في غمرة الحديث عن المتطرفين دينيا، نسينا الحديث عن طائفة أخرى تطرفت في جانبها المادي، وفي خضم إحصائنا لمن حصدتهم يد الإرهاب، نسينا الحديث عن موتى هذا الفكر المتطرف.. ابتداء سأحدد من أقصد من جملة هؤلاء، فهم نابتة في المجتمع أثرت واغتنت في سنوات الأزمة والجمر، وقامت تدعو بحالها إلى مذهب في الحياة من أسسه بذخ وإسراف في المتع والشهوات، وكسب بلغ المدى لكن بلا عمل أو جهد يُؤدى في المقابل. ولا يهمني الآن أن أدخل في متاهات مواردهم وكيفية جمعهم لأموال تعجز الحواسيب عن عدها. وإنما يهمني أن أذكر ما أحدثوه في المجتمع من تقاليد وأخلاق وافدة حلت مكان أخلاقنا التي كانت قبل مدة نعم الأخلاق في نفوسنا ومخيالنا سائدة. عشنا زمنا والرحمة بين الناس تتغلب على جوانب القسوة والبخل في حنايا المجتمع.. حتى وفد هؤلاء فتباهوا بين الناس بما يملكون، وطغوا وفرحوا بما نهبوا وسلبوا.. ونظر الشباب إلى فيلات مشيدة بين عشية وضحاها، وسيارات فارهة هي آخر إبداعات التكلوجيا الحديثة، ولسان حالهم يقول: ''يا ليت لنا مثلما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم''، ورأى الناس أن المال أضحى دولة بين ''القافزين'' منهم ولم يصلهم حقهم الذي كتبه الله، فحقد فقيرهم على غنيهم، بعد أن ''عفس'' مترفوها أهل الخصاصة والحاجة، ولتوضيح المفاهيم أكثر، وحتى لا يظن القارئ أن هذا من باب حقد الفقراء على الأغنياء، أو نقمتهم عليهم، وجب التمييز بين ثلاثية الغنى والترف والفقر والحد الفاصل بين الأولين. فلقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر وجعله قرين الكفر.. وبالمقابل فقد مدح الغنى ''نعم المال الصالح للرجل الصالح'' وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم ''اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغني''. ولم يرد في القرآن ذكر الترف والذي هو مجاوزة الحد شحا وطغيانا وظلما وعدوانا، وانتقاصا للحقوق وحرمان أهلها منها، إلا وذمه وحمل عليه حملة شعواء لا تبقي ولا تذر، بل إن دليل فساد البلدان وهلاك الإنسان هو تأمُّر مترفيها ''وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا'' إن ما استفزني للحديث هو أن الظاهرة قد استشرت مدة من الزمان ولم تعط حظها من الدراسة والتحليل،..ويكفي من ذكرنا لما مر أن نوفق إلى التنبيه للظاهرة وللغير أن يشخص الداء ، لمعرفة الدواء..