في بادرة ثقافية تحمل طابع الوفاء والاعتراف، أعلنت محافظة صالون الكتاب الأمازيغي لأوسيف عن مشروع إصدار عمل جماعي تكريمي مخصّص للأديب الراحل يوسف مراحي، الذي يُعدّ أحد أبرز الأصوات التي ساهمت في إثراء الأدب الجزائري خاصة الأمازيغي منه، شعراً وسرداً وتحليلاً صحفياً. وقد تم تحديد تاريخ 15سبتمبر آخر أجل لإرسال المساهمات. تمّ اتّخاذ هذا القرار بالإجماع خلال فعاليات الدورة الرابعة لصالون الكتاب الأمازيغي، في لحظة رمزية اجتمع فيها الكتّاب والباحثون والقرّاء على استحضار أثر هذا الرجل الذي كتب كثيرًا بصمت، لكنّه بقي حاضرًا بصوته المتفرّد. ليست المبادرة مجرّد تحية تقليدية أو تكريم اعتيادي، بل هي دعوة إلى فتح ورشة جماعية للكتابة، التأمّل، والقراءة المعمّقة في أعمال الفقيد، ضمن مشروع يجمع مقالات وشهادات ودراسات نقدية. ويُنتظر أن يكون هذا المؤلَّف الجماعي منصة فكرية وأدبية تستعيد ملامح التجربة الأدبية والفكرية ليوسف مراحي، من خلال عيون من عرفوه، أو تأثّروا بكتاباته، أو درسوها من زوايا مختلفة. في هذا السياق، وجّه المنظّمون نداء مفتوحًا للكتّاب والباحثين والنقّاد، وحتى القرّاء الأوفياء، للمشاركة بنصوصهم، مع تحديد يوم 15 سبتمبر 2025 كآخر أجل لتسليم المساهمات، عبر البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.. وسيتم نشر العمل من قبل دار "امتداد"، على أن تُشرف لجنة قراءة مختصة تُشكّل بالتنسيق مع أفراد عائلة الفقيد. من هو يوسف مراحي؟ هو رجل عاش بالكلمة، واشتغل في الظلّ، لكنّه ترك أثرًا لا يمكن تجاهله. وُلد يوسف مراحي سنة 1950، وتخرّج من المدرسة الوطنية للإدارة، قبل أن يُعيّن في عدة مناصب سامية في الدولة، كان آخرها منصب الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية، الذي شغله طيلة 15 سنة إلى غاية تقاعده في 2014. بعيدًا عن الأضواء السياسية، كان مراحي أديبًا ملتزمًا، شاعراً حداثياً، وروائيًا عميق النظرة، وصحفيًا تحليليًا. امتدّ نشاطه الأدبي على مدى عقود، وانفتح في أعماله على قضايا الهوية، الإنسان، الحرية، والذاكرة الجماعية. كما ترك مراحي وراءه أعمالًا تشهد على حساسيته الإبداعية وعمق تأمّلاته، أكثرها أشعار بالإضافة إلى روايات ودراسات من بينها "وظلّ يقتل النور"، "سأحرق البحر"، و بهلوان فوق الحبل" و«طاهر جاوت، الخطوات الصحفية الأولى" و«يوميات قبائلي" وأعمال أخرى لا تخلو جميعها من صور شعرية مدهشة، ومضامين تلامس تخوم الفلسفة. كما كان له حضور بارز عبر مقالاته الأسبوعية في جريدة "لوسوار دالجيري"، حيث كان يكتب في قضايا الفكر والثقافة والسياسة، بلغة تجمع بين البلاغة والدقة، وبين العاطفة والعقل. وقد فقدت الساحة الثقافية يوسف مراحي في مارس الماضي، عن عمر ناهز 74 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، حيث توفي في مستشفى تيزي وزو. لم يكن رحيله حدثًا عاديًا، بل لحظة توقّف عندها الجميع، ليُدركوا حجم الخسارة التي مُني بها الأدب الأمازيغي والجزائري عمومًا. لكن الوفاء لا يكون بالبكاء على الأطلال، وإنّما بمواصلة الحفر في المنجز، وتوثيق التجربة، وفتحها على النقاش والمساءلة. وهذا ما يسعى إليه هذا العمل الجماعي، الذي سيكون، كما يأمل المنظّمون، مرآة متعدّدة الزوايا لحياة وإرث يوسف مراحي. بالمقابل، تحوّل صالون الكتاب الأمازيغي الذي تحتضنه بلدية أوسيف منذ سنوات، إلى محطة ثقافية بارزة في الجزائر، يجتمع فيها الكتّاب، الباحثون، الناشرون والقرّاء، لمناقشة جديد الإصدارات والاتجاهات الأدبية والفكرية التي تهمّ اللغة والثقافة الأمازيغية. وهكذا فإنّ تكريم يوسف مراحي ضمن هذه الفعالية هو رسالة رمزية بأنّ الأدب الحقيقي لا يُنسى، وأن المثقف الأصيل يبقى حاضرًا في الوجدان الجمعي مهما غاب الجسد.