رئيس الجمهورية يجدد التزامه بتحسين معيشة المواطنين عبر كافة ربوع الوطن    نشطاء أوروبيون يتظاهرون في بروكسل تنديدا بالإبادة الصهيونية في غزة    النرويج تنتقد صمت الدول الغربية تجاه جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة    تصفيات كأس العالم للإناث لأقل من 17 سنة: فتيات الخضر من اجل التدارك ورد الاعتبار    جمباز (كأس العالم): الجزائر حاضرة في موعد القاهرة بخمسة رياضيين    عرض الفيلم الوثائقي "الساورة, كنز طبيعي وثقافي" بالجزائر العاصمة    رئيس الجمهورية ينهي زيارته إلى بشار: مشاريع استراتيجية تعكس إرادة الدولة في تحقيق تنمية متكاملة بالجنوب    وزير الاتصال يشرف السبت المقبل بورقلة على اللقاء الجهوي الثالث للصحفيين والإعلاميين    كأس الجزائر لكرة السلة 2025: نادي سطاوالي يفوز على شباب الدار البيضاء (83-60) ويبلغ ربع النهائي    رئيس الجمهورية يلتقي بممثلي المجتمع المدني لولاية بشار    اليوم العالمي للملكية الفكرية: التأكيد على مواصلة تطوير المنظومة التشريعية والتنظيمية لتشجيع الابداع والابتكار    معسكر : إبراز أهمية الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في الحفاظ على التراث الثقافي وتثمينه    صندوق النقد يخفض توقعاته    250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    الصناعة العسكرية.. آفاق واعدة    عُنف الكرة على طاولة الحكومة    توقيف 38 تاجر مخدرات خلال أسبوع    ندوة تاريخية مخلدة للذكرى ال70 لمشاركة وفد جبهة التحرير الوطني في مؤتمر "باندونغ"    غزّة تغرق في الدماء    وزير الثقافة يُعزّي أسرة بادي لالة    بلمهدي يحثّ على التجنّد    معالجة النفايات: توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للنفايات و شركة "سيال"    البليدة: تنظيم الطبعة الرابعة لجولة الأطلس البليدي الراجلة الخميس القادم    تيميمون : لقاء تفاعلي بين الفائزين في برنامج ''جيل سياحة''    السيد عطاف يستقبل بهلسنكي من قبل الرئيس الفنلندي    معرض أوساكا 2025 : تخصيص مسار بالجناح الوطني لإبراز التراث المادي واللامادي للجزائر    أمطار رعدية ورياح على العديد من ولايات الوطن    المسيلة : حجز أزيد من 17 ألف قرص من المؤثرات العقلية    وفاة المجاهد عضو جيش التحرير الوطني خماياس أمة    اختتام الطبعة ال 14 للمهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية    23 قتيلا في قصف لقوات "الدعم السريع" بالفاشر    مناقشة تشغيل مصنع إنتاج السيارات    تعليمات لإنجاح العملية وضمان المراقبة الصحية    3آلاف مليار لتهيئة وادي الرغاية    جهود مستعجلة لإنقاذ خط "ترامواي" قسنطينة    145 مؤسسة فندقية تدخل الخدمة في 2025    إشراك المرأة أكثر في الدفاع عن المواقف المبدئية للجزائر    جريمة التعذيب في المغرب تتغذّى على الإفلات من العقاب    شركة عالمية تعترف بنقل قطع حربية نحو الكيان الصهيوني عبر المغرب    محرز يواصل التألق مع الأهلي ويؤكد جاهزيته لودية السويد    بن زية قد يبقى مع كاراباخ الأذربيجاني لهذا السبب    بيتكوفيتش فاجأني وأريد إثبات نفسي في المنتخب    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    "شباب موسكو" يحتفلون بموسيقاهم في عرض مبهر بأوبرا الجزائر    الكسكسي الجزائري.. ثراء أبهر لجان التحكيم    تجارب محترفة في خدمة المواهب الشابة    تقاطع المسارات الفكرية بجامعة "جيلالي اليابس"    البطولة السعودية : محرز يتوج بجائزة أفضل هدف في الأسبوع    هدّاف بالفطرة..