الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على افتتاح أشغال الاجتماع السنوي لإطارات العتاد    برج بوعريريج.. 7 مخازن عملاقة لإنجاح موسم الحصاد    مؤتمر رابطة "برلمانيون من أجل القدس": أعضاء الوفد البرلماني يلتقون بإسماعيل هنية    الحراك الطلابي العالمي الدّاعم للفلسطينيّين يصل إلى كندا وأوروبا    كتابة الدّولة الأمريكة تُوجّه انتقادا حادّا للمخزن    مولودية الجزائر.. خطوة عملاقة نحو التتويج باللقب    النخبة الوطنية تتألق في موعد القاهرة    الترجي التونسي لدى الرجال يتوّج باللقب    وزير الموارد المائية والأمن المائي من سكيكدة: منح الضوء الأخضر لتدعيم وحدة الجزائرية للمياه بالموظفين    تثمين التراث المعماري للقصر العتيق ومدينة سدراتة الأثرية    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: انطلاق ورشات تكوينية في مهن السينما لفائدة 70 شابا    الصحراء الغربية: إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار خلال ندوة بالإكوادور    باتنة: إجراء عمليات زرع الكلى بحضور أطباء موريتانيين    استفادة ولاية معسكر من مجمع وقفي للأمير عبد القادر    ممثلا لرئيس الجمهورية, العرباوي يتوجه إلى كينيا للمشاركة في قمة المؤسسة الدولية للتنمية    بوغالي يؤكد أهمية الاستثمار في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي    الصهاينة يتوحّشون في الضّفة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و454 شهيدا    نريد ديناميكية ونجاعة وتلبية انشغالات المواطنين    تربية: التسجيلات في السنة الأولى ابتدائي بداية من هذه السنة عبر النظام المعلوماتي    مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري يثمن قرار خفض نسب الفائدة على القروض الاستثمارية    الكرة الطائرة/ بطولة إفريقيا للأندية/سيدات: جمعية بجاية تتغلب على ليتو تايم الكاميروني (3-2)    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    1000 مليار لتعزيز الأمن في المطارات    الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية فئة المسنين وتعزيز مكانتها الاجتماعية    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    خنشلة: التوقيع على اتفاقيتي تعاون مع مديريتي الشؤون الدينية والتكوين المهني    قسنطينة: السيد ديدوش يعاين عديد المشاريع الخاصة بقطاعه    الرئيس يكرّم قضاة متقاعدين    انطلاق أشغال منتدى دافوس في الرياض بمشاركة عطاف    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: طرح الصعوبات التي يواجهها المخرجون الفلسطينيون بسبب الاحتلال الصهيوني    بغالي: الإذاعة الجزائرية ترافق الشباب حاملي المشاريع والمؤسسات الناشئة من خلال ندواتها    البليدة: إطلاق أول عملية تصدير لأقلام الأنسولين نحو السعودية من مصنع نوفو نورديسك ببوفاريك    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة بالنسبة لمطار أدرار    مؤسسات ناشئة: إطلاق مسابقة جوائز الجزائر للتميز    حج 2024: دورة تدريبية خاصة بإطارات مكتب شؤون حجاج الجزائر    إياب نصف نهائي كأس الكونفدرالية: الاتحاد متمسك بموقفه وينتظر إنصافه بقوة القانون    لا صفقة لتبادل الأسرى دون الشروط الثلاثة الأساسية    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    10 % من ذخائر الاحتلال على غزّة لم تنفجر    استئناف أشغال إنجاز 250 مسكن "عدل" بالرغاية    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    دورة تكوينية جهوية في منصة التعليم عن بعد    حساسية تجاه الصوت وشعور مستمر بالقلق    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    أكتب لأعيش    هدم 11 كشكا منجزا بطريقة عشوائية    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    الاتحاد لن يتنازل عن سيادة الجزائر    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    بيولي يصدم بن ناصر بهذا التصريح ويحدد مستقبله    تفكيك مجوعة إجرامية مختصة في السرقة    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذين يحيون سُنّة التزاور ''إلكترونيًّا''!
