بمؤسسة "عسلة" يقترح الفنان التشكيلي عدنان جفال معرضه الجديد "تجوال" ؛ تجربة تشكيلية تنفتح على الإنسان في بعده الوجودي والاجتماعي. وتطرح أسئلة حول حاضر العلاقات الإنسانية في زمن الفردانية والتكنولوجيا. المعرض الذي يضمّ أعمالا منفذة بتقنيات مختلفة من الأكريليك والزيتي والمختلط، يختزل رحلة فنية طويلة عاشها جفال بين التكوين الأكاديمي، والبحث الحرّ عن التعبير الذاتي. ينتمي الفنان عدنان جفال إلى الجيل الأوّل من خريجي المدرسة العليا للفنون الجميلة بعد دراسته في المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بوهران. تكوينه الأكاديمي المتين شكّل قاعدة لانطلاقه، لكنه لم يكن كافياً لإشباع توقه إلى الحرية. ويوضح في هذا السياق: "من درس الأكاديمية من الصعب أن يتحرّر منها، لكنّني رفقة زملائي استطعنا أن نخلق بصمتنا الخاصة"، لهذا جاءت مسيرته الفنية محاولة دائمة للتوفيق بين صرامة التكوين واندفاع التعبير الذاتي. الإنسان هو المحور المركزي في أعماله. شخوصه غالباً ما تبدو ممزّقة أو بلا أطراف عليا، كأنّها في حركة دائمة بين الذهاب والعودة. ويقول: "شخوصي حائرة وممزقة"، "لكنّها، في النهاية، تعكس ما يعيشه كلّ واحد منا". ورغم الطابع العنيف لبعض اللوحات، إلا أنّ الألوان الهادئة تحضر بقوّة، لتخلق مفارقة بين ما يظهر على السطح وما يختمر في العمق. ومنذ بداياته، تميّز جفال بصرامة تعبيرية، انعكست في ألوان قاتمة كالرمادي والأسود والأحمر اللافت. كان جيله ملتزما بالقضايا العادلة، متمرّدا على القوالب، ورسّاما لمواضيع صادمة. لكن عام 1994 شكّل منعطفا في مساره، حين نبّهته والدته الأمية ببساطة، إلى غياب الألوان البهية عن أعماله. لم يفهم ملاحظتها في حينها، لكنّه مع مرور الوقت عدها درسا فنيا كبيرا؛ "كان من الصعب أن أغيّر من الألوان العنيفة إلى الألوان الهادئة، لكني فعلت. ومنذ ذلك الوقت لم تعد لوحاتي كما كانت"، يعترف الفنان. ويرفض جفال التكرار في أعماله، ويرى أنّ كلّ لوحة هي رحلة جديدة، يجب أن تقدّم إضافة للمتلقي. لا يحضّر مواضيعه مسبقا، بل يرسم اللحظة كما يعيشها؛ "لو رضي الفنان بما يقدّمه فمن الأفضل أن يتوقّف عن العمل. كلّ تحفة تنادي أخرى"، يقول، مؤكّدا أنّ التحدي الأكبر هو تجاوز ما سبق. وبالنسبة له الرسم ليس مشروعا مختمرا، بل هو وليد اللحظة. ومع أنّ أعماله تتطرّق للعنف والهشاشة، إلاّ أن جفال يصرّ على أنّ رسالته إيجابية. يدفع المتلقي إلى التساؤل حول ما يحيط به، لكنّه يوجّهه في النهاية نحو الجانب المضيء. ويرى أنّ الخطر الأكبر اليوم يكمن في تراجع العلاقات الاجتماعية بسبب هيمنة التكنولوجيا والنزعة الفردانية" ؛ "دون علاقات اجتماعية لا يمكننا أن نفعل شيئا" ؛ يقول: "التكنولوجيا والمال مجرد وسائل، أما السعادة فهي في أن نشارك حياتنا مع من حولنا". وتأثّر جفال بأساتذته مسلي ومارتيناز. واستفاد من حريتهما في فتح الأفق أمام الطلاب. جيله كان جيلا شغوفا متمردا ملتزما بقضايا العدل، يرسم دون خوف، ويتعامل مع الفن كفعل وجودي قبل أن يكون مهنة. وبالنسبة له الفن ليس ترفا ولا انعزالا، بل وسيلة لبناء الجسور بين الناس؛ "الفنان ليس كائنا غريبا أو معزولا، بل يقوم بدور إنساني. الفن يهدّئ النفوس، وينقذ الأرواح. ربي خلق الاختلاف. وفي الاختلاف جمال. والفن هو الذي يهذّب النفوس، وينقذها من الضياع". معرض "تجوال" إذن ليس مجرد تجربة تشكيلية عابرة، بل محطة جديدة في رحلة بحث طويلة يخوضها عدنان جفال، بحث عن الذات والآخر، عن السعادة الممكنة، وعن الفن كوسيلة لمقاومة الانكسار والعزلة، والحث على بناء علاقات اجتماعية مهما كانت النتيجة. وفي هذا يقول مجددا: "أرى دائما الجانب الإيجابي للعلاقات الاجتماعية، وأتجاهل الجانب السلبي، خاصة أننا نعيش في جو من الفردانية؛ حيث أصبح الإنسان في غاية الأنانية، يميل بشكل فظيع الى العالم الافتراضي رغم أن التكنولوجيا لا تدفع بنا الى النجاح، مثلها مثل المال الذي لا يحقق لنا السعادة؛ ربما من خلال أعمالي هذه أحاول بث السعادة في المتلقي".