أمين شياخة يخطف الأنظار ويريح بيتكوفيتش    رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية    عصاد: الكتابة والنشر ركيزتان أساسيتان في ترقية اللغة الأمازيغية    تحدي "البراسيتامول" خطر قاتل    صناعة صيدلانية: رقمنة القطاع ستضمن وفرة الأدوية و ضبط تسويقها    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدباء ونقاد يتناولون 50 سنة من أدب ما بعد الاستقلال‏‎
نشر في المساء يوم 05 - 07 - 2012

الأدب الجزائري بين الحنين إلى مؤسسيه والدفع بمجدديه إلى التحرر وإثبات الذات
50 سنة من الاستقلال، 50 سنة من أدب الاستقلال، كيف يمكن تحليل واقع الأدب الجزائري ما بعد الاستقلال؟ هل يمكن أن نقول بأن كُتّاب اليوم تخلصوا من المخلفات الاستعمارية في كتاباتهم؟ هل تحوّل الكاتب الجزائري إلى كاتب عادي يكتب عما يشعر ويفكر، أم أنه ما يزال يحمل عبء التاريخ؟.. “المساء” ومحاولة منها إيجاد أجوبة حول هذه التساؤلات، اتصلت بالنقاد والأدباء رشيد مختاري، محمد ساري، أنور بن مالك وسعيد بوطاجين، فكان هذا الموضوع.

رشيد مختاري:
ويبقى مؤسسو الأدب الجزائري في الصدارة
من الصعب تحديد الأدب تاريخيا، سواء كان أدبا عالميا أو جزائريا، وبالتالي، حصر الكتابات، الأخيلة، الروايات، المؤلفين والأدباء في خمسين سنة من الزمن، عملية شكلية لا غير، ورغم هذا، لا ضرر من تسليط الضوء على الاتجاهات والتيارات الأدبية الجزائرية منذ استقلال البلد، وفي هذا السياق، يمكن القول أنه توجد ثلاثة تيارات أدبية تتعرج في مشيتها (أي أنها غير واضحة المعالم بالشكل الكافي)، باعتبار أنها ليست وليدة أجيال من الكتّاب، بل هي نتاج رؤية أنثربولوجية للأدب الجزائري، من خلال تطور المجتمع الجزائري وعلاقاته مع الماضي والتاريخ والسياسة، وحتى التطور الحاصل في جمالية الرواية في العالم. وفي هذا السياق، أشير إلى روائيين وُلدا 15 سنة قبل اندلاع ثورة التحرير وبلغا سن العشرين سنة 1962، سجلا حضورهما في الحقل الأدبي الجزائري، وما زالا يؤثران فيه، وهذا ليس من خلال روايات منعزلة عن بعضها البعض، بل عن طريق مشروع أدبي حملاه انطلاقا من نهاية الستينات، أي أنهما أنشآ فضاء روائيا خاصا، وهما لرشيد بوجدرة ونبيل فارس اللذين لم تقتصر أعمالهما في التطرق إلى أحاسيس القلق والشك، وكذا التشكيك في التاريخ وفي شخصية الجزائري الذي خرج منهارا من وطأة الاستعمار الفرنسي، أي أنها لم تهتم فقط بالتنديد بالاستعمار الفرنسي، بل تعدتها إلى جس نبض النفسية المريضة للمستعمر الفرنسي، وجاءت أول رواية لرشيد بوجدرة بعنوان “الطلاق” التي لم يتطرق فيها الكاتب إلى دور المرأة البطولي أثناء فترة الاحتلال، مثلما نراه في أعمال آسيا جبار “أطفال العالم الجديد” (1952)، بل تناول معضلة مجتمع عاد إلى عاداته الماضية مباشرة بعد الاستقلال، كما أن كتابات بوجدرة عموما، لا تضع التاريخ موضوعا لها، بل ذريعة لتحريك قصص حميمية تخصه في جزائر مضطربة وواقعة في مصيدة أشباح التاريخ.
