تمكنت الجزائر مجددا من كسب الرهان ونجحت بامتياز في تنظيم الطبعة 24 للبطولة العربية لألعاب القوى، وهي المنافسة التي استضافتها مدينة وهران، على مدى خمسة أيام، بمشاركة 160 رياضي، مثلوا 12 بلدا عربيا في أجواء رائعة ملؤها المحبة، بالتقاء الأشقاء العرب على أرض الخير، خير الودّ والتنافس الرياضي النزيه. برهنت وهران مجددا بأنها قطب رياضي بامتياز وقبلة لاحتضان المنافسات الدولية في جميع الاختصاصات الرياضية، وبتأكيد ضيوفها من مسؤولين ورؤساء وفود ورياضيين ومرافقيهم، واستغلت كما يجب الفرصة المتجددة التي منحت لها، للبرهنة بأن تنظيم البطولة العربية لألعاب القوى، ليس مجرد منافسة رياضية وحسب بل جسرا لتوطيد أواصر الأخوة العربية، فضلا عن تأكيد قدراتها على احتضان التظاهرات الرياضية الكبرى، ولنا في الطبعة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 2022، وجزء هام من الطبعة 15 للألعاب العربية عام 2023، أمثلة واضحة على ذلك . وقد استفادت مدينة الباهية كثيرا من التجارب التي راكمتها من احتضانها لهذين الحدثين الرياضيين الهامين، ومواعيد أخرى لا تقل أهمية عنهما، وكذا البنية التحتية الرائعة والهياكل الرياضية والفندقية الجيدة، وخاصة ملعب المركب الأولمبي "هدفي ميلود"، الذي يتوفر على مضمار مصنف الخامس عالميا، وتجهيزات متطورة، ومنظومة إنارة ممتازة، تمنح فرصة إقامة النشاطات الرياضية ليلا، وبالتالي إخراج بطولة ألعاب القوى في أحسن صورة، رضي بها الضيوف قبل المنظمين. وقد بذلت الاتحادية الجزائرية لألعاب القوى جهودا كبيرة، واستعدت من كافة الجوانب، مدعومة من قبل الدولة الجزائرية ممثلة في وزارة الرياضة، والسلطات المحلية واللجنة الأولمبية والرياضية الجزائرية لإنجاح العرس الرياضي العربي، وتقديم صورة تشرّف الجزائر كالعادة، وكان التفاؤل كبيرا ببلوغ المراد لتعدد تجارب التنظيم الناجحة في مدينة وهران، وكذا قدوم المنتخبات العربية المشاركة على وهران بنخبة من العدائين المميزين، ما أشعل التنافس الشديد فوق مضمار ملعب ّ"هدفي ميلود"، طوال أيام البطولة وخاصة الختامية منها. إشادة عربية واسعة وباسنبل يهنئ الجزائر ولم يكن غريبا ولا مفاجئا إشادة مسؤولي الاتحاد العربي لألعاب القوى والوفود العربية المشاركة في البطولة 24، بجودة التنظيم، الذي ميزه التنسيق المحكم بين مختلف اللجان المنظمة، وتسخير كل الإمكانات، وتقديم التسهيلات اللازمة، وخصوصا على مستوى المركب الأولمبي "هدفي ميلود"، الذي أصبح معلما رياضيا من الطراز الأول، ويأتي في مقدمة المشيدين ماجد باسنبل الأمين العام للاتحاد العربي لألعاب القوى، الذي قال في هذا الشأن: "الجزائر في طريقها لفرض نفسها على الساحة الرياضية العالمية، بامتلاكها لمنشآت رياضية عالية المستوى، تستطيع بها احتضان منافسات دولية وعالمية". "المركب الرياضي " هدفي ميلود " بوهران مفخرة للجزائر بمعاييره الدولية، وبمضمار ملعبه وبالقرية المتوسطية من أجل إيواء الرياضيين "، وأضاف : "أؤكد أن هذه الطبعة من البطولة العربية الأحسن خلال السنوات الماضية، والجزائر بتنظيمها بطريقة مشرّفة واحترافية هذه المنافسة العربية، اكتسبت تجربة جديدة". من جانبه، أبدى طلال منصور عبد الله رئيس الوفد القطري، إعجابه بالتنظيم المحكم للبطولة العربية، التي قال