جاء هذا القانون في قوله تعالى: {تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} القصص:83، وفي قوله تعالى: {... إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} الأعراف:128، وفي قوله تعالى: {... فَاصْبِر إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} هود:49، ومعنى أنّ العاقبة للمتّقين: أيّ أنّ حالة الفلاح والنّجاح، الّتي تستقر وتستمر، هي لمَن اتّقى الله تعالى، وغيرهم - وإن حصل لهم بعض الظّهور والنّفوذ - فإنّه لا يطول وقته، ويزول عن قريب. وهذا حكمٌ عام يشمل حال الدّنيا وحال الآخرة. وحال الآخرة أمره بيّن، وقد أكّدته آيات عدّة كقوله عزّ شأنه: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ}، {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}، ولكن حال الدّنيا هو الّذي يلتبس على كثير من النّاس، حيث يرون أهل الفسوق والفجور ظاهرين، بل الكفرة الملحدين مسيطرين، فتدخلهم الوساوس ويظنّون بالله الظّنون! وهذا حال أغلب المسلمين اليوم في نظرتهم لسيطرة الحضارة الغربية بانبهار، متناسين هذا القانون الربّانيّ، وفي نظرتهم لاستشراء الضعف والفساد بين المسلمين بيأس، متناسين هذا القانون القرآنيّ، ولا أجد أفضل من الإمام ابن باديس – عليه شآبيب الرّحمة - يؤكّد هذا القانون ويردّ هذا الوهم، حيث يقول في تفسير آية {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} الأنبياء: 105، [رأى بعض النّاس المدنية الغربية المسيطرة اليوم على الأرض - وهي مدنية مادية في نهجها وغايتها ونتائجها، فالقوّة عندها فوق الحقّ والعدل والرّحمة والإحسان - فقالوا: إنّ رجال هذه المدينة هم الصّالحون الّذين وعدهم الله بإرث الأرض، وزعموا أنّ المراد ب﴿الصّالحون﴾ في الآية: الصّالحون لعمارة الأرض. فيالله للقرآن، وللإنسان، من هذا التحريف السّخيف! كأنّ عمارة الأرض هي كلّ شيء؛ ولو ضلّت العقائد، وفسدت الأخلاق، واعوجّت الأعمال وساءت الأحوال، وعذّبت الإنسانية بالأزمات الخانقة، وروّعَت بالفتن والحروب المخرّبة الجارفة، وهدّدت بأعظم حرب تأتي على الإنسانية من أصلها والمدنية من أساسها. هذه هي بلايا الإنسانية الّتي يشكو منها أبناء هذه المدنية المادية الّتي عمرت الأرض وأفسدت الإنسان، ثمّ يريد هذا المحرّف أن يطبّق عليها آية القرآن: كتاب الحقّ والعدل والرّحمة والإحسان، وإصلاح الإنسان ليصلح العمران. فعلى الأمم التي تريد أن تنال حظّها من هذا الوعد، أن تصلُح أنفسها الصّلاح الّذي بيّنه القرآن. فأمّا إذا لم يكن لها حظّ من ذلك الصّلاح، فلا حظّ لها من هذا الوعد؛ وإن دانت بالإسلام”. *إمام وأستاذ الشريعة بجامعة الجزائر