أما نبيل فارس الذي التحق بصفوف جيش التحرير (وابن المحلل النفسي وأول رئيس للجمعية التأسيسية للجزائر المستقلة، عبد الرحمن فارس)، فهو كاتب الجزائر المعاصرة، ويعبرّ عبر شخصياته الشابة، المثقفة والمتعلمة، عن الجروح القديمة والجديدة للجزائر التي ترفض أن يقال أن أسلافها غاليون (أصول الفرنسيين)، وفي نفس الوقت، ترفض أن يُقال أن أصلها يعود إلى العرب والمسلمين، كما أنه يقترح في أعماله الروائية تفكيك الكتابة الروائية الخطية، والعودة إلى وثنية الأدب لتفادي التاريخ المزيّف والمفروض على الجزائر، بل يذهب إلى أعماق الذهن الجزائري لكي يتحدث عن المتخفي وعما لم يكتب، وكذا عن الذي يستحيل كتابته بفعل الكبت والمنع المتراكم، وقام هذا الكاتب بإصدار رواية جديدة “كان يا مكان الجزائر”، حيث تلتقي كتابة القصة والبعد السياسي من خلال صحفي يعيش في قلب مأساة الإرهاب.
أما التيار الثاني في الأدب الجزائري، فهو مرتبط بالأول، وظهر في بداية سنوات الثمانينات مع الطاهر جاوت ورشيد ميموني اللذين أضافا لاستفهامات الأوليين شحنة من السخرية للكتابة عن التاريخ المزيّف، من خلال شخصيات مختلفة مثل مجاهدين قدامى ينتحرون سنوات بعد الاستقلال (رواية “العسس” للطاهر جاوت)، أو الذين لم يعودوا يتعرفون عن البلد الذي حرروه، (رواية “النهر المتحول” لرشيد ميموني)، واستنبط الكاتبان أعمالهما بشكل كبير من الواقعية الأدبية والصورية لأعمال الكاتب الأمريكي وليام فولكنر، كما استطاعا أن يقدّما للأدب الجزائري في سنوات الأزمة (1980) نفسا جديدا وقويا، وأذكر رواية “اختراع الصحراء” التي أعتبرها العمل الأكثر كمالا للطاهر جاوت، كما أنها قريبة من جمالية أعمال نبيل فارس، وهي عبارة عن تساؤل كبير حول تاريخ الإسلام في القرون الوسطى، كما استعمل الكاتب خياله، مختارا مواضيع الطفولة، الطيور والبحر كرموز وحركية للحرية، وأقول؛ إنّ مسألة مأساة مرحلة الإرهاب في الجزائر ليست منعزلة تاريخيا في رواياته، بل وُضعت بجوار حرب التحرير، وحتى بجوار مراحل قديمة أكثر في تاريخ الجزائر مع شخصيات؛ كالكاهنة، فاطمة نسومر وابن تومرت، ويظل هذان الكاتبان إلى يومنا، الأكثر ابتكارا للأدب الجزائري خلال خمسين سنة من الاستقلال، وسيحتفظان بهذا اللقب، وظهرت في نفس هذه الفترة كاتبة لا تملك أكثر من روايتين، إلاّ أنّها استطاعت أن تؤثّر وتغيّر من الكتابة الروائية الجزائرية، وهي الكاتبة يمينة مشاكرة التي قدمت من خلال روايتها “المغارة المتفجرة” (سنة 1979)، إدراكا جديدا للنظرة النسوية لحرب التحرير، وعبرّت عن ذلك على لسان راوية في شخصية ممرضة تعيش عن قرب، المعاناة الخصوصية، الجروح الجسدية والنفسية، الموت وتعفن الجسد لرفقائها في الجهاد الذين احتموا بمغادرة هذه الأخيرة التي ترمز إلى الانغلاق وكذا إلى التقارب الإنساني، لأنّها تمثّل المسكن القديم للإنسانية، وفعلا لم تستطع أي كاتبة أن تملك قوة الكلمة مثل يمينة مشاكرة، في حين ظهر التيار الثالث للأدب الجزائري في بداية سنوات التسعينيات، مع المأساة الجزائرية أو بما أطلق عليها تسمية “العشرية السوداء”، ظهر كُتّاب ومن بينهم ياسمينة خضرا الذي لم يقدم أي انفرادية جمالية في رواياته، واستثمر في المقام الأول في الجدل والعرضية، وهناك شباب آخرون قدموا إلى الأدب عبر مأساة الإرهاب مثل؛ مصطفى بن فوضيل، مايسة باي ، سليمان آيت سيدهم، جودت قسومة، الخير شوار، حميد عبد القادر وغيرهم، يحاولون إيجاد طريقهم في مجال الأدب، ولكن المؤسسين موجودون دائما، المجددون والأقوياء وأصحاب الأعمال الأدبية المتأصلة في أعماق الإنسان المرتبط بتاريخه المضطرب والأقوى مثل كاتب ياسين، مولود فرعون، محمد ديب ومالك أواري، والذين يواصلون تغذية الأعمال الأكثر تجديدا بواسطة الخيال والجمال والحساسيات للأدب الجزائري.