نشر في الحوار يوم 10 - 02 - 2009

كانت سُنّة التزاور فاعلة في المجتمع الإسلامي الأول، ودستور محبة يغرسه قول الرحمن في الحديث القدسي: ''حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ''، ''المتحابون فيّ على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء''. وكان السلف الصالح يحرصون على هذه السنة المحمدية، ويضربون لها بطون الإبل والمسافات الطوال؛ لزيارة إخوانهم في الله، وهان عليهم ما وجدوا من مشقة أمام هذه الغاية، غير أنها أضحت اليوم في المجتمع المغربي سُنّة مهجورة، أو حتى نكون أكثر دقة؛ سنة بلا روح أو حميمية؛ بسبب ظروف موضوعية وأخرى شخصية.
وبقدر ما تطورت وسائل الاتصال، بقدر ما تعقدت العلاقات الإنسانية لدرجة أصبح فيها من الصعب فصل التقنية عن السلوكيات الاجتماعية.. فالهاتف والإنترنت أصبحا اليوم منفذًا لزيارة الأقارب والأصدقاء وحتى الجيران، وعوضًا عن طرق باب الأحباب بعد أن كثرت الخطى، يمكنك فقط بضغطة واحدة ''كليك'' على لوحة المفاتيح تصل وتزور. ولكن هل ذلك يحل محل الزيارة المباشرة؟.. سؤال لا يمكن الإجابة عليه سوى بالاقتراب من حياة بعضهم؛ لنتعرف على مدى حيوية أو تبرد حرارة الترابط العائلي والمجتمعي. يشرح توفيق راجع -شاب متزوج حديثًا ويعمل مدير تدريب- كيف بدأت مساحة التزاور تجاه أصدقائه تضعف في حياته، بعدما كانت مستمرة ودائمة: ''أعترف أن مساحة التزاور أصبحت تقل في حياتي؛ نظرًا لزواجي مؤخرًا، حيث قلت مساحة التزاور لصالح أصهاري على حساب بقية معارفي''. ويمكن أن يكون الاتصال بالهاتف في بعض الأحيان نوعًا من راحة الضمير النسبية؛ لأني أستعيض عن زيارة الأحباب بالمهاتفة في المناسبات، ولكن المظاهر المدنية عمومًا قد تكون عائقًا''. وفي نفس الاتجاه تؤكد عتيقة البويهي -صحافية ومتزوجة وأم لثلاثة أبناء-: ''قلَّت مساحة التزاور في حياتي بعد الزواج؛ بسبب الالتزامات العائلية التي تجعلني سجينة داخل البيت، بالكاد أستطيع الموازنة بين الخدمات التي أقدمها للأسرة والزوج والأطفال وبين تكليفات العمل''. ويعترف ربيع الجوهري -مساعد مخرج أول- بأسف: ''هناك شرخ ما بين تصوري للتزاور الذي أومن به وأعتبره شيئًا ضروريًّا في مجتمع عربي مغربي مسلم، وينمِّي أواصر الترابط والتكافل الاجتماعي والتعاون وتربية الأبناء؛ وبين ما أمارسه في الواقع؛ نظرًا لتنقلاتي الكثيرة والمكثفة وعدم وجود الوقت الكافي للقيام بزيارة الأهل''. ويرجع عبد الفتاح أزبير -ناشط تلفزيوني ومتزوج وله ابن- تقصيره في التزاور إلى: ''طبيعة المدينة التي نقطن فيها؛ لأنها تدخلك في الروتين اليومي بشكل ينسيك مثل هذه الواجبات والسنن المقربة إلى الله عز وجل''. ثم يستدرك قائلاً: ''لكن تأتي بين الفينة والأخرى مناسبات، إما أعياد دينية أو ربما ظروف اجتماعية، قد تحيي هذه الصلة وهذا التراحم، ونسأل الله تعالى أن تكون دائمة في حياتنا اليومية''. وتذكر عزيزة المجدوبي -باحثة في اللسانيات -: ''انطلاقًا من الحديث النبوي ''حقت محبتي للمتزاورين فيّ'' أحب التزاور ليس باعتباره عرفًا اجتماعيًّا، وإنما لكونه سُنّة نؤجر عليها ونثاب.. لكن في الواقع قلما نستحضر ذلك''. وفي نفس السياق أكدت عزيزة المجدوبي أن التكنولوجيا الحديثة لعبت دورًا كبيرًا في تقريب البعيد: ''فعوضت قلة فرص الزيارات المباشرة، فالزيارة الإلكترونية أو الهاتفية شيء مهم جدًّا، وأكثر تفاعلاً مع حركة العصر''. وتضيف فاطمة عاشور -صحافية -: ''في كثير من الأحيان يبدو التزاور في المجتمع المغربي على أنه عادة اجتماعية؛ فغالب الزيارات بين الأسر والأصدقاء والجيران تقام على أساس رد جميل أو كمقابل لزيارة سابقة، بحيث قد تنتهي هذه الزيارات إذا أحجم أحد الطرفين عن ذلك في مناسبة من المناسبات، حيث يتعلل المقاطع بأن تلك العائلة لم تزره لمواساته في محنته أو مؤازرته في فرحته. كما تظهر هذه السُنّة على أنها عرف اجتماعي عندما ترتبط بالهدايا وما يقدمه الشخص الزائر أو المزار، حيث يتركها الكثيرون لعدم توفر ما يقدمونه من هدايا مادية، وهكذا...''.
