تزامنت وفاة رئيس المجلس الدستوري، مراد مدلسي، مع ظرف شديد الحساسية تتركز فيه كل الأنظار على هذه الهيئة الدستورية العليا، ما يجعل أمر استخلافه ضرورة ملحة في أقرب وقت. ويضطلع المجلس الدستوري ورئيسه في الانتخابات الرئاسية بدور محوري، وفق ما تحدده مواد الدستور والقانون العضوي للانتخابات. أسندت رئاسة المجلس الدستوري، بعد الإعلان عن وفاة رئيسه مراد مدلسي، إلى نائبه محمد حبشي مؤقتا، وذلك بعد إجراء المجلس مداولة لإثبات شغور المنصب. وتضبط مختلف النصوص القانونية بدقة عملية استخلاف رئيس المجلس الدستوري في حال الوفاة أو حصول المانع الصحي، حيث تشير المادة 5 من القانون الخاص بتنظيم المجلس الدستوري إلى ما يلي: "يترتب على وفاة رئيس المجلس الدستوري أو استقالته أو حصول مانع دائم له إجراء المجلس الدستوري مداولة برئاسة نائب الرئيس أو في حالة حصول مانع لهذا الأخير العضو الأكبر سنّا، وتبلغ نسخة منها إلى رئيس الجمهورية. وفي هذه الحالة، يتولى نائب الرئيس رئاسة المجلس الدستوري بالنيابة إلى غاية تعيين رئيس جديد". ولا يجب أن تستمر مدة الرئاسة المؤقتة أكثر من 15 يوما، إذ يتعين على رئيس الجمهورية أن يعين خليفته خلال هذه الآجال. وتشير المادة 6 من القانون نفسه المؤرخ في 16 جويلية 2016 في هذا الشأن إلى ما يلي: "يتم تجديد أو استخلاف رئيس المجلس الدستوري خلال الخمسة عشر (15 يوما) التي تسبق انتهاء العضوية أو التي تعقب التبليغ المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 5 أعلاه". وعلى رئيس المجلس الدستوري الجديد الذي عينه الرئيس أن يشرع في أداء مهامه بعد مرور يوم كامل على تاريخ تنصيبه، وفق ما تنص عليه المادة 4 من القانون نفسه. وبالإسقاط على الفترة الانتخابية الحالية، فإن نصاب المجلس الدستوري سيكون مكتملا قبل فترة نهاية إيداع الترشيحات التي ستكتمل يوم 3 مارس المقبل، وهي مساحة زمنية كافية لتعيين الرئيس الجديد وفق ما يقتضيه القانون، بما يتفادى أي تعطيل قانوني لعمل المجلس في هذا الظرف الحساس. ووفق المادة 141 من القانون العضوي للانتخابات، فإن المجلس الدستوري يفصل في صحة الترشيحات لرئاسة الجمهورية بقرار في أجل أقصاه عشرة (10) أيام كاملة من تاريخ إيداع التصريح بالترشح، ويبلّغ قرار المجلس الدستوري إلى المعني فور صدوه، وينشر في الجريدة الرسمية. وتُطرح، حاليا، مجموعة من الأسماء على طاولة رئاسة الجمهورية لعملية استخلاف مدلسي التي ستتم قريبا جدا. وكان الفقيد يعاني في أيامه الأخيرة من مرض عضال، وهو سبب كاف يجعل أصحاب القرار متحسبين لأمر خلافته. ومن بين أكثر المرشحين لخلافة مدلسي نائبه محمد حبشي الذي عينه الرئيس بوتفليقة وفق أحكام الدستور أيضا بمرسوم دستوري لمدة 8 سنوات. ويعد حبشي من مهندسي التعديلات الدستورية في 2008 (فتح العهدات أمام الرئيس للترشح لعهدة ثالثة) و2016 التي أضافت عدة مواد للدستور وكرست ترسيم الأمازيغية كلغة رسمية ووطنية. ومن بين الأسماء المرشحة كذلك، وزير العدل الحالي، الطيب لوح، الذي يعتبر من المقربين لمحيط الرئيس بوتفليقة وأحد أكثر الأوفياء للرئيس. كما يطرح أيضا اسم الطيب بلعيز، وزير الداخلية السابق والمستشار الحالي برئاسة الجمهورية، لخلافة مدلسي أيضا. ويمكن اللجوء أيضا لخدمات أحمد النوي الذي مكث أكثر من 19 سنة على رأس الأمانة العامة للحكومة ويعتبر من أكثر الإداريين تعميرا في المنصب. وروعي في تعيين رئيس المجلس الدستوري، في السنوات الأخيرة، معيار الولاء لرئيس الجمهورية، حيث تم اختيار الشخصيات بعناية فائقة، على غرار بوعلام بسايح الذي خلفه الطيب بلعيز لفترة قصيرة ثم مراد مدلسي الذي تولى المنصب في 15 سبتمبر 2013. وسيّر مدلسي الفترة الحرجة التي ارتفعت فيها أصوات المعارضة بتطبيق المادة التي تثبت المانع الصحي على رئيس الجمهورية في الدستور، ثم أشرف على الانتخابات الرئاسية ل2014 التي فاز بها الرئيس بوتفليقة. وواجهت مدلسي انتقادات لاذعة من تنسيقية الانتقال الديمقراطي (تكتل للمعارضة) التي اعتبرت أن ترشح الرئيس بوتفليقة غير دستوري. ويعطي الدستور مكانة رفيعة لرئيس المجلس الدستوري، إذ يعد نظريا الشخصية الثالثة في الدولة ويمكنه تولي رئاسة الدولة في حال عجز أو وفاة رئيس مجلس الأمة الذي يخلف الرئيس في حال الوفاة أو العجز أيضا، وفق نص المادة 102 من الدستور الحالي. كما يعطي الدستور صلاحيات استشارية لرئيس المجلس الدستوري في حال إعلان الحرب أو حل المجلس الشعبي الوطني أو إعلان حالة الطوارئ.