محمد ساري:
يوجد أدب جزائري مستقل عن المخلفات الاستعمارية
قبل أن أتكلّم عن الأدب الجزائري بعد الاستقلال، أعود قليلا إلى الأدب الذي كُتب في الثلاثينيات، الأربعينيات، الخمسينيات، وحتى بعد الاستقلال مباشرة، والذي كان مرتبطا أشدّ ارتباط بالفترة الاستعمارية، وقبل أن أسترسل في هذه النقطة، أوّد أن أوّضح أن الكتّاب الفرنسيين الذين كتبوا في العشرينيات أو الذين أطلقت عليهم تسمية”مدرسة الجزائر”، كتبوا عن الجزائر، ولكن ليس عن الشعب الجزائري أو بما كان يسمى ب«الأهالي”، بل كتبوا عن الأوروبيين المقيمين بالجزائر، وعن المشاريع المنجزة آنذاك التي اعتبروها عظيمة مثل؛ شق الطرقات والعمران، في حين تجاهلوا المواطن الجزائري والظلم الذي كان يتعرض له من طرف المحتل، أبعد من ذلك، فقد كانوا يسمون كل نساء الجزائريات ب “لافاطمة”، وحصروها في دور الخادمة، أما الرجل الجزائري، فكل همه زراعة أرض الأوروبي!!!!. أما عن الجزائريين الذين كتبوا في فترة الاستعمار، مثل مولود فرعون في عمله الأدبي “ابن الفقير” الذي كتبه سنة 1950، فأظهر فيه أن الجزائري إنسان طبيعي يعيش حياة عادية، وأنه أيضا يتعلم في المدرسة ويعّلم أيضا، فهو ليس الأمي والخادم فقط، بل هو أيضا متعلم وله حاجاته مثل الجميع، وأقول أيضا أن الجزائريين الذين كتبوا باللغة الفرنسية وكانوا تحت سطوة وتأثير الإيديولوجية الكولونيالية، استطاعوا أن يقاوموا الواقع آنذاك، وأنتجوا أدبا يمنح مكانة حقة للجزائريين وأبرزوا نضالهم ضد المستعمر، وهنا نصل إلى محمد ديب، كاتب ياسين ومالك حداد الذين أبرزوا مقاومة الجزائري ضد المحتل، أما عن الكُتّاب الذين كتبوا باللغة العربية، مثل رمضان حمود، مفدي زكريا وأحمد رضا حوحو، فقد ركزوا على الهوية الجزائرية التي تتضمن الإسلام دينا والعربية لغة، وهذا قبل الحديث عن هوية الأرض، ومن هذه الزاوية، أقول أن هناك تلاقياا بين الأدب الجزائري المكتوب باللغة العربية ونظيره المكتوب باللغة الفرنسية، وتتمثل في إعادة الاعتبار للمواطن الجزائري الذي كان يسميه الاستعمار ب«الأنديجان”، (أي مواطن من الدرجة الثانية)، وبعد الاستقلال، ظهر كُتّاب جدد أبرزوا بشكل كبير ظلم الاستعمار، وأذكر في مقدمتهم؛ الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة، فسيطر موضوع حرب التحرير على الكتابات الأدبية بعد الاستقلال وإلى غاية العشرية الثانية من بعدها، إلى حين شرع الكاتب الجزائري في التخلص من موضوع