هل يكفي التزاور الديجيتال؟
ويعلق الدكتور إدريس التمسماني -أستاذ جامعي-: ''كلما ازداد انشغال الإنسان اضطر للتخلي عن هذه القيم الإنسانية، الآن نستغل فقط العيد أو بعض المناسبات للتواصل مع العائلة والأصدقاء، لصالح صلة الرحم والتزاور. وأخشى إن استمر الحال هكذا أن يلد المجتمع إنسانًا لا يفكر إلا في نفسه، ليس لديه إحساس تجاه الآخر، وينعدم التكافل الاجتماعي فيما بيننا''. وزار لغةً معناها: مال، وقال تعالى في كتابه الحكيم: ''وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ''، أي تميل، ونقول ''شهادة الزور''، أي الميل عن الحق، هذا ما ذكره لنا باهشام بن سالم -داعية - في مستهل حديثه عن سُنّة التزاور: ''إذا قلنا للشخص زُرنا أي مل إلينا، والزيارة هي ميل قلبي إلى الشخص؛ لأن الذي تكرهه لا تزوره؛ لأن قلبك ينفر منه. وإذا كان الإسلام قد حثَّ على زيارة المقابر التي فيها الموتى، فإن زيارة الأحياء من باب أولى وأحرى''. وفي تعليق على إهمال التزاور؛ يذكرنا باهشام بالآية القرآنية: ''هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ''، معقبًا: ''أخوة الآخرة هي الغائبة في عصرنا الحالي -عصر الماديات- وهي التي يجب أن نبني عليها زيارتنا، وأن نبني عليها مجتمعنا، فإذا بنينا أخوتنا وزياراتنا على نيَّة الآخرة، فيكون عملنا لله وما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل''.
دستور المحبة
ويعتبر الشيخ باهشام بن سالم أن مسألة التزاور في المجتمع الإسلامي مسألة في غاية الأهمية: ''لا يكفي لإحيائها من جديد في المجتمع مقال أو محاضرة أو موعظة؛ لأن الكلام يُنسى والرؤية تذكِّر، والممارسة تعلم.. لهذا لا بد من صحبة صالحة يجتمع عليها المؤمنون؛ ليحققوا معاني الزيارة في الله، كما اجتمع الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا النموذج الحي الذي ذكره الله عز وجل في محكم كتابه: ''مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...''، ومن ثمرات هذه الرحمة الزيارة في الله، ويجب على المؤمنين البحث عن أسباب الرحمة في عصرنا الحالي. ويختتم: ''لم يأمرنا الله عز وجل في سورة التوبة بالصدق، وإنما دلَّنا على باب الصدق، فقال: ''يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ''، فلم يقل سبحانه كونوا من الصادقين؛ لأنه يستعصي على الإنسان السبيل الصحيح ليصبح صادقًا، فدلَّه سبحانه وتعالى على المفتاح الذي هو المعية والصحبة، فالصحبة مفتاح؛ مفتاح للصدق ومفتاح للرحمة ومفتاح للقوة، والشدة على الكفار، ومفتاح للتزاور، ومفتاح لكل خير''.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.