عاشت البلدان المغاربية، حراك سياسي طالب بإصلاحات والحوكمة الرشيدة والشغل ومقاومة الفساد، وبحكم البيئة المتصحرة ، التي أنتج أزمات متعددة ومختلفة من قطر إلى أخر وعاشت المنطقة تطورات وتغيرات جذرية وإصلاحات سياسة ومؤسساتية، مست أغلب دول المغاربية، وبعد الانتخابات الرئاسية، التي شاهدتها وعرفتها كل من موريتانياوتونسوالجزائر سنة 2019 ،انتهت بتتويج رؤساء جدد لهم وعود بالدمقراطة ونجاز الإصلاحات . وبعد الجمود وانكماش في العلاقات المغاربية، حانت مرحلة البناء وتنقية الأجواء وتحسين العلاقات والتنسيق والعمل الجماعي، وعلما بان أخر قمة عقدت للقادة والرؤساء بتونس سنة 1989، وأخر قمة لمجلس وزراء الخارجية لبلدان المغاربية ،انعقدت سنة 2003 ، والى جانب كل هذه التطورات والإحداث المتسارعة ، صدرت العديد من الدعوات تنادي بتحسين العلاقات وترميمها، وفتح صفحة جديدة والمصالحة وفتح الحدود ،وتفعيل دور الاتحاد وتنقية الأجواء، وأبرزها كانت دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطابه الداعي للحوار المباشر والصريح بين الشقيقتين الجزائر والمغرب لتجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية وفتح صفحة جديدة . والملاحظ إن المرحلة التي تمر بها المنطقة المغاربية ،مصيرية وصعبة بعد انتهاء الحجز الصحي وجائحة كورونا ولها تداعيات خطيرة، تتطلب وقفة وعمل جماعي، يتمثل في عقد قمة عاجلة للرؤساء وقادة الدول عن بعد ، تتناول فيها أهم المستجدات والأحداث والقضايا منها الحرب والمصالحة في ليبيا ،والتدخلات الخارجية فيها والتهديد بتقسيم ليبيا ،وإعادة بناء وتفعيل هياكل مؤسسة الاتحاد المغرب العربي ،وبناء جسور جديدة للتواصل والثقة والترميم ،وتحسين العلاقات بين الدول المغاربية مع بعضها البعض، ما سبق هل توفرت شروط لعقد قمة مغاربية عاجلة وناجحة للرؤساء وقادة الدول عن بعد؟. وفي هذا الإطار هنالك العديد من الإرهاصات، توحي بالعودة إلى العمل الجماعي المغاربي، ولقد شهد قصر الرئاسي قرطاجبتونس حدث هاما ،تمثل في لقاءات بين الرئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد ،ووفود من مكونات المجتمع المدني الليبي ،ونتمنى أن تشفع بلقاءات مع وفود أخرى، تمثل كافة الحساسيات السياسية والفكرية والقبائلية في ليبيا لتقريب وجهات نظر، وقد طالب الوفد الرئيس قيس سعيد، بالتدخل والقيام بجهود والوساطة، لوقف الحرب والاقتتال ،والتدخلات الخارجية في ليبيا ، وهذا بالإضافة إلى هذا خطاب القيم والمتميز الذي ألقاه الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد بتون، خلال حفل تنصيبه بالجزائر ،وما احتواه من نقاط ايجابية وبناءة وواعدة تناولت الشأن المغاربي قائلا : -“الجزائر لن تقبل أبدا بإبعادها عن الحلول المقترحة في الأزمة الليبية”. -“قضية الصحراء الغربية سيبقى حلها بيد الأممالمتحدة ولن تعكر صفو العلاقات مع الأشقاء”، – “بناء الاتحاد المغاربي سيكون ضمن أولويات الدولة ولن يجد منا أشقاءنا ما يسوؤهم أو يعكر صفوهم”، وحمل الخطاب العديد من قرارات الهامة ،من بينها لعب دور في الملف الليبي، ورفض كل إقصاء من قوى إقليمية ،التي تريد الهيمنة