الحرب والاستعمار، وانتقل في كتاباته إلى موضوع المجتمع الجديد، وأعطي مثالا بروايتي “جبل الظهرة” التي قسمتها إلى فصلين، الأول بعنوان “نغم الحرية” وتناولت فيه نضال الجزائريين ضد المحتل، والثاني بعنوان: “نغم الخبز”، وتطرقت فيه إلى كفاح الجزائري من أجل كسب قوت يومه، وفي هذا السياق، بدأ الكثير من الكُتّاب الجزائريين يكتبون عن هذا المجتمع الجديد، أي عن كفاح المواطن الجزائري لبناء جزائر جديدة (الثورة الصناعية والثورة الزراعية وغيرها)، وكذا التخلص من مظاهر الظلم والتخلف ومن العيش، وفق ثنائية المُستعمَر- المٌستعمِر والعمل على العيش بطريقة طبيعية، وهكذا أصبح الكاتب الجزائري يكتب عن مجتمعه، وهو حال الكثير من الكتاب العرب في تخلصهم من عقدة الاستعمار، وأعطي مثالا آخر عن روايتي”السعير” التي كتبتها سنة 1986، وتناولت فيها المجتمع الجديد، وأضيف أنه صحيح أن هناك نوعا من مخلفات الاستعمار في بعض الروايات، أي أن بعض الأعمال ما تزال تتناول مواضيع متعلقة بحرب التحرير، مثل موضوع الصراع بين المجاهدين والحركى أو موضوع عن معطوب حرب يحاول أن يجد له مكانا في مجتمعه، إلا أن هناك مواضيع جديدة تطرق إليها الكاتب الجزائري، ولهذا يمكن القول إنه بعد خمسين سنة، يوجد أدب جزائري مستقل عن المخلفات الاستعمارية، كما أن الجزائر وبعد خمسين سنة، دخلت مرحلة جديدة من التقدم والبناء ولم يعد للمواطن الجزائري عقدة المستعمر، فهو يعيش في بلده ويمارس دينه، وإذا أراد أن يتعلم اللغة الفرنسية، فليتعلمها ولا يجب أن يعتبرها لغة المستعمر، بل هي لغة عالمية يمكن أن يقرأ بواسطتها الأدب العالمي، وأقول أن الكثير من الناس الذين يقرأون باللغة الفرنسية، يقرأون الأدب غير الفرنسي، مثل أدب أمريكا اللاتينة أو الأدب الياباني وغيره، وقليل منهم من يقرأ الأدب الفرنسي، ولهذا ينبغي أن نستغل اللغة الفرنسية بشكل جيد دون أن نعتبرها بالضرورة لغة المستعمر، بالمقابل، أعتبر أننا الآن في مرحلة جديدة تؤسس للأدب الجزائري الحقيقي باللغات الثلاث العربية، الأمازيغية والفرنسية، ولهذا، أظن أنه يمكن أن نتكلم فعلا عن أدب جزائري، وبقي للباحثين وللأكاديميين أن يدرسوا هذه النصوص ويستخرجوا بنيات ومكونات وتيمات هذا الأدب، وحان الوقت أيضا أن نصنف الأدب الجزائري ونجيب على أسئلة عديدة مثل: “ماهي طبيعة الرواية الجزائرية”؟، “ماهي طبيعة الشعب الجزائري”؟ و«ماهي طبيعة اللغة السردية والأدبية الجزائرية”؟.
