تسعى الكثير من النساء الجزائريات لإيجاد فرصة عمل، إلا أن بعضهن لا يبالين بمجاله، حتى وإن ظل حكراً على الرجال، ما جعل مؤشر نسبة المرأة العاملة في تصاعد مستمر، سواء في الوسط الحضري أو الريفي، بسبب تغيّر الكثير من المفاهيم لدى المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة، بعد القطيعة مع القيم والعادات الاجتماعية التي تكبح طاقات المرأة. بعدما رفض الرجل، في الماضي، عمل المرأة رفضاً قاطعاً، تراجع شيئا فشيئا تحت وطأة ظروف الحياة، ومستحدثاتها، وسمح لها بالعمل في بعض المهن، على غرار التعليم، ومنعها من الخوض في أخرى، إلا أن المرأة، مؤخراً، كسّرت القيود وغيّرت الأعراف، باقتحامها كل الميادين، دون استثناء. ورغم أن المرأة في الجزائر دخلت مجال العمل من بابه الواسع، إلا أن معاناة النساء اللواتي يعملن في وظائف ومهن صُنّفت في قاموس الرجل الجزائري بأنها ''غير لائقة''، كبيرة مقارنة بغيرهن، على غرار المرأة سائقة سيارة الأجرة، الممرضة، السكرتيرة، والشرطية، موظفة الاستقبال، النادلة، الميكانيكية وغيرها من المهن التي صنّفها الرجل في قائمة سوداء، خاصة أن الكثير من الرجال يرون أنه يجب على المرأة أن لا تتعدى على فرص الرجل في العمل، وأن ترضى بالتقسيم الذي فرضته تقاليد المجتمع الجزائري وضوابطه، مرجعين مزاحمة النساء من أول أسباب بطالتهم. وكشفت مصادر من الديوان الوطني للإحصاء أن عدد مليوني امرأة عاملة في الجزائر، حيث تصل نسبة اليد العاملة النسوية إلى 80 بالمائة في القطاعات الصحية والتعليمية، يليها القضاء بنسبة 60 بالمائة، في حين يستوعب قطاع الصناعة حوالي 53 بالمائة من النساء العاملات. وتشير الإحصائيات نفسها إلى أن 56 بالمائة من النساء العاملات أعمارهن تقل عن 40 سنة، وأكثر من 25 بالمائة أعمارهن تتراوح بين 25 و29 سنة، ما يبيّن أن تشغيل المرأة في المجتمع الجزائري لم يرق بعد إلى النسب العالمية، لتفضيل العديد من المؤسسات الخاصة توظيف العنصر الرجالي، إلى جانب إصرار بعض العقليات على رفض عمل المرأة، سيما في المناطق النائية. بطلة الجزائر 6 مرات في رياضة السباحة المدربة نجاة بوجادي تحذف عبارة الإعاقة وتدرّب رياضيين أصحاء تُوّجت 6 مرات بطلة للجزائر في رياضة السباحة لفئة المعاقين، تملك من الإرادة القوية لتكوين فريق من الرياضيين المحترفين للمشاركة في المحافل الدولية ورفع الراية الوطنية، خاصة وأنها قدّمت للفريق الوطني الحائز على الميدالية البرونزية في الألعاب الدولية بنيوزلندا سنة 2011. تحصّلت نجاة بوجادي على منصب شغل دائم بمديرية الشباب والرياضة، كمدربة ألعاب قوى، ثاني اختصاص متفوقة فيه بعد السباحة سنة 2008، بعد أن أحيلت على البطالة الإجبارية ل8 سنوات، استغلت تلك الفترة للحصول على شهادة خاصة بالإطارات الرياضية، صاحبتها فترة توقف عن المشاركة في المنافسات، إلا أنها ظلت تسجل مشاركتها في أندية خاصة كمدربة لتأهيل الرياضيين الأصحاء منذ 2002. نجاة اختصت في رياضة ألعاب القوى للمعاقين مع مديرية الشباب لولاية قسنطينة، تمكنت من خلال ذلك من تكوين عدد معتبر من الرياضيين ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنها توقفت بعدها عن التدريب لنقص الإمكانيات، كون هذه الفئة تحتاج إلى وسائل معينة على قدر من المستوى. المدربة نجاة استمرت في تقديم عطائها، ولم تفشل أمام المعوقات التي وجدت نفسها أمامها، حيث قامت بإنشاء جمعية رياضية جديدة تضم إطارات وأبطال سابقين، هدفها البحث وحماية المواهب الشبانية من الضياع وتكوين الفئات الصغيرة، لتدريبها وتحضيرها من غير المعاقين، حيث رفضت أن تحصر نفسها في فئة معينة، خاصة وأن أغلب المدارس غيّبت وتدهور مستوى الرياضة في قسنطينة، كما تبحث عن إنشاء فرع للمعاقين، بعد ضمان الموارد المالية وضمان التربصات والتنقل للرياضيين، حيث أقرت بوجود طاقات كبيرة مؤهلة لأن تكون من أبطال المستقبل، يبحثون عن الإعانة ووسائل التدريب، حيث تشرف حاليا على تكوين 3 شبان موهوبين سيقدمون للمنافسات يمكنهم رفع الراية الوطنية. نجاة قررت حذف عبارة الإعاقة من قاموسها، قائلة إن الإعاقة داخلية، وليس مرضية أو نفسية، والمجتمع هو من يخلقها، وأضافت أن الإعاقة في مجالها يكمن في غياب الوسائل الحقيقية للتدريب. قسنطينة: وردة نوري الآنسة صافية زردودي مسؤولة مراقبة نوعية المواد بورشة الطريق السيّار صدمت أن البعض لم يتقبّل وجود امرأة في ورشة اقتحمت الآنسة صافية زردودي، مهندسة مختصة في علوم الأرض، إحدى ورشات الطريق السيّار بديدوش مراد بقسنطينة، منافسة بذلك الرجال الذي تقبلوا وجودها كمسؤولة عن مراقبة نوعية المواد بالورشة، بعد 6 سنوات من العمل والمثابرة، حيث استطاعت فرض نفسها بعملها وإصرارها. صافية هي البنت الصغرى لعائلة قسنطينية تقدس العلم وعمل المرأة، حيث كانت والدتها المرحومة إحدى تلميذات العلامة عبد الحميد ابن باديس، الذي طالما دعا إلى تعليم وتثقيف المرأة. هذا الوضع سهّل على صافية، كما قالت، ولوج عالم الشغل من بابه الواسع، والعمل في ورشة للطريق السيّار، لتكون المرأة الوحيدة، آنذاك، في هذه الورشة، حيث لم تلق صعوبات في محيطها العائلي، بقدر الصعوبات التي واجهتها، بادئ الأمر، في الورشة، خاصة من ذوي المستوى الثقافي المتدني، كما قالت، حيث لم يتقبلوا وجود امرأة بينهم تشرف على جانب من الأشغال، إلا أن وجود بعض زملائها القدامى في الورشة نفسها، ودعمهم لها في كل مرة، مكنها من فرض شخصيتها واحترامها. ''أعمل مثلي مثل الرجال''، تقول صافية، ورغم أن العمل صعب وشاق كما قالت، إلا أنها تتنقل بين المخبر والورشة لمراقبة نوعية المواد المستعملة في إنجاز شطر الطريق السيّار وفقا للمعايير الدولية، مؤكدة أن الورشة مجال جيد للتعلم اليومي وصقل المعارف. السيدة بومعزة فمرة حرم بونقاب تتحدى الرجال في عالم.. الغابات قابلتنا السيد فمرة في مكتبها بمحافظة الغابات لقسنطينة، بكل حماس ونشاط، رغم أنها على بعد سنتين من التقاعد، متحدثة عن 13 سنة من الخدمة في مجال الغابات، معبّرة عن حبها الشديد لهذا العمل الذي سمح لها باحتضان الطبيعة بخيراتها ومخاطرها. ذكرت محدثتنا، وهي مهندسة غابات تشغل منصب ''مفتش رئيسي للغابات''، أن عملها ذو شقين: مكتبي وميداني، إلا أنها، كما قالت، تفضّل العمل الميداني في مجال مراقبة الأشغال، فتح المسالك، التنقيب عن مصادر المياه، التشجير الوقوف