عنها بأنها فرصة لا تعوض لالتقاء الإخوة العرب، وأضاف: "أشكر الجزائر على هذا التنظيم المحترف، وعلى كرم الضيافة، وحرارة الترحيب في كل مكان في مدينة وهران، نحن سعداء بالمشاركة في هذه البطولة، لأن الرياضة هي التي تجمعنا، وأدعو كل الدول العربية لزيارة هذا البلد للتعرف على ثقافته الغنية". كما أشاد المندوب الفني للاتحاد العربي، الطاهر ريغي، بالأجواء التي وقف عندها من حسن تنظيم، وتسهيلات تسمح لأعضاء الاتحاد بتأدية مهامهم في أحسن حال، وقال أيضا :"بطولة ناجحة تنظيميا، المنظمون وفروا كل الإمكانات اللازمة حتى تقام البطولة في أحسن الظروف، وهو ما كان وهذا ما ساعد الرياضيين على تحقيق نتائج جيدة، وتحطيم أرقام عربية وأخرى للاتحادات الوطنية ،وشخصية "، وسار علي عبد السلام عبد الكريم رئيس الوفد الليبي في ركب المشيدين بجودة التنظيم، وحسن الاستقبال، معتبرا البطولة مناسبة لتمتين أواصر الأخوة بين الدول العربية، وفرصة لإبراز المواهب الرياضية الشابة. وهران قبلة ألعاب القوى الدولية ستواصل مدينة وهران استقطابها للمواعيد الدولية الهامة، حيث ستستضيف أحداثا رياضية هامة، كالتجمع الدولي لألعاب القوى يوم 28جوان المقبل، والذي ينتظر أن يشارك فيه أبرز العدائين الأفارقة والدوليين، واجتماع مجلس الكنفدرالية الإفريقية، يليه المؤتمر الإفريقي للكنفدرالية الرياضية، فالبطولة الإفريقية لأقل من 18 و 23 سنة شهر جويلية القادم. لوعيل: نجاح الجزائر سيتكرر في الملتقى الدولي أكد ياسين لوعيل رئيس الاتحادية الجزائرية لألعاب القوى، أن نجاح مدينة وهران في تنظيم الطبعة 24 للبطولة العربية لألعاب القوى كان منتظرا، معتبرا هذا النجاح خطوة لتعزيز مكانة الجزائر على الصعيدين التنظيمي والرياضي، وقال عن ذلك :"نجاح البطولة العربية لألعاب القوى التي احتضنتها مدينة وهران، هو نجاح لبلدنا الجزائر، لقد عملنا من أجل إعطاء الصورة الحقيقية للجزائر، والمركب الأولمبي " هدفي ميلود" تحفة حقيقية، ويستجيب للمعايير الدولية، ويستطيع احتضان مواعيد رياضية كبرى، بالإضافة إلى القرية المتوسطية التي تتوفر على كل المرافق اللازمة والضرورية، وسيتجدد الموعد في وهران بمناسبة تنظيم الملتقى الدولي". لوعيل وحواس راضيان ويعدان بالمزيد تحدث ياسين لوعي رئيس الاتحادية الجزائرية لألعاب القوى مقيّما المشاركة الجزائرية فقال :"كل توقعاتنا بلغناها، وأهدافنا المسطرة تحققت، والمستوى الفني لهذه البطولة العربية كان أكثر من حسن بمشاركة عدائين محنكين من دول كمصر وتونس وجيبوتي، وطبعا من الجزائر ومنتخبات أخرى. العداؤون الجزائريون شرّفوا بلدهم، وأنا راض عن خرجات بعض عناصرنا الشابة". من جهته، قيّم المدير الفني الوطني إدريس حواس مشاركة النخبة الوطنية في وهران، فقال:"إحراز 18 ميدالية ذهبية، هي توقعات المديرية الفنية الوطنية في البطولة العربية، ونحمد الله على أن المنتخبات الوطنية كانت في المستوى، وما أعجبني هي روح المجموعة، والروح الأخوية داخل المنتخب الوطني بين كل العدائين والمدربين، وهذا ما سيعيد رياضة ألعاب القوى في الجزائر إلى سالف عهدها، الحمد لله، نحن راضون بالنتائج المحققة من قبل رياضيينا". الرهان القادم... بطولة العالم باليابان لا يختلف اثنان أن لكل منافسة دولية أهدافها الآنية والمستقبلية، وبالنسبة