أنور بن مالك:
وأخيرا أصبح لدينا كتّاب عاديون لا يتحمّلون عبء التاريخ
ما يمكن أن أقوله حول واقع الأدب الجزائري بعد خمسين سنة من استقلال الجزائر، هو أنه أصبح لدينا كُتّاب عاديون، أي أن الجزائر ككل بلد آخر أصبح لديها كتاّب يكتبون بدون أن يشعروا بأنهم يقدمون شيئا خارج المألوف، سأوّضح أكثر كلامي وأقول؛ إن الكاتب الجزائري في السابق كان مطالبا بأن يكون شاهدا على الأحداث التي مست الجزائريين في الصميم، وأذكر مرحلة الاستعمار الفرنسي التي اتصفت بالوحشية طبعا، وكذا بما أطلق عليها تسمية “العشرية السوداء”، أما الآن، فأقول إنه حان الأوان لأن يؤدي الكاتب الجزائري مهامه الحقيقية والمتمثلة في الكتابة بما يفكر وبما يشعر، بدون أن يعتقد بأنه حامل لقضية سياسية أو إيديولوجية معينة، أعتقد أن الكُتاب والصحفيين الجزائريين والعرب أُوكلت إليهم مهام سياسية، بحكم أن معظم الحكام العرب غير أكفاء ويبحثون عن مصالحهم الضيّقة، ولهذا أصبحت مهمة الدفاع عن مصالح العامة بين أيدي المثقفين، إلا أنني أؤكد أنه من الضروري أن يكتب الكاتب العربي بكل حرية، وأن يتحول فعل الكتابة إلى أمر عادي، وهنا أتوقف وأقول؛ إن الكاتب العربي ليس حرا بما فيه الكفاية، بحيث تحرم عليه الكتابة في مواضيع معينة بيد أن الكاتب الجزائري يتمتع بحرية أكبر وأقدم مثالا عن نفسي، بحيث كتبت أعمالا ضد الحكومة، إلا أنها لم تمنع في البلد، كما تطرقت إليها الصحافة المكتوبة، غير أنه لم يتم تناولها في التلفزيون، ولم يتم استضافتي أيضا من طرف وسائل الإعلام الكبيرة، لهذا أطالب بالمزيد من الحرية للكتاب الجزائريين، فنحن بحاجة إلى حرية أكبر وإلى الحياة العادية، وأعود لأؤكد أن زمن تمثيل الكُتّاب للمجتمع أو للجماعة ولّى، وأنه سيأتي يوم يتحول فيه الكاتب إلى كائن فردي يتوجه بأعماله إلى القارئ الفرد، بالمقابل، أقول إنه طيلة خمسين سنة من الكتابة الجزائرية لم تصدر أعمال أدبية كثيرة، باعتبار أن عدد الكتاب الجزائريين ضئيل مقارنة ببلد كبير كالجزائر وكُتّاب آخرين توقفوا عن الكتابة، رغم روعة أعمالهم، وأذكر على سبيل المثال الكاتبة يمينة مشاكرة التي كتبت رائعة “المغارة المتفجرة”، صحيح أن مجتمعنا لم يكن يطيق الكُتّاب، كما أن العيش من خلال الكتابة فقط أمر مستحيل في البلد، وأستطيع أن أقول أيضا إنه نتيجة ضغط العشرية السوداء التي عاشها المجتمع الجزائري، شعر الكُتّاب بضرورة كتابة ما يريدون، وهذا رغم تعرض مسارهم لعراقيل كثيرة من بينها مشاكل وهمية مثل؛ الصراع بين الأدب المكتوب باللغة العربية ونظيره المكتوب باللغة الفرنسية، وأكرر أن مشكلتنا الكبيرة تتمثل في قلة الكُتّاب الجزائريين وإنتاجهم القليل، وأعتقد أنه يجب أن نكون ألف مرة أو ألفين مرة أكثر عددا من عددنا الحالي حتى نتناول الأدب بكل مناحيه، وأضيف أن الأدب الترفيهي كالروايات البوليسية، شبه منعدم في الجزائر، فالقارئ يتعلم حب الكتابة من خلال هذا النوع من الكتب قبل أن ينتقل إلى الكتابات الجادة، إلا أن هذا النوع من الأدب لا نجده في البلد، ونفس الشيء يقال بالنسبة للأفلام الجزائرية التي تتناول التراجيدية بصفة كبيرة، وهنا أتحدث طبعا عن الأفلام الجيدة، ما عدا أفلام المفتش الطاهر الذي أعتبره ممثلا رائعا، رغم أنه كان يمثل في أفلام بسيناريوهات ضعيفة، في الأخير، أقول أنه لدي الأمل في أن تتحسن أمور الكُتّاب الجزائريين، فالكثير منهم يحاولون نشر أعمالهم رغم الصعوبات، وأنا متشائم ينتظر أن يتحوّل إلى متفائل، وفي الجزائر يمكن أن نرى الأمور من وجهتين، وأعطي مثالا عن ذلك بفعاليات المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب التي جرت مؤخرا بساحة رياض الفتح، والتي أعتبرها فكرة جميلة، إلا أنني إذا عاينت الأمر من ناحية أخرى، أتأسف، لأن الصالون يضم كتبا قليلة والناشرون الجزائرون المحترفون قلة، فمعظمهم لا يجازف بالنشر لكاتب جديد.
