عاد الحديث عن غلاء المهور مجددا، بعد أن غاب منذ فترة، وكاد يختفي بولاية تندوف، فقد كان مهر البنت لا يتجاوز بعيرا وبضعة دراهم، وكانت البركة والخير العميم ينزل كالغيث على أهل العروسة والعريس، فطابت العشرة والوفاق وحسنت الأحوال وقلت المصائب، وتساوت فئات المجتمع واندثر التباهي، وقل الطلاق. ولعل حكمة وفراسة أهل تندوف وشيوخها منبثق من قول الرسول صلى الله عليه وسلم "أقلهن مهرا أكثرهن بركة". وبعد مرور الزمن، تغيرت الطباع والعقول، فسار التسابق على أشده في أحسن وأكبر مهر، حيث أصبح لا يطاق للكثير من الأسر ميسورة الحال، لما يحتويه من أموال وأثاث وذهب وغيره، وقد يفوق أحيانا 50 مليون سنتيم، وهو رقم خيالي بالنسبة للعائلات التي ترى فيه هدرا للمال ومدعاة للتباهي، فيما ترسو مهور بعض العائلات الأخرى على 300 ألف سنتيم. ومنذ سنوات خلت، اجتمع عقلاء تندوف من كل شرائح المجتمع، لتدارس ظاهرة غلاء المهور والتبذير الذي يرافق الأعراس عند البعض منهم، حيث تكثر الذبائح وتنتشر ظاهرة "زريق الفضة" في مكان الحفل، أي رمي المال على الراقصات، وما يصاحب ذلك من تنافس ومحو لمظاهر التكافل والتضامن الاجتماعيين. وقد حدد مجلس الشيوخ بتندوف، سقفا ثابتا لتحديد قيمة المهر، إذ لا تتجاوز 10 ملايين سنتيم، لخلق التساوي بين الأسر ومحو ظاهرة التباهي والتبذير، في ظل التفاوت الاجتماعي، غير أن هذا لم يدم طويلا، فسرعان ما عادت حليمة إلى عادتها القديمة. خلال السنوات الأخيرة، ومع بروز فعاليات المجتمع المدني، تم انتهاج أسلوب جديد للتقليل من المهور التي لم يعد الشباب قادرا عليها، من خلال الزواج الجماعي، وهو ما سعت إليه جمعية "الإرشاد والإصلاح" وجمعيات خيرية أخرى، بالتعاون مع ناس الخير، إذ يتم كل سنة تزويج ما يقارب من 10 إلى 20 شابا وشابة، في جو اجتماعي تطبعه المودة والأنس، وقد وجد الكثير من شباب المنطقة ضالتهم في هذا التوجه الاجتماعي، الهادف إلى تنظيم أسر اجتماعية متكاملة والقضاء التدريجي على ظاهرة العزوبية