عن خالد الخزاعي قال: “صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة، فأخف وجلس فأطال الجلوس، فلما انصرف قلنا: يارسول الله، أطلت الجلوس في صلاتك؟ قال: إنها صلاة رغبة ورهبة، سألت الله فيها ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يستحكم بعذاب أصاب من كان قبلكم، فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط على بيضتكم عدوا فيجتاحها، فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها”. وعن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله عز وجل زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وإني أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر، وإني سألت ربي عز وجل أن لا يهلك أمتي بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا فيهلكم بعامة وأن لا يلبسهم شيعا، ولا يذيق بعضهم بأس بعض، وقال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدوا ممن سواهم فيهلكوهم بعامة، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وبعضهم يقتل بعضا، وبعضهم يسبي بعضا. قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم “وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة”. معاني الحديث “صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم صلاة فأخف”، ظاهر هذا أن القصة تعددت، ودعا صلى الله عليه وسلم بدعوات كثيرة، وكلها استجابها الله سبحانه سوى دعوى واحدة. وتجمع الروايات على أنه صلى الله عليه وسلم صلى وأطال الصلاة، سواء أطال في كل أركانها، أو في بعض أركانها. ففي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أخف في عموم أركان الصلاة، وأطال الجلوس، والتخفيف في صلاته صلى الله عليه وسلم لا ينافي إتمام الأركان، فهو يخف في تمام، كما جاء في حديث معاذ “ صلى النبي صلاة فأحسن فيها الركوع والسجود والقيام” وجه الإعجاز في الحديث جاء في القرآن الكريم التحذير من الاختلاف والاقتتال بين جماعات الأمة، من ذلك: قول الله تعالى: { وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } الأنفال، وجاء فيه أن الأمم السابقة وقع بينها الاختلاف والاقتتال من ذلك: قوله سبحانه في شأن اليهود والمنافقين: {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} الحشر، وقوله سبحانه في شأن النصارى: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسواحظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون} المائدة، وجاء فيه أن أمة الإسلام قد تبتلى بالاختلاف والاقتتال، من ذلك: قول الله سبحانه وتعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض} الأنعام. ومن هنا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يرفع من أمته هذا البلاء، سأل الله “أن لا يجعل بأسهم بينهم” أي لا يختلفوا، و«أن لا يذيق بعضهم بأس بعض” أى لا يقتتلوا، إلا أن الله تبارك وتعالى لم يستجب هذه الدعوة، وإنما وكل الأمة في هذا إلى نصوص الإسلام، فالقرآن الكريم والسنة النبوية فيهما ما يحصن الأمة ضد هذا، فلقد بين ربنا أن الاختلاف بين الأمم السابقة إنما كان بإعراضهم عن دينهم، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الاختلاف إنما يحدث بيننا إذا تركنا العمل بأحكام ديننا، ونحن مكلفون بالعمل بنصوص الكتاب والسنة، وذلك يعصمنا من الاختلاف والاقتتال. ولقد تحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فبين الحين والحين يحدث الاختلاف والاقتتال بين جماعتين من جماعات المسلمين تحقق أن الله لم يعصم الأمة من الاختلاف والاقتتال، فيحدث بين الحين والآخر، وتحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من أن الاقتتال بين جماعات الأمة أهون وأيسر. وفي أحاديث هذا الباب معجزة أخرى من معجزاته صلى الله عليه وسلم، فإن قوله في نهاية حديث شداد “فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة” هذا هو الواقع، فعلى طول عمر الأمة منذ مقتل عثمان بن عفان والاختلاف والاقتال يحدث بين الحين والحين، وعلى الرغم من طول التاريخ، وتكالب الأمم الأخرى، والنصوص المحذرة، على الرغم من ذلك لا زال هذا الحديث يتحقق.