يعول رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون كثيرا على قطاع الصناعات الخفيفة لإعادة بعث الاقتصاد الوطني من جديد، وهو ما يظهر جليا من خلال التصريحات التي أدلى بها الأسبوع الماضي خلال اللقاء الذي جمعه بمديري ومسؤولي بعض وسائل الإعلام الوطنية، حيث وجّه تعليمات جديدة للبنوك الوطنية العمومية لتركيز تمويلاتها على مشاريع المؤسسات الناشئة "ستارتب"، بعد أن ضاعت أموالها الطائلة من القروض الممنوحة لرجال أعمال النظام البوتفليقي. غير أن واقع البنوك اليوم لا يعكس طموحات رئيس الجمهورية، بعد أن تحوّلت إلى مجرد شبابيك لسحب وإيداع النقود، وأقلعت عن تمويل المشاريع الاستثمارية، في ظل حالة الهلع التي لا تزال تسيطر على موظفي المؤسسات المالية، بعد حملة الاعتقالات التي طالت عددا من إطاراتها ومديريها المشتبه فيهم، أو المدانين بتهم فساد وتبديد المال العام. وكان الرئيس المدير العام السابق للقرض الشعبي الجزائري عمر بودياب، ثم خليفته في المنصب عبدو عاشور، الذي كان يشغل منصب الرئيس المدير العام للبنك الوطني الجزائري السابق، أول من دفعا فاتورة الولاء لرجالات السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد أن قرر قاضي التحقيق لمحكمة سيدي امحمد الزج بهم في سجن الحراش. قالت مصادر مطلعة في تصريح ل "الخبر" إن عودة نشاط لجان القروض، بعد غياب دام أشهرا عديدة، يرجع بالدرجة الأولى إلى تكليفهم من طرف الحكومة السابقة بمرافقة المؤسسات الوطنية، ما بعث نوعا من الطمأنينة في أوساط الموظفين، الذين لا يزالون يتوخون "الحذر" أكثر مما مضى ويدققون في دراسة جميع ملفات القروض المطروحة عليهم. على صعيد آخر، كشفت المصادر ذاتها عن تسطير برنامج لمرافقة الشركات الكبرى الناشطة في القطاعات الإستراتيجية، مثل مصنع "الحجار" للحديد والصلب، والشركات الوطنية العمومية الأخرى، إلى جانب المؤسسات الناشئة "ستارتب" وغيرها ممن أوكلت مهمة مرافقتها للبنوك الوطنية الكبرى، وذلك تجسيدا للتعليمات التي أدلى بها رئيس الجمهورية خلال مجلس الوزراء الأخير. وترجح المصادر ذاتها أن تلجأ البنوك الوطنية إلى إعادة جدولة أخرى لديون المؤسسات العمومية لإنقاذها من إفلاس محتوم، مع مرافقتها بتمويلات إضافية لإعادة بعث نشاطها كخيار لا بديل ثاني له. وتبقى بذلك البنوك الوطنية رهينة السياسات الاجتماعية التي لجأت إليها الحكومات المتعاقبة لامتصاص غضب الطبقة العمالية وتهدئة الجبهة الشعبية. من جهة أخرى، أكدت المصادر ذاتها استمرار البنوك الوطنية في إقصاء الشركات التابعة لرجال الأعمال المدانين في قضايا فساد من تعاملاتها المالية، رغم تعيين متصرفين إداريين من طرف الدولة لتسييرها، حيث توقفت البنوك الوطنية عن تمويل مشاريعها المجمدة بقرارات من الحكومة السابقة، وامتنعت عن منحها قروضا أخرى للخروج من أزمتها المالية، ما يدفع بها على المدى القريب إلى غلق أبوابها وتسريح ما تبقّى من عمالها.