يقول الله عز وجل يوم القيامة: ( يا ابن آدم، مرضت ولم تعدني، قال : يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما انك لو عدته لوجدتني عنده؟ )) لذلك يحثنا ديننا الحنيف على وجوب زيارة المرضى و مساندتهم و بث الأمل دائما في نفوسهم، فهم في أشد الاحتياج لهذا منا، فالإسلام دين التآلف والتراحم وتدعو تعاليمه إلى المحبة والصلة بين أبنائه، مما يزيل الجفوة من النفوس، ويثبت أركان التآخي وزيارة المريض، التي تؤدي إلى تماسك المجتمع وزيادة المحبة والألفة بين أفراده، ويصلي سبعون ألف ملك على من يقوم بها، ولكن لهذه الزيارة قواعد الإتيكيت التي يجب إتباعها عند القيام بزيارة المرضى، خاصة في المستشفيات، لما لهذا المكان من حساسية خاصة، بسبب أن المريض إما أن يكون في حاله حرجه، أو يكون في فترة نقاهة تستلزم الراحة و الهدوء، بالإضافة إلى وجود مرضى آخرون بالمستشفي، أو بالغرفة نفسها على أقل تقدير، وهذا إتباعا بما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيارة المريض. وعدم الإطالة والدعاء له بالشفاء لقوله: "أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني".. و هذه القواعد يجب معرفتها فهي ستعمل على جعل الزيارة تتم بأسلوب مهذب و راقي، تؤدى الهدف و هو زيارة المريض و الاطمئنان عليه، و كذلك عدم إيذاء مشاعره أو إزعاجه ..زيارة المريض واجب من الواجبات الاجتماعية المهمة جدا، الغرض من زيارة المريض إحاطته بمشاعر الحب حتى يشعر بأنه ليس وحيدا في هذا العالم وأن هناك من يهتم بشأنه. تخفف على المريض المرض، وترفع من روحه المعنوية، وهذا قد يساعد كثيرا في الشفاء، فالمريض يحتاج إلى أصدقائه وأحبائه لكي يهونوا عليه محنة المرض،وليخففوا عنه الألم والأوجاع الجسدية والنفسية، خاصة خلال تواجده في المستشفي تعطيه الكثير من المعنويات التي يحتاجها في حالته.. ولكن لزيارة المريض آداب و أصول و"إتيكيت "حثنا عليها الرسول "صل الله عليه وسلم " أثناء زيارة المريض (إذا دخلتم على المريض، نفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب بنفس المريض)، حتى تكون الزيارة مفيدة وممتعة للمريض والزائر معا، وعلينا التقيد بشروط وآداب لهذه الزيارة و الالتزام بها قدر الإمكان. مشاعرنا تقودنا حول الموضوع يقول رشيد 40 سنة: "نحن كجزائريين لنا من المشاعر المرهفة ما يجعل العديد منا ينزعج و يحزن قد تصل إلى درجة الهلع عند سماعه خبر تواجد أحد المقربين أو الأصدقاء بأحد المستشفيات، و لهذا فالكثيرون منا يتوجه مباشرة إلى المستشفي، سواء للاطمئنان على المريض، أو لأداء الواجب الاجتماعي، و قد يتسبب باندفاعه هذا إلى جعل زيارته ( مزعجه و غير مرغوب فيها )، حتى و لو لم يقصد هذا بالفعل .." بعض الزوار.. في عدم زيارتهم للمريض شفاء له أما خالتي لويزة ستينية فقالت: هناك من يتقن آداب زيارة المريض ويرفع من معنوياته وهناك من يزيد الهم همين والعلة علتين، واستذكرت جارة لها زارتها خلال تواجدها بالمستشفى بعد عملية جراحية في الركبتين فقالت: جاءتني جارتي بعد خروجي من العملية مباشرة وما إن رأتني حتى بدأت بالصراخ والعويل وهي تقول: "يا ترى يا لويزة إلى رايحة تزيدي تمشي على رجليك ولا من هاذي خلاص"' بعد سماعي لكلماتها أصابني الخوف والهلع وقلت في نفسي أنها سمعت كلاما خطيرا حول عمليتي وظننت أنني أصبحت مقعدة، فأصبت بهستيريا ما جعل ضغط دمي يرتفع، فجاء الطبيب وأمر بإخراج جارتي وحاول تهدئتي قائلا أن العملية نجحت وليس بي شيء من هذا" حقيقة هناك بعض الناس زيارتهم للمريض تزيده مرضا ونكدا لطلك يفضل عدم زيارتهم له". اطردهم وانطرد معهم!! أما مصطفى فقد قام بعملية استئصال للمرارة وقد ألزمه المرض السرير فترة طويلة، وكثر زواره وعواده، يقول: كنت أميز بين الزائر الخفيف الذي يشبه النسيم يحيي العليل، وبين الزائر الثقيل الوبيل الذي يمرض الروح فوق مرض الجسد، وقد زارني عدد من الثقلاء فجأة، ودفعة واحدة، وألحوا عليه بالأسئلة حتى كبتوا على أنفاسي فما ألبث اجيب عن سؤال حتى أتلقى آخر، والطبيب نصحني بعدم الإكثار من الكلام ، فهمس أحد الثقلاء في أذني قائلا: هل أخرجهم عنك؟! فقلت على الفور: - اطردهم وانطرد معهم!! فليس من اللائق سؤال المريض عن مرضه بالتفصيل، ولا عن أسباب هذا المرض وأسراره، فالحديث المطول يتعب المريض، المتعب أصلا، والحديث عن مرضه بالذات وبالتفصيل يعيد آلامه ويكررها، ومحاولة الزائر معرفة أسباب المرض فيها أنانية وفضول، فكأنما هو يريد معرفة السبب لكي يتجنبه هو مثلا..وقد حث العيد من رجال الدين والأطباء والعلماء على آداب زيارة المريض التي يجب أن تكون كالنسيم الجميل الذي يحيي العليل بإذن الله عز وجل، فالزائر الودود البشوش الذي يتحدث بإيجابية ويقوي معنوية المريض ولا يطيل الزيارة ولا يتبرع بنصائح طبية، مرحب به، أما المشكك الذي يجعل المريض يفقد ثقته في الطبيب و المستشفى الذي يعالج فيه يفاقم مرضه ويجعله يصاب بالوساوس والكآبة، ويحطم روحه المعنوية فالأحسن أن يلازم بيته فله ثواب أكثر مما سيقوم به بعيادة المريض.. فزيارة المريض سنة في ديننا الحنيف، ويحسن فيها الدعاء للمريض من القلب والثناء عليه، وتذكيره بالخير والأجر إن شاء الله، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المرض كفارة وطهور للمسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما يصيب المؤمن من وَصَب، ولا نَصَب، ولا سقَم، ولا حُزن، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه".عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«من أتى أخاه المسلم عائدا مشى في خرافة الجنة حتى يجلس فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح» وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ثلاثة كلهن حق على كل مسلم عيادة المريض وإتباع الجنازة وتشميت العاطس إذا حمد الله عز وجل» وعنه أيضا انه قال: «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي” قال العلماء وإنما أضاف المرض إلى نفسه سبحانه وتعالى، والمراد مرض العبد تشريفا للعبد وتقريبا له و”لوجدتني عنده” استعارة، أي لوجدت ثوابي وكرامتي، وقال القرطبي هو تنزل وتلطف في الخطاب والعتاب، ومقتضاه التعريف بعظيم ثواب تلك الأشياء. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من عاد مريضا أو زار أخا في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا».