سمحت عمليات تطهير شبكات الصرف الصحي، التي قام بها أعوان الديوان الوطني للتطهير «أونا»، تحسبا لعيد الأضحى المبارك، برفع آلاف الأطنان من النفايات الصلبة، وذلك بسبب إهمال بعض المواطنين، وكذا بعض المقاولين الذين تسند إليهم مهمة تعبيد الطرقات أو إتمام أشغال التهيئة الخارجية، حيث أكد رئيس قسم تسيير شبكات التطهير، لحلاح صالح، ل»المساء» بأن الاعتداءات المتكررة على شبكات الصرف الصحي هي السبب الرئيسي في حدوث الفيضانات، مشيرا إلى أن أعوان الصيانة غالبا ما يجدون صعوبة في إيجاد مدخل لشبكات الصرف الصحي بسبب تعبيد الطرقات أو توسيع الأرصفة من دون إعلام مصالح الديوان الوطني للتطهير. وحسب تصريح رئيس قسم شبكات التطهير بالديوان الوطني للتطهير، فإن أعوان الديوان يشتغلون في ظروف جد قاسية بالنظر إلى حجم الأخطار التي تهددهم خلال عمليات تنظيف المجاري، مشيرا إلى أن عملية تطهير 53 ألف كيلومتر من شبكات التطهير، التي تجمع في غالبيتها مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي وتمر عبر 1125 بلدية، «جعلتنا نكتشف أن مجاري الصرف الصحي بالنسبة للعديد من المواطنين مصنفة على أساس أنها مفرغات عمومية لمختلف أنواع النفايات، الصلبة والسائلة، وذلك بالنظر لما يكتشفه الأعوان خلال عمليات التنظيف». وكشف محدثنا، في سياق متصل، بأن النفايات الصلبة التي تلقى في المجاري المائية تتنوع بين الألبسة والأفرشة وهياكل الثلاجات والسيارات والشاحنات، مضيفا بأن «هناك من دفن كلبه بالمجاري، ومن تخلص من بقرة أو كبش العيد داخلها»، بالإضافة إلى ردوم البنايات والأشغال العمومية، «وهي كلها نفايات تهدد السير الحسن لعملية صرف المياه وتخلف فيضانات كبيرة عند تساقط الأمطار». الروائح الكريهة والرغوة البيضاء دليل على وجود مياه سامة بمحطة التطهير كما لا يتوانى العديد من أصحاب المطاعم، حسب السيد لحلاح، في التخلص من بقايا الأكل وزيوت القلي في المجاري، وهو نفس مصير زيوت تشحيم السيارات ومختلف النفايات الصناعية السائلة، مشيرا إلى أن الطبيعة القانونية للديوان الوطني للتطهير لا تسمح له بردع المخالفين. ويكتفي الديوان ضمن مهامه، حسب محدثنا، بإعلام مديريات الري بالاعطاب التي تلحق ب148 محطة لمعالجة وتطهير المياه، لافتا إلى أن من ضمن الظواهر التي تلحق بهذه المحطات ظهور روائح كريهة ورغوة بيضاء فوق أحواض معالجة المياه، نتيجة لتدفق نفايات صناعية سامة، «ناهيك عن انتزاع براغيث وتوقف بعض معدات المعالجة بالمحطة بسبب الزيوت، وهي الاعطاب التي تكلف الديوان أموالا إضافية للصيانة والترميم». ورغم وجود قانون، يجبر المؤسسات الصناعية على تحليل عينات من النفايات السائلة لإعلام مديريات الري بنوعية المواد السامة، مع تدعيم الوحدة الصناعية بمحطة مصغرة لتطهير المياه في مرحلة أولي قبل توجيه النفايات السائلة لمجاري الصرف، إلا أن العديد من المؤسسات حسب السيد لحلاح، لا تحترم هذا القانون في ظل غياب الرقابة والردع. وإذ أرجع سبب ارتفاع حالات الاعتداءات على شبكات الصرف الصحي ومحطات معالجة المياه إلى غياب هيئة رقابية متخصصة في مجال إنتاج وتطهير المياه، أوضح ممثل «أونا» بأن شرطة المياه هي الهيئة الوحيدة التي ستكون لها كل الصلاحيات للتدخل وردع المخالفين، مشيرا إلى أن الديوان لم يتم إلى غاية اليوم تعويضه من طرف المعتدين على أملاكه، في وقت هو مطالب بتقديم خدمة عمومية ذات نوعية والسهر على حماية المدن والأحياء من الفيضانات. ومن بين المؤسسات الأكثر تلويثا للمجاري المائية التي تهدد سلامة عمل معدات محطات التطهير، ذكر المتحدث، المذابح القديمة التي يلجأ مسيروها إلى التخلص من الفضلات السائلة الناتجة عن عمليات النحر بمجاري الصرف الصحي، «ما يترك لونا أحمر على كل المياه المطهرة بالمحطة، مع العلم بأن هذه المياه توجه بعد انتهاء عمليات التطهير إلى الأودية، ومنها إلى البحر مباشرة». ودعا لحلاح في هذا الصدد إلى ضرورة إرغام المؤسسات المسيرة للمذابح على اقتناء محطات مصغرة لمعالجة المياه، من منطلق أن عملية التطهير بالمحطات التابعة للديوان لا يمكنها في أي حال من الأحوال معالجة كل نوع من النفايات السائلة لوحدها. وردا على سؤال «المساء» بخصوص خطورة اعتماد نظام الصرف الصحي الفردي، المتعلق بالتخلص من مياه الصرف المنزلي في مطمورات يتم إنجازها من طرف الأفراد، أكد لحلاح أن نظام الصرف الصحي الفردي معتمد من طرف كل دول العالم، بشرط أن تكون المطمورة منجزة وفق المعايير التقنية المعتمدة وبحضور ممثلين عن الديوان الوطني للتطهير، «غير أن غياب التنسيق ما بين السلطات المحلية والمديريات الجهوية للديوان، جعلت عدد من أصحاب السكنات الفردية داخل المحيطات الحضرية أو في الريف يضطرون إلى انجاز مطمورات عشوائية من دون احترام الشروط، بسبب عدم إعلام السلطات المحلية لمديريات الديوان عند تسليم رخص البناء الفردي». وأضاف المتحدث في نفس السياق بأنه أن «هناك من يرفض دفع مبلغ 15 ألف دينار، الذي يمثل تكلفة ربط منزله بالشبكة العمومية للتطهير، عندما تكون قريبة من المسكن»، لافتا إلى أن الديوان الوطني للتطهير وقصد التحكم في هذه المطمورات أنشأ فرعا خاصا أسندت له عملية تنظيف المطمورات بطلب من المعنيين وذلك لضمان عدم تأثيرها على المحيط والمياه الجوفية. 15 محطة تطهير مشبعة و25 بالمائة من الشبكة مهترئة على صعيد آخر، اعترف لحلاح بأن مصالح الديوان الوطني للتطهير تحصي اليوم تشبع 15 محطة لمعالجة مياه الصرف، ما يمثل 25 بالمائة من طاقات معالجة هذه المياه، مشيرا إلى أن الديوان يجد نفسه مضطرا أمام هذه الوضعية إلى تحويل مياه الصرف بدون معالجة إلى الأودية، في انتظار انتهاء أشغال الترميم والصيانة. وقصد استدراك الأمر بالنسبة للمحطات الجديدة، والتي تم إنشائها منذ سنة 2000، فقد تم الأخذ بعين الاعتبار التوسع العمراني للمدن، حيث يتم تهيئة مساحات لتوسيع طاقات استعاب المحطة. أما فيما يخص شبكات الصرف الصحي المهترئة والتي أصحبت لا تستوعب الكم الهائل من المياه الموجهة إليها، أكد لحلاح أن الديوان شرع منذ سنة 2010 في العمل وفق نظام معلوماتي جغرافي جديد لتحديد طاقات كل شبكة ومسارها، مشيرا إلى أن البيانات التي تم جمعها في هذا النظام تشمل كل الشبكات الجديدة وكذا تلك التي تم ترميمها وصيانتها منذ التاريخ المذكور، في حين لا يزال العمل قائما لتحديد وضعية الشبكات القديمة التي تمثل 25 بالمائة من طول شبكة الصرف الصحي، على أن يتم تخصيص غلاف مالي مستقبلا لتجديدها والرفع من طاقة استيعابها . وقصد الحد من حالات سرقة أغطية البالوعات (لإعادة بيعها)، أشار ممثل الديوان إلى اقتراح اقتناء اغطية عصرية يصعب سرقتها، على أن يتم عما قريب إطلاق أشغال رفع البالوعات عن مستوى الأرض لضمان عدم غلقها من طرف المقاولين المكلفين بتعبيد الطرقات وتهيئة الأرضيات .