على مشاريع التنمية الجوارية وغيرها. وقد خاضت هذه السيدة في هذا الميدان، جنبا إلى جنب، مع أخيها الرجل، دون أن تبالي بالمخاطر، ودون أن تكبحها العراقيل العملية أو الاجتماعية، رغم أن البدايات كانت صعبة بالنسبة لها، كما قالت، خاصة أن النساء لا يعملن في هذا المجال الذي يضطر من يخوض فيه لمجابهة مخاطر الغابات بشتى أنواعها، مؤكدة أن محيطها كان ينظر إليها بشيء من الاستغراب والاستنكار، خاصة الزملاء في العمل، حيث كانوا ''يضحكون عليها''، ويظنونها غير قادرة على مجابهة قدراتهم. لم تخف السيدة فمرة المخاوف التي انتابتها في فترة التسعينيات، إلا أن شجاعتها وقوة شخصيتها وحبها لعملها، إلى جانب تفهم ومساندة زوجها لها، جعلها تتجاوز الطرق المقطوعة، ''الكازمات''، الحيوانات المفترسة، مؤكدة أنها إن خيرت مرة أخرى ستختار عملها في مجال الغابات، وأنها كانت تتمنى لو توجهت ابنتها اتجاهها نفسه، إلا أن هذه الأخيرة لديها توجهات أخرى. في آخر حديثنا معها أرادت قمرة، التي تعتزم الخوض في جمعية خيرية لخدمة الوطن والمواطنين بعد تقاعدها، إعطاء نصيحة صادقة من أم لكل امرأة جزائرية، مهما كان مجال عملها، أن تكون عفيفة صادقة ومجاهدة للرقي بهذا المجتمع. سهام محمد أوسعيد.. المرأة التي تحدّت فبرهنت صاحبت دراجتها ودرّبت 10 دفعات في قيادتها من رجال الشرطة تعدّ واحدة من بين 20 راكبة للدراجات النارية في الجزائر، من اللواتي تخرجن على يد جهاز الشرطة، والمرأة الوحيدة المتواجدة ضمن فرقة دراجي أمن قسنطينة، التي أظهرت تحكّمها بوسيلة عملها التي تقودها لمدة تقارب ال10 سنوات. التحقت عون الشرطة درّاج ''إناث''، سهام محمد أوسعيد، بسلك الأمن كشرطية عادية، لتحوّل اختصاصها إلى قيادة الدراجات النارية ذات الحجم الكبير، بعد عملية انتقائها واختيارها التي كانت وفق معايير محددة، خضعت على إثرها لتربّص دام 8 أشهر، حيث سمحت لها ثقتها بنفسها أن تثبت جدارتها، معتبرة الانتقال تحديا لنساء الشرطة، حيث برهنت فيه عن قدراتها، خاصة وأنه اختصاص كان حكرا على الرجال منذ الاستقلال. وأكدت المتحدثة أن الدراجة النارية تحولت إلى صديقتها، بالرغم من أن بداية الاحتكاك بها، خاصة في مرحلة التدريبات، كانت صعبة نظرا لحجمها وكيفية قيادتها، إلا أن الميدان مكّنها من ترويضها وتذويب مصاعبها، بصنع علاقة حميمة معها، كاشفة، في سياق الحديث، أنها تزاول المهام نفسها المناطة بالشرطي راكب الدراجة النارية، سواء في مسايرة المواكب الرسمية أو لتسهيل حركة المرور، أو عن طريق التنقل على جناح السرعة إلى عدة أماكن، بما فيها الطريق السيّار في حال وقوع حوادث مرور بشعار ''الوقاية قبل الردع''. وقد أبدت سهام استعدادها للتحدي في مجالات صعبة أخرى داخل قطاع الشرطة، والمساعدة في حال خلق فرقة نسوية خاصة بعاصمة الشرق، باعتبارها مدربة تخرّجت على يدها 10 دفعات لراكبي الدراجات النارية ''ذكور''، من الحجمين الكبير والصغير، بالمدرسة الوطنية التطبيقية بالصومعة، وقد سبق وأن أكدت حضورها في رالي 2005 باسم جهاز الشرطة، الذي انطلق من العاصمة إلى الجلفة، مسجلة بذلك أول مشاركة نسوية وطنية تقود دراجة نارية في رالي. قسنطينة: وردة نوري