والانفراد بالملف وتوجيه حسب مصالحها وأجنداتها ،وعدم تركه في أيدي العابثة بالأمن الإقليمي المغاربي ، وتمثل هذه الخطابات والتصريحات بالمغرب والجزائر، ولقاءات التشاورية التي جرت بتونس مع أطياف من المجتمع المدني الليبي، مناخ يشجع على العمل والبناء المغاربي وعلى الرئيس قيس سعيد ووزارة الخارجية التونسية ،استثمارها وتفعيلها وتجسيدها على الأرض الواقع، بالتحرك والقيام بمساعي ومبادرات على المستوى المغاربي والإقليمي والدولي ،بإرسال رسائل إلى القادة ورؤساء الدول المغاربية ،إلى كل الرئيس الجزائري عبد المجيد بتون ،والعاهل المغربي الملك محمد السادس، والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، والحكومة الوفاق الوطنية الليبية المعترف بها دوليا ، بالدعوة لعقد قمة مغاربية بتونس عن بعد ،تتناول فيها ثلاث القضايا وأولها الملف الليبي والمصالحة والتدخلات الخارجية ورفض محاولات تقسيم ليبيا، والدول المغاربية مدعوة للوقوف مع الشرعية الدولية ،مع الحوار والمصالحة في ليبيا ،وتطلعات الشعب الليبي الشقيق في السلم والتنمية والسلام ،وتنقيح وتعديل اتفاق الصخيرات ليشمل كافة الأطياف والحساسيات والقبائل والمدن ،والدعوة إلى انسحاب كل الجيوش الأجنبية والمرتزقة من ليبيا ، والتي جاءت للسيطرة ونهب الخيرات الليبية من نفط وغاز ماء، واستغلال موقع الاستراتيجي، وإبعاد شبح الحرب الإقليمية في ليبيا ،ولقد تضررت الدول المغاربية وخاصة تونس لها حدود معها تقدر ب450 كلم، كثيرا من الحرب الأهلية ومن عدم الاستقرار في ليبيا ، وهي تعتبرها امتداد لأمنها القومي والإقليمي والانتقال والتجربة الديمقراطية بتونس مهددة بالنكوص ،وحان الوقت للدول المغاربية أن التحرك على مستوى جماعي ،وتفعيل ميثاق واتفاقيات الاتحاد المغرب العربي، بخارطة طريق واضحة المعالم ، ملزمة للجميع وبتأييد من منظمة الأممالمتحدة ومنظمة الاتحاد الإفريقي والدول المحبة للسلام مثل ألمانيا وايطاليا وبريطانيا والضغط على أمريكا وروسيا والصين لتبنيها ، وإجبار حلفائهم على الموافقة والقبول بها، تدعو إلى المصالحة وانسحاب كل الجيوش الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وترفض كل التدخلات الخارجية ، وإبعاد شبح الحرب الإقليمية والتقسيم في ليبيا ، وتدعو إلى نشر قوة عسكرية للسلام مكونة من الدول المغاربية ومدعومة من الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي والمانيا وايطاليا وأمريكا وروسيا والصين ،ومهمتها الفصل بين المتحاربين، ونزع أسلحة الكتائب والمليشيات الخارجة عن القانون والرافضة للشرعية، وترافق الأشقاء الليبيين في كافة المراحل الانتقالية من إجراء الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية تعيد الوئام والاستقرار ،وبناء دولة المؤسسات والأعمار والتدريب الجيش والشرطة ، ولقد انتهت عهد الصكوك البيضاء والشرعية المزيفة ، والوصاية والانقلاب والوكلاء ،وهو عهد الانتخابات والشعب الرقيب والمجتمع المدني .
▪︎ الدكتور حبيب حسن اللولب : أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر. رئيس جمعية البحوث والدراسات من أجل اتحاد المغرب العربي.