من الخوارج إلى داعش… قراءة في منهج العنف وعقيدة الدم الحلقة 07 وجدت الجماعات المسلّحة في المنظومة الفقهية لأحكام الردّة ما تبرّر به بعض أفعالها وصنائعها، ولعلّ أهمّها عدم اكتراثها بالعدوّ الحقيقي الذي يحتلّ الدّيار مثل الحال في فلسطين، ولذلك تجد في بعض ما يكتبون ويصرحون به اتّهام الجهاد الفلسطيني بالتشوّه وعدم صفاء الرّاية وخلوص التّوحيد. فصنعوا بأولوية قتال المرتدّين المبرّر للهروب من المساءلة والحرج إذا ما سئلوا عن هذا الإثخان الدّاخلي، وهذا الإتعاب للأوطان وتهديد سلم المسلمين ووحدتهم، واستدلّوا كعادتهم بأقوال ابن تيمية "الصحابة بدأوا بجهاد المرتدّين قبل جهاد الكفّار من أهل الكتاب" (المجموع 35/ 99)، وأسّس صاحب (الفريضة الغائبة) لهذا المسلك مبكّرا " قتال العدوّ القريب أولى من قتال العدوّ البعيد" (ص 15)، واجتهدوا لدعم هذا التوجّه بالقرآن " قاتلوا الذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظة " (التوبة 123)، كما فعل المقدسي في (ملة إبراهيم 67) " ما كان النّبيّ ليبدأ أوّل ما يبدأ بفارس والرّوم ويتغافل عمّن بين ظهرانيهم " (ملّة إبراهيم 67)، واعتبر الظّواهري العدو الدّاخلي هو الأخطر فهو صنيعة استعمارية ووكيل للصليبيين "العدو الدّاخلي لا يقلّ خطورة عن العدوّ الخارجي بل إنّه الأداة التي يستخدمها العدوّ الخارجي والستار الذي يحتمي وراءه في شنّ حربه على الإسلام " (فرسان تحت راية النّبيّ 12). وجاء البغدادي خليفة داعش ليصرّح في شريط (وعد الحقّ) " فواللّه لقتل المرتدّ أحبّ إليّ من مائة رأس صليبية "ليؤكّد هذا الاتّجاه القاضي بتوجيه الحرب والتّدمير للدّاخل فقط، وهي ثقافة قديمة قالت بها كذلك "سلفية ولي الأمر" في أولوية محاربة المبتدعة على الكفار المحاربين. وقد يتساءل الباحث، ما المقصود بهذه الفكرة (أولوية قتال المرتدين على الكفار المحاربين) مع أنّ التسمية والتنزيل فيه تلاعب كبير لا يخفى على أيّ دارس، لكن ماذا تريد الجماعات المسلّحة من هذا الطّرح: أوّلا: صرف الأمّة عن محورية الجهاد في فلسطين، فهو جهاد شرعي واضح الرّاية خالص الهدف لا شبهة فيه، وربما هذا ما يزعجهم ويشوّش على جهادهم المزعوم الذي يُقاد ضدّ المسلمين وبحجج وتبريرات كثيرة ومتعسّفة. ثانيا: تبريرالحروب الأهلية التي يُشعلونها في المنطقة ومن غير فائدة إلاّ إنهاك الأوطان وتعريضها للإنقسام وتقوية العدوّ الخارجي، ولا غرابة بعد ذلك أن يتهمهم الملاحظون بتنفيذ أجندات الأجنبي ما داموا يقودون حروبا عبثية لا ينتصر فيها أحد إلا العدو التقليدي للأمّة. إحياء فكرة الجواري تحت لافتة جواز سبي نساء المرتدّين : ذهبت قديما بعض فرق الخوارج كالأزارقة إلى جواز استرقاق نساء وذراري المخالفين، وقالت الجماعات المسلّحة حديثا بشرعية إعادة إحياء فكرة الجواري باسترقاق نساء المرتدّين، يقول المدعو أبو بكر ناجي " يجوز سبي نساء المرتدّين" (الحرب المجلية 05)، كما أباحوا أخذ أموالهم بل وسرقتها بالحيلة والمكر إذا عجزوا عن نيلها بالحرب "كما يجب على المسلم السعي في الاستيلاء على أموال الكافرين بالقهر (الغنيمة) وبالحيلة ونحوها (الفيء) " (عبد القادر بن عبد العزيز في العمدة 320)، ولأبي قتادة المنظّر السلفي الكبير للعمل الجهادي المعاصر فتاوى عجيبة في جواز سرقة أموال الكفار والمرتدّين بالحيلة والمكر بل هي كما قال أطيب الحلال !! وأحيت داعش رسميا أسواق بيع الجواري في الموصل لتقدّم للعالم صورة شائنة عن الإسلام الذي جاء أصلا لتحرير الإنسان، وكان من أوائل ما نزل من القرآن في ظلمات وظلم وظلام مكة " وإذا الموءودة سئلت بأيّ ذنب قُتلت " (الانشقاق). وفكرة الغنائم والجواري تدخل في استراتيجية الجماعات المسلّحة لاجتذاب الكثير من الشّباب بشهوة المال والفروج وتحقيق غرض الانتقام، كما يصرّحون بذلك في كتبهم ورسائلهم من المرتدّين الذين استولوا على الأموال والمتاع. يتبع…