خشية الله عزّ وجلّ أساس التّقوى، والتّقوى جِماع الدّين كلّه. وهذه القاعدة الإيمانية تبيّن الصّفة الّتي يتّصف بها مَن يخشى الله، وهي صفة عظيمة لا يُلقّاها إلاّ ذو حظّ عظيم! نعم لا يخشى الله إلاّ مَن اتّصف بالعِلم بكلّ أبعاد هذه الكلمة وبكلّ مضامينها! العلم بالله وأسمائه وصفاته، والعلم بكتابه وشرعه، والعلم بخلقه وكونه. يقول الحقّ سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السّماء مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ الناس والدّوابّ والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العلماءُ إنّ اللهَ عزيزٌ غفور} وواضح من سياق الآيات أنّ العلم فيها بالخصوص المقصود منه العلم الكوني بالجبال والدّواب والأنعام والنّبات والجماد. ”فالعلماء هنا مقصودٌ بهم كُلّ عالم يقف على قضية كونية مَرْكوزة في الكون أو نزلتْ من المُكوِّن مباشرة. ولم يقصد الحقّ سبحانه بهذا القول علماء الدِّين فقط، فالمقصود هو كلّ عالم يبحث بحثًا ليستنبط به معلومًا من مجهول، ويُجلّي أسرار الله في خلقه”، ويقيم الحجّة عليهم. ومن لطائف هذه الآية الكريمة أنّ الله سبحانه ذكر اختلاف ألوان الثّمرات، واختلاف أنواع الجبال وتربتها، واختلاف البشر والأنعام والدواب ممّا هو مشاهد منظور توطئة لتقرير الحكم العام والقاعدة الحاسمة: {إنّما يخشَى اللهَ مِن عبادِه العُلماءُ}، أي إنّما يخشى اللهَ من البشر المختلفة ألوانهم العلماءُ منهم، ودلّ ذلك بالالتزام على أنّ غير العلماء لا تتأتّى منهم خشية الله. وفي ذلك إشارة إلى أنّ الإيمان أخ العلم؛ لأنّ كليهما نور ومعرفة حقّ، وأنّ الكفر أخ الضّلال؛ لأنّه والضّلال ظلمة وأوهام باطلة. فكلّ مَن كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله، الابتعاد عن المعاصي، والاستعداد للقاء مَن يخشاه، وهذا تنويه على فضيلة العلم الدّاعي إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته ورضاه، {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}. إنّ هذه الخشية لله، الّتي تقع في القلوب، وتستولي على المشاعر، لا تنشأ إلاّ عن علم بما لله من كمال وجلال، وقدرة وعظمة، وعلم وحكمة.. فمعرفة الله أوّلاً، ثمّ الخشية له ثانيًا..