سعيد بوطاجين:
الأدباء ما زالوا يشتغلون والجامعة لم تعد تعرف الأدباء القدامى
لا يمكن أبدا الإلمام بموضوع بهذا الحجم، لأنه يفترض بحوثا متخصصة، مجلات، مخابر، ومتابعات صحفية
و أكاديمية، إلا أنه يمكن الإشارة مبدئيا إلى الجهود المحترمة التي بذلها الكتاب على اختلافهم، وفي ظروف مأساوية أحيانا، سواء بعد الإستقلال أو في السنين الأخيرة قبل ظهور الديموقراطية، مثل تعرضهم للرقابة والمضايقات مع صعوبة النشر وقلة الإهتمام بالشأن الأدبي، ومع ذلك، ظهرت نصوص ذات أهمية كبيرة، وأقول إننا محظوظون من هذا الجانب، وعلينا الإشادة بما قدمه الأدباء دون تردد، فهناك كتابات راقية في مختلف الأجناس، مع تسجيل تفاوتات وتباينات منطقية، لأنه كذلك وسيبقى كذلك، فالمواهب لا تتفق إلا في الاختلاف، وهذا ما لم ينتبه إليه النقد في حينه، و أجد في النص الجزائري عامة، وبعد خمسين سنة من الاستقلال جماليات واستثمارا مميزا للمسائل السردية والبنائية في حالة النثر، أما الشعر، فقد شهد تطورا مدهشا بداية من السبعينيات، وقد سعى الشعراء الجدد إلى تطعيمه بأخيلة ومرجعيات ابتعدت نسبيا عن المرجعية الأحادية التي ميزت بعض الشعر لأسباب تاريخية وثقافية، إن لنا من القصص، الروايات، المسرحيات والأشعار ما يكفي لرصد المميزات العامة والانزياحات التي حصلت بالنظر إلى تطور التجارب واحتكاك الكتاب بالآداب العربية و العالمية، ولقد أدى التنويع المرجعي إلى اكتساب خبرات سردية وشعرية ذات أهمية قصوى أسهمت في إثراء المتخيل، كما يجب التأكيد من هذه الناحية على أن هذه القراءات النوعية أمدّت الكتابة بجماليات جديدة لم تكن موجودة سابقا، ويجب الإشارة إلى أننا نعالج هذه المسائل ببعض الاستخفاف ولا نربط المنتوج الأدبي بالتلقي، ونقوم بتبرئة أنفسنا كقراء ولا يمكن أن نطلب من الأدب تنمية قدراته الفنية بمعزل عنا نحن القراء والباحثين والجامعيين خاصة أننا نعيش ما يشبه حالة شلل عام على مستوى القراءة، بالمقابل، إذا كانت النصوص الجيدة محدودة الطبع و التوزيع، حتى في حالة الأسماء المكرسة عربيا ودوليا، فإنه من غير اللائق، انتقاد المبدعين أو مطالبتهم بإنتاج هالات لا أحد يهتم بشأنها، ما عدا القلة القليلة من الذين ما زالوا متمسكين بالمجردات، وعلينا إعادة النظر جذريا في طريقة تعاملنا مع الأدب قديمه و جديده، التقليدي والحداثي، قصة، شعرا، رواية و مسرحا، وعندما تعالج مسألة المقروئية بمنطق وروية، بمقدورنا الحديث عن تجربتنا والمستوى الذي بلغناه، و بعد خمسين سنة من الاستقلال، أصبحت الجامعة لا تعرف محمد ديب، مولود فرعون، الطاهر وطار، عبد الحميد بن هدوقة ومالك حداد، دون الحديث عن الأسماء الأخرى، ومع ذلك فإن الأدباء يشتغلون، كل بمستواه وذائقته، وهذا أمر جيد، أما الفجوات فسيرممها الزمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.