في خطوة فاجأت الأوساط السياسية بباريس، قدم رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو استقالته، أمس، بعد أقل من شهر من توليه المنصب و25 ساعة فقط من توزيع الحقائب الوزارية الرئيسية والتي لم تلق ترحيب الأحزاب، لا سيما حزب "الجمهوريون" اليميني الذي تحفظ على تعيين وزير الجيوش برونو لومير فيها، ما زاد من تصاعد الأزمة التي أدت إلى استقالته، ليكون بذلك أقصر عهد لرئيس وزراء في تاريخ فرنسا الحديث. برّر رئيس الوزراء الفرنسي ليكورنو أسباب استقالته بكونه لا يريد أن يكون رئيس وزراء عندما لا تستوفي الشروط، مضيفا أنه حاول بناء طريق مع الشركاء والنقابات للخروج من الانسداد الحاصل، غير أن الظروف لم تكن مناسبة لكي يصبح رئيسا للوزراء، كما عاتب الأحزاب السياسية التي لم تقدم تنازلات عن برامجها مقابل إصرارها على فرض شروطها. وواجه ليكورنو الذي عين في 9 سبتمبر الماضي انتقادات حادة من المعارضة واليمين، بعد الإعلان عن جزء من حكومته، في حين كان من المقرر أن يلقي بيان سياسته العامة أمام الجمعية الوطنية اليوم. وزادت استقالة رئيس الوزراء الفرنسي من تعقيد الأزمة السياسية في البلاد، التي دخلت في مستنقع يصعب الخروج منه، حيث يجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه أمام ثلاثة خيارات، إما استقالته شخصيا وهذا مستبعد حاليا على الأقل، أو حل الجمعية الوطنية والدعوة الى انتخابات مبكرة لن تضمن له في هذه الحالة غالبية نيابية، أو تكليف شخصية جديدة بتشكيل حكومة، ما لن يغير شيئا من الواقع السياسي، كون الكتلتين النيابيتين الوازنتين، من اليسار وأقصى اليمين، ستكونان بالمرصاد لأي حكومة لا تنفذ مطالبها. ويواجه ماكرون ضغوطا متزايدة لإجراء انتخابات مبكرة جديدة، غير أنه لا يزال يرفض الدعوات للاستقالة أو حل البرلمان قبل انتهاء ولايته في عام 2027. وتأتي استقالة سابع رئيس وزراء في عهد الرئيس ماكرون، بعد فشل سابقيه، فرانسوا بايرو وميشال بارنييه، في تمرير مشروع الموازنة وسط خلافات حادة مع البرلمان، فيما كان لوكورنو قد تعهد الأسبوع الماضي بمنح النواب فرصة التصويت على الموازنة بدلا من فرضها بمرسوم رئاسي، مثلما جرى في السنوات السابقة. وكان لوكورنو يستعد لتقديم ميزانية تقشفية للعام المقبل، أمام برلمان منقسم، في وقت بلغت فيه الديون العامة الفرنسية مستوى قياسي، لتصبح ثالث أعلى نسبة في الاتحاد الأوروبي بعد اليونان وإيطاليا، وبمعدل يقترب من ضعف السقف المسموح به في معايير الاتحاد الأوروبي. وفي ظل انفجار الأزمة مجدّدا، توقع جوردان بارديلا، زعيم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، إجراء انتخابات تشريعية جديدة قريبا، مؤكدا جاهزية حزبه لتولي الحكم، في إشارة إلى تنامي نفوذ اليمين المتطرّف قبل انتخابات الرئاسة 2027، فيما دعت زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبان إلى حل الجمعية الوطنية، معتبرة ذلك أمرا لا مفر منه. كما أشارت إلى أن استقالة الرئيس إيمانويل ماكرون ستكون قرارا حكيما، في حين قال وزير الداخلية المستقيل برونو روتايو إنه لا يشعر بأنه مسؤول عن سقوط سِباستيان لوكورنو وأنه من غير الوارد أن يوافق حزبه على رئيس وزراء من اليسار. وتعاني فرنسا من أزمة سياسية عميقة منذ أن جازف ماكرون بالدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة العام الماضي في مسعى لتعزيز سلطته، ولكن هذه الخطوة أدت إلى برلمان مشرذم بين 3 كتل نيابية متخاصمة.