للاتحادية الجزائرية، فإن الهدف القادم، هو بطولة العالم، وموعد وهران كان للتتويج وكذلك محطة تحضيرية لبعض العناصر، في حين تركز أسماء أخرى تحضيراتها منذ مدة في الخارج كحال جمال سجاتي وسليمان مولى، الموجودين بجنوب إفريقيا، وإلى غاية نهاية شهر جوان القادم، والتحق بهما ياسر تريكي، كما سيمكن بعض رياضيينا المتألقين كهيثم شنيتف من مشاركاتهم في بعض الملتقيات والتجمعات الدولية، محطات إعدادية لبلوغ ذات الهدف، هذا دون إهمال أهمية المشاركة في الألعاب الإسلامية بالسعودية شهر أوت القادم، للبقاء دائما في الصفوف الأمامية. الجزائر تستعيد لقبها العربي وجيل جديد يرفع الرأس كان المنتخب الوطني الجزائري عند حسن الظن، وتوج باللقب العربي للمرة الخامسة في تاريخه، وبحصيلة قياسية وتاريخية، بلغت مجموع 53 ميدالية (18 ذهبية، 17 فضية، 18 برونزية). ومن قال بأن المنتخب الجزائري، استغل فرصة غياب بعض المنتخبات العربية، ليفرض منطقه على البطولة، فإن الجزائر غاب عنها قاطرة أبطالها جمال سجاتي وسليمان مولى، واعتزال شرابي هشام بسبب الإصابة، ورغم ذلك، أحرزت اللقب العربي، وللمرة الخامسة في تاريخها، واستحقته في طبعة وهران، كما استحقت ألقاب دورات الأردن 1983، والجزائر 1987 ومصر1989 والأردن 2003، في ظل وجود تلك المنتخبات الغائبة اليوم، وبأفضل ما كانت تملكه في ذخيرتها البشرية وقتذاك. وقد أجمع التقنيون والمسؤولون بالوفود العربية المشاركة في وهران، أن المنتخب الجزائري يستحق تتويجه العربي، وأن الجزائر تحتكم إلى خزان بشري ثري، يجمع بين المحنكين والمواهب الشابة الواعدة، وأن جيلا جديدا بدأ يطل برأسه، في عالم رياضة ألعاب القوى الجزائرية، وسيكون خير خلف لخير سلف، ولا مفاجآت في ذلك، مادام أن العمل القاعدي جار بصبر واحترافية، وهو ما انعكس على تطور بعض العناصر الشابة، التي زادت من تألقها، كصاحب ذهبية 800م، هيثم شنيتف البالغ من العمر 20 سنة، وبودومي شريف في اختصاص العشاري، والذي سجل رقما ممتازا بجمعه ل7501 نقطة، وهو مجموع محفز جدا، واستحق به الظفر بالميدالية الذهبية، ولعمراوي لؤي في القفز الطويل، وبن عياش آدم عبد القادر، ووابا ليتيسيا في القفز الثلاثي، وحسين طارق في القفز الطويل، وعبير رفاس التي حققت أحسن توقيت لها في سباق 1500م، بالإضافة إلى إنجاز عامر عبد النور الذي حقق رقما شخصيا في 20 كلم مشي بتوقيت 01سا و24 د و27 ج . لكن ورغم ذلك لابد من الإشارة إلى بعض النقائص الظاهرة، التي ينبغي معالجتها من قبل الفنيين الجزائريين، والعمل على بعث جيل جديد في اختصاص الرمي، خاصة لدى الرجال، فمثلا كانت الجزائر وإلى وقت ليس بالبعيد صاحبة الكلمة العليا في اختصاص رمي المطرقة عربيا وإفريقيا، لتتوارى إنجازاتها عن الأنظار في هذا الاختصاص، ولمصلحة المصريين فالقطريين، فالرقم القياسي الذي سجله الرياضي حكيم تومي ب74.76م، لا يزال صامدا منذ أكثر من 20 سنة، وحتى الذي خلفه سمير حوام لم يقدر على تحطيمه، والأمر سيان بالنسبة للقفز العالي الجزائري، الذي انعدم عطاؤه منذ اعتزال الرياضي الظاهرة بلفع، عكس اختصاص العشاري الذي يسير شريف بودومي بخطى ثابتة ليخلف سلفه العربي بورعدة. ارتياح وتفاؤل بمستقبل "أم الرياضات" العربية عبّر التقنيون والمسؤولون بالاتحاد العربي، والوفود العربية