ثم لا يلبث أن يعيد السؤال في شكل آخر: هل المقال من تحرير الأستاذ العروي فعلا، أم هو منتحل عليه انتحالا، ولم يستطع أن يتبرأ منه، أم طلب منه أن يكتب في اتجاه معين فكتب مقالا يؤمن به ولا يعكس أفكاره، فجاء متضاربا متهافتا، فاقدا لقوة الإقناع لأن صاحبه نفسه غير مقتنع به؟ وقبل تناول المقال بالتحليل وبما يستحق من الرد، أحب أن أؤكد للأستاذ العروي أن الرد عليه ليس محبة في الجدل لذاته، بل محاولة للعثور: 1- على الحقيقة المعقدة في هذا الموضوع ومن ثم في مستوانا نحن المثقفين من أبناء المغرب العربي الذين نطمح إلى تمثيل بعض القيم الفكرية والأخلاقية وشيء من المتانة النفسية التي هي أعز ما تبقى من حضارتنا الإنسانية أمام العالم المتحضر. 2- الوصول إلى الموقف الصحيح فيه كما يجب أن يكون. أقول هذا للأستاذ العروي لأني أعرف مبلغ انزعاجه من النقد والجدل، فقد استنكر علي يوما شدة إلحاحي في مجادلة الأستاذ جاك بيرك في أحد اجتماعات »اليونسكو« بباريس، منذ بضع سنوات ولكنه لم يستنكر على الأستاذ بيرك في تلك الاجتماعات روح الكبرياء والصلف التي كان يخاطب بها أعضاء الاجتماع، وأكثرهم من العرب المشارقة والمغاربة، وما كان يقابله به هؤلاء الأعضاء من خنوع واستسلام أعترف أنه أثار أعصابي، أكثر مما استفزني بيرك نفسه. كما أحب أن ألفت انتباه القارئ العربي إلى أن الخصومة بيننا نحن الكتاب الجزائريين وبعض إخواننا من الكتاب المغاربة من أجل قضية الصحراء الغربية، ليست بنت اليوم، وإنما هي ترجع إلى ربيع (1974) عندما كان المؤتمر العاشر للأدباء العرب يجري في قصر الأمم بالجزائر، فبينما كان الناس يتناقشون في القاعة الكبرى أو في قاعات اللجان عن مشكلة الأدب العربي والمجتمع، وحرية الأديب العربي، وأدب الطفل... إلخ، كان إخواننا الكتاب المغاربة مجندين للعمل في الكواليس، ليلا ونهارا، ولعل هذا سر لا يعرفه إلا القليلون، لينتزعوا من أعضاء المؤتمر اعترافا بأن الصحراء الغربية هي صحراء مغربية. وتطلب ذلك في بعض الأحيان من أعضاء الوفد الجزائري أن يهملوا المؤتمر نفسه وينصرفوا كلية إلى مواجهة تلك المعركة التي لم يكن مكانها ولا زمانها هناك، وعندما لم يحصلوا على ما كانوا يرغبون فيه من الوفود العربية الأخرى وجهوا حملاتهم -بعد عودتهم إلى المغرب- إلى اتحاد الكتاب الجزائريين لأنه منع جهودهم من أن تؤتي ثمارها، وهي أن تصبح الصحراء الغربية صحراء مغربية بالفعل بمجرد موافقة الأدباء على ذلك. ولقد أخذ الأدباء العرب من تلك المعركة صورة غريبة عن بعض إخواننا الكتاب المغاربة من خلال تصرفاتهم في هذه المشكلة. وأغرب ما لم يفهمه الأدباء العرب، والكثيرون منهم تقدميون يساريون، وهو كيف يجند الكتاب المغاربة أقلامهم وجهودهم لخدمة العرش المغربي في حين يدعون أنهم يمثلون »المعارضة الديمقراطية« كما يسميها العروي، وأكبر لغز لم يفهمه إخواننا الأدباء العرب في موقف الكتاب المغاربة هو أن يعملوا على مد عبودية العرش المغربي إلى شعب آخر، بدلا من أن يعملوا على تحرير الشعب المغربي من هذه العبودية وتقليص ظلها من الأرض المغربية نفسها. وهذا ما سنبحثه بالتفصيل مع الأستاذ العروي في فلسفته »العلوية« الجديدة. والأغرب من كل هذا أن إخواننا الأدباء المغاربة عندما وصلتهم دعوتنا إلى المؤتمر وعزموا على أن يحضروا المؤتمر، قرروا أن يأتو »ليخدموا« قضية العرش المغربي وتضخيم امبراطوريته، ولكنهم لم يكونوا يملكون ثمن تذكرة الطائرة فبعثوا إلينا إذا كنا نستطيع أن نساعدهم لأن دولتهم لا تساعد الثقافة. هذه معلومات لا بد منها للقارئ لكي لا يندهش كثيرا عندما يقرأ ما سنورده إليه من أفكار الأستاذ العروي خاصا بقضية الصحراء الغربية، كما اندهش الكثيرون ممن قرؤوه في صحيفة »لوموند« وهم لا يعرفون شيئا عن بعض المثقفين من إخواننا المغاربة. ونقول البعض ممن عرفناهم لأننا نعتقد أنه يوجد حتما ممن لم نعرفهم وخاصة من الجيل الصاعد، ومن أبناء الفلاحين والعمال والجماهير المستغلة من يكون له رأي آخر في فهم الوطنية والحرية ووحدة الشعوب المغاربية وطرائق هذه الوحدة، يختلف عما يقدمه لنا العروي وغلاب وأحزابهما.