يقول الله تعالى: “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً” النساء36. واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو، المحسن والمسيء، النافع والضار، والمواطن والغريب، والقريب وغير القريب، والأقرب داراً والأبعد، فهؤلاء جميعاً لهم حقوق الجار: ولكن على درجات متفاوتة.. روي عن علي أنه قال: “من سمع النداء فهو جار”، وقيل: “من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار”. وعن عائشة -رضي الله عنها- حد الجوار أربعون داراً من كل جانب. ورابطة الجوار من أهم الروابط الاجتماعية في الإسلام، ولقد اهتم الإسلام بها وأعلى شأنها، لأنه ما من إنسان إلا وله جار في مسكنه، أو مدرسته، أو عمله، أو في سفره وترحاله، وكل جار له جار آخر وهكذا. إذا حسنت العلاقة بين كل جار وجاره حسنت العلاقة بين جميع أفراد المجتمع، ومن ثم ينعم الجميع بالسعادة، يقول: “من سعادة المرء الجار الصالح والمركب الهنيء والمسكن الواسع”. إن الجار هو ألصق الناس بجاره: فخيره يعود عليه بالنفع أكثر من غيره، كما أن شره يكون أشد إيذاء له من غيره، وهو الحارس على أرواح وأعراض وأموال جاره، والمعين له عند الشدائد والملمات، وجار السوء على النقيض من ذلك فقد يكون مصدر الخطر الذي يهدد روح وعرض ومال جاره ولذا أمرنا النبي أن نتعوذ من جار السوء: “تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام، فإن جار البادية يتحول عنك”. كما أن الله تعالى يضاعف العقاب لمن يؤذي جاره لما فيه من الخيانة والتنكر فعن المقداد بن الأسود قال: قال رسول الله لأصحابه: “وما تقولون في الزنا؟”، قالوا: حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة، قال: فقال رسول الله “لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره”، قال: “ما تقولون في السرقة؟”، قالوا: حرمها الله ورسوله فهي حرام. قال: “لأن يسرق الرجل من عشرة بيوت أيسر له من أن يسرق من جاره”. ولقد جعل الإسلام للجار على جاره حقوقاً تشبه حقوق الأرحام على أرحامهم جاء ذلك في قوله: “مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”. إن حقوق الجار على جاره كثيرة ذكرت في كثير من النصوص الشرعية التي جاءت تحث على البر بالجار وتبين حقوقه: لكن أدنى درجات الإحسان إلى الجار أن يكف أذاه عنه وإن كان جاره مؤذياً له، أو فاسقاً فعليه أن ينصحه ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر حتى ولو كان كافراً.. يقول: “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله ؟، قال: “من لا يؤمن جاره بوائقه” ونفي الإيمان عمن يؤذي جيرانه مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار وأن الإضرار به من الكبائر. ولقد وردت هذه الحقوق مجموعة في بعض الأحاديث منها قوله: “… إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات شيعته، ولا تستطيل عليه بالبناء تحتجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذيه بقذار قدرك إلا أن تغرف له منها، وإذا اشتريت فاكهة فأَهدِ له ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده “. وعن أبي ذر قال: قال رسول الله: “يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك”. وعن أبي هريرة قال: كان النبي يقول: “يا نساء المسلمات لا تحتقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة”. وفرسن الشاة: حافرها. أي لا تحتقر أي شيء تهديه إليها ولو كان شيئاً لا قيمة له ولا ينتفع به. وعن عبد الله بن عمر قال: لغلام له كان يسلخ له شاة: يا غلام: إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي-حتى قال ذلك مراراً- فقال: كم تقول هذا ؟ فقال: إن رسول الله لم يزل يوصينا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه”. وعن أنس قال: قال رسول الله: “ما آمن من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم”. قال الإمام الغزالي “... وجملة حقوق الجار أن يبدأه بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر السؤال عن حاله، ويعوده في المرض ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر المشاركة في السرور معه، ويصفح عن زلاته، ولا يتطلع إلى عوراته ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره، ولا يصب الماء أمام داره، ولا يضيق طريقه، ويستر ما ينكشف له من عوراته وأخطائه، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ويغض بصره عن حريمه ولا يديم النظر في خصوصياته ويتلطف مع أولاده في الكلام ويرشدهم إلى ما يجهلونه من أمور الدين”. أستاذ جامعي بالإمارات