المشاركة في العموم عن ارتياحهم للمستوى الفني للبطولة، التي اقتحمتها المنتخبات بأهداف محددة، لكن بقاسم مشترك في التتويج والاحتكاك والتحضير. واستندت على ذخيرة بشرية جمعت بين الأسماء المتألقة المعروفة دوليا، والعناصر الشابة الواعدة، كحال المنتخب المصري، الذي شارك في البطولة ب15 رياضيا، وقال عنها مديره الفني الوطني محمد عبد الرؤوف :"نهدف إلى إعداد جيل جديد، قادر على تمثيل مصر في المواعيد الكبرى، لذا اخترنا إقحام مجموعة من الرياضيين الواعدين إلى جانب بعض العناصر المتألقة، من أجل الاحتكاك وجلب الخبرة". نفس الشيء، كشف عنه طلال منصور عبد الله رئيس الوفد القطري، الذي قال: " قدمنا ب17 رياضيا، وهدفنا من المشاركة في البطولة العربية بوهران، هو صقل مواهبنا الشابة، ومنحهم فرصة الاحتكاك، لأننا نؤمن أن مثل هذه البطولات هي حجر الأساس لصناعة أبطال المستقبل". وكما خطط له المشرفون القطريون، فقد فرض السالك عبد الرحمان المعروف ب"صامبا" نفسه، وهو ذائع الصيت أسيويا، وخطف رياضي القفز بالزانة الشاب علي حمدي علي الأضواء، أما علي عبد السلام عبد الكريم رئيس الوفد الليبي، فأكد صراحة أن هدف منتخبه، كان التتويج رغم قلة عدد ممثليه، وقال عن ذلك :" شاركنا في البطولة بعدائين اثنين، واحد في فئة الذكور، والآخر لدى الإناث، ودخلنا الحدث بطموحات كبيرة لتحقيق مفاجأة سارّة، تسعد ليبيا، والشعب الجزائري الشقيق، وهو ما كان بتتويج ممثلتنا ريتاج سالم السائح بميدالية ذهبية في رمي القرص، كانت ثمرة لجهودنا وتحضيراتنا ". بالنسبة للرياضيين، الذين بقدر ما همهم نيل الميداليات لتعزيز مراكز منتخباتهم في لائحة الترتيب، كانت أذهانهم مركزة على التحضير، على اعتبار أن البطولة العربية محطة هامة، لتحضير الاستحقاقات القادمة كالألعاب الإسلامية التي ستقام في شهر أوت المقبل بالسعودية، وخصوصا بطولة العالم في شهر سبتمبر القادم باليابان، خاصة وأن البطولة العربية برمجت في فترة التحضيرات لا المنافسات على حد تعبير عديد العدائين والعداءات المشاركين، الذين لم يفتهم الاجتهاد فوق المضمار، لتحقيق تلك الأهداف المسطرة، وكذا رغبتهم القوية في تحطيم أرقام قياسية، وإعادة بعث مشوارهم كالتونسي عيوني عبد السلام المختص في سباق 800م، الذي مر بظروف صعبة، أجبرته على التوقف عن التدريبات، قبل أن يعود مجددا لجو المنافسات بطموحات قوية، أما مواطنته ساعي إيمان صاحبة ذهبية 20كلم، والتي سجلت أحسن توقيت عالمي للأواسط هذه السنة، ورقما عربيا وتونسيا جديداب45د و39ثا و55ج، رغم أنها من صنف الأواسط، ويتوقع لها مدربها فتحي عيساوي مزيدا من التألق، وقد سبق لساعي البالغة من العمر 17 سنة المشاركة في بطولة العالم لصنفها. ونفس الشيء، حققه المصري رمضان بدوي يوسف، الذي حطم الرقم القياسي المصري في سباق 110متر حواجز بتوقيت 13ثا و48ج، والأكثر أنه انتصر على الجزائري أمين بوعناني صاحب ذهبية الألعاب المتوسطية الأخيرة بوهران ، والذي دخل ثالثا. وعموما، فإن المستوى الفني كان مقبولا إلى حد بعيد، خاصة في سباقات السرعة والتتابع خاصة في اليوم الأخير للبطولة، أما اختصاصات الرمي، فهي بحاجة إلى مزيد من العمل ليرتفع مستواها، والدليل في نتائج المطرقة (سيدات ) والرمح ( رجال ) والزانة ( رجال ) والوثب الطويل ( سيدات).