي خطط للكثير من العمليات العسكرية. بعد 50 سنة يعرض هذا التاريخ ويحمل المخرج كاميراته ليسأل أهل هذه القرية عن التاريخ والحرب ويسألهم عن فرنسا، ويحاول الفيلم طمس الماضي ليطلق العنان للحاضر الذي يبدو بائسا بلا قيم ولا روح ولا تحضر، لم يكن من المتوقع أن يستحضر بعض تلاميذ المعلم الفرنسي الذي قتل خلال الثورة، لقد أصبحوا اليوم في سن تجاوزت ال 80 يتذكرون ذلك "المعلم الشهم" الكفء الذي أحبهم كأبنائه كذلك الشأن مع زوجته المعلمة التي أصيبت برصاصة في رجلها. لقد كانت -حسبهم- "ملاكا لم يروا ابتسامتها من قبل أو من بعد". يسجل الفيلم احتفالات القرية بذكرى أول نوفمبر، وكيف أن بعض المجاهدين احتجوا على عدم تسجيل أسماء بعض الشهداء في اللوحة التذكارية. وتتوالى اليوميات في القرية خاصة في المدرسة ما بين قسمي العربية والفرنسية، في قسم العربية مثلا يقدم المعلم دروسا عن تاريخ الثورة وعن الهوية والجزائر، ويتجاوب الصغار أحيانا معها، في حين أنهم لا ينتبهون إلى هذه القيم ويفضلون اللعب وسرعان ما يخرجون متجهين نحو الوادي أو إلى الشعاب لينطلقوا. أمّا أستاذ الفرنسية أكثر لطفا مع الأطفال، لا يثير قضايا التاريخ والهوية، يجد هؤلاء الأطفال ظالتهم في اللعب والمرح وأحيانا في العنف، وكانت تبدو على بعضهم مظاهر البؤس والفقر. شخصيات أخرى ظهرت في الفيلم، منظّفة المدرسة البائسة التي تشتكي حال المرأة في القرية، كذلك "ليميڤري" (المهاجر) المولوع بجمع تراث منطقة الشاوية، وجذب استثمارات السياحة لكنه يصاب بالإحباط. ويرى النقاد أن الفيلم يحمل نبرة تشاؤم وهو ما يفسر عنوانه، بأن الصين لا تزال بعيدة، يشار فقط إلى أنّ قضية مقتل المعلم الفرنسي جاءت في إحدى مؤلفات المفكر الفرنسي "إيف كوريير" وقد حمل النقاد على الفيلم تشويه ثورة التحرير وحقائقها، وطمس الهوية العربية مقابل انجازات المستعمر التعليمية في الجزائر. "الصين لا تزال بعيدة"، وصفه المخرج ب "نظرته للجزائر المعاصرة"، قائلا إن الأمر كان صعبا في البداية، حيث استوجب كسب ثقة السكان وخاصة تلاميذ المدرسة، ليسمحوا له بتصوير حياتهم اليومية بعفويتهم الطفولية.. هي رحلة بحث عن مستقبل للطفولة، مستقبل للجزائر، ولكن أي مستقبل؟! وقد تابع المخرج وفريقه مدة سنة كاملة بين 2006 و2007 يوميات تلاميذ هذا القسم وجهود المدرسين في محاولة لوصف الظروف الصعبة التي يعيشونها والنقائص المسجلة على مستوى التعليم في منطقة محرومة رغم ثرائها التاريخي والسياحي.