إن مجرد تلفّظ اسم مدينة مغنية حتى يتبادر إلى ذهن البعض التهريب والتجارة غير الشرعية، صنعت شهرة المنطقة التي أصبحت مزارا لمئات المهربين من مختلف الولايات؛ طمعا في الربح السريع.. ولكن لا يمكن ذكر مغنية دون ذكر الفلاحة بمنطقة تتوفر على ثروة خام تُحسد عليها ولا يحتاج استثمارها إلا توافقا من الأطراف والجهات المعنية كمديرية المصالح الفلاحية والغرفة الفلاحية للفلاحين والمجموعات المحلية، بالتوجه إلى محاولة خلق قوة بين جل هذه الأطراف. ورغم التطور الحاصل في هذا القطاع بفضل سياسة الاستصلاح التي بدأ العمل بها في السنوات الأخيرة لتصبح قاعدة للاستثمار، يبقى الخلل يمكن تحسسه من خلال جملة المعطيات المسجَّلة بالمستثمرات الفلاحية التي تعرف العديد من السلبيات والمشاكل، قد تفجّر نزاعات داخلية بين المستفيدين نتيجة العجز المسجَّل سواء في الإمكانات أو الديون، هذا الشرخ البائن يعود إلى عوامل عدة، منها إشكاليات العقار الفلاحي وتسوية عقود الفلاحين لوضع حدّ لمختلف النزاعات حول الأراضي الفلاحية، وتحرير الفلاحين من المخاوف والقيود الإدارية، واتساع مناورات المضاربين في المنتوج الفلاحي... هذه المشاكل وأخرى سنحاول طرحها على الأمين الولائي لولاية تلمسان لاتحاد الفلاحين الأحرار السيد «بوحسون عبد الحميد» في هذا الحوار الذي أجريناه معه. السلام اليوم: ما تقييكم لوضعية قطاع الفلاحة بمغنية...؟ الأمين الولائي: يشهد قطاع الفلاحة خلال الخمس سنوات الأخيرة تأخرا ملحوظا من ناحية الإنتاج، حيث تدهورت بنسبة 60 بالمائة لدخول بعض الطفيليين في القطاع بعد عزوف العديد من الفلاحين الحقيقيين في هذا القطاع. أما عن الفلاحين الموجود معظمهم فليسوا أصحاب قطاع، كونهم كانوا في الماضي ذوي مسؤوليات في مناصب عليا ومديري شركات، وبعد أن تحولوا إلى أثرياء وأُغلقت شركاتهم سواء بسبب الديون المترتبة عنهم أو لعدة أسباب أخرى، أضحوا كمتعاملين معتمدين مع مديريات الفلاحة ومصدّرين ومستوردين لمختلف المنتوجات الفلاحية. ما مصير المستثمرات الفلاحية في الآونة الأخيرة...؟ الظروف التي يعيشها الآن الفلاح بالمناطق الحدودية صعبة جدّا لعدة عوامل، منها أن القطاع الفلاحي فقير من الناحية المالية، وأدت هذه الأسباب إلى زوال بعض المستثمرات الجماعية ولجوء بعض مالكيها إلى بيعها، إما لعدم مقدرتهم على مواصلة الإنتاج أو لتراكم الديون عنه، وذلك في ظل نقص وغلاء التجهيزات الفلاحية والبذور والأسمدة وهلاك بعض الأشجار المثمرة لنقص الموارد المائية وغلاء المازوت... وخلقت هذه المشاكل للفلاح اضطرابات كبيرة على المستوى المحلي، ولهذا طالبنا مرارا وتكرارا الجهات المتخصصة بتشجيع الإنتاج بشكل دائم ومستمر، خاصة فيما يحتاجه الفلاح (الجرارات والحاصدات والطاقة الكهربائية وإنتاج البذور...)، مثلما كان الأمر عليه في السبعينيات عن طريق التعاونيات المتخصصة، هذا إلى جانب فتح معاهد متخصصة لتكوين الفلاحين بهذه المنطقة والمناطق المجاورة لها، والتي تساهم بنسبة كبيرة في تحسين خبرة الفلاح. كلما ارتفعت أسعار المواد الغذائية من أصل فلاحي توجَّه أصابع الاتهام للفلاحين، في رأيكم من هم المضاربون...؟ المضاربة موجودة، ولا أحد يستطيع القضاء عليها نهائيا، وهي خاضعة للعرض والطلب، فإذا كانت هناك وفرة في الإنتاج فيستدعي الأمر توفر إمكانات تنظيم التسويق. أما إذا كان الأشخاص الذين يحتكرون المنتجين منظمين، فهم الذين يتحكمون في العرض ولو كان مرتفعا، ونحن نطالب الجهات المتخصصة في التجارة بأن تلعب دورها في تنظيم السوق وتطبيق إجراءات ردعية صارمة ضد هؤلاء المتطفلين المضاربين، لأن المتضرر الوحيد هو المستهلك البسيط. ماذا عن الدعم الفلاحي بمغنية...؟ في سنتي 2003 و2004 حتى 2005 كان يسير على ما يرام؛ مما ساهم في ارتفاع الإنتاج، حيث استفاد العديد من الفلاحين من الدعم، لكن في السنوات الأخيرة ظهر بعض الانتهازيين واستغلوا الفرصة؛ محاولةً منهم للعبث بحقيقة الدعم، غير أنها لم تسجَّل أي هفوات فيما يتعلق بتوزيع أموال الدعم. أما نحن بصفتنا فلاحين، فطالبنا برفع الدعم الفلاحي إلى المستوى الموجود، باعتبار الجزائر قارة ولها إمكانات كبيرة، وتتمتع بموارد متنوعة، وعليه فإننا نطالب بزيادة الدعم لا سيما مع ارتفاع أسعار المازوت والكهرباء والأسمدة والضرائب...وغيرها، كما نطالب أيضا بدعم مربي المواشي؛ لأنهم من أكثر الفئات تضررا في السنوات الأخيرة بسبب الجفاف الذي مس بعض المناطق الفلاحية الحدودية، وتعويض بعض الفلاحين أيضا، الذين تم إحصاؤهم من طرف اللجنة المعنية. ماذا عن الموسم الفلاحي... وموسم الحصاد لهذه السنة...؟ هذه السنة الموسم الفلاحي بخير، لكن هناك بعض العراقيل واجهت الفلاح، كمثلا برنامج القرض الرفيق، الذي فرض على الفلاحين بعض الشروط من بينها التأمين...وغيرها، فكانت نسبة الاستفادة من الدعم لا تتجاوز الخمسة بالمائة، كما تقلصت نسبة الفلاحة هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية إلى ثلاثين بالمائة، وفيما يخص موسم الحصاد فهو جيد هذه السنة إلا أنها لازالت تعترض الفلاح بعض المشاكل تتعلق بنقص الحاصدات، مما فتح المجال لبعض المضاربين الذين يملكون مثل هذه الآلات ورفع تسعيرتها إلى 3000 دينار للساعة الواحدة، في غياب رقابة تامة من طرف المصالح الفلاحية التي من واجبها اتخاذ إجراءات صارمة ضدهم. ما هي وضعية العقار الفلاحي بمغنية...؟ وضعية العقار الفلاحي بمغنية في نهب متواصل للأراضي الفلاحية بعد أن غزاها الإسمنت، حيث أن الحوض المسقي الذي كلف خزينة الدولة في السبعينات 22 مليون دولار في الزوال، ونحن لا نسكت عن التنديد بنهب العقار الفلاحي، لأننا إذا استهلكنا الأراضي الفلاحية سنقضي على مستقبل الأجيال القادمة؛ فالفلاحون يئسوا من عدم وجود الرقابة، ونأمل بدورنا كممثلين للفلاحين، الحفاظ على الطابع الفلاحي لهذه المنطقة التي تزخر بجميع منتوجاتها الفلاحية، لكن ما لاحظناه في السنوات الأخيرة هو تنامي بعض الأحياء الفوضوية بين عشية وضحاها فوق الأحواض المسقية، هذه الأخيرة التي راحت منها حوالي 200 هكتار من أصل 4250 هكتار، تحولت إلى بنايات فوضوية من طرف مافيا العقار، ونتجت عن هذه الظاهرة حوالي عشرة أحياء سكنية فوضوية في غياب نسيج عمراني لها تام، ومن أهم المستثمرات الفلاحية التي نُهبت شعبان حمدون والجرابعة. ماذا تنتظرون من الجهات الوصية والمسؤولة في هذا المجال...؟ نحن نعرف أن هناك بعض الملفاة حول العقار لازالت على مستوى العدالة. وبصفتي ممثلا عن الفلاحين نطالب الدولة بأن الأشخاص الذين استولوا على العقار بدون رخصة، وأن من تورط معهم يجب متابعتهم أمام العدالة ومحاكمتهم. كما نتمنى إيفاد لجنة تحقيق رفيعة المستوى، والتي أنشأها فخامة رئيس الجمهورية السيد «عبد العزيز بوتفليقة» منذ حوالي خمس أو ست سنوات، والمتخصصة في التحقيق حول ملفات نهب العقار، قصد التقصّي حول حقائق استنزاف هذه الأراضي وتحويلها إلى بنايات فوضوية خلال الأربع سنوات الأخيرة، ومحاكمة مافيا العقار وكل من كان وراء هذا النهب. كما أطالب في آخر كلمتي المصالح الفلاحية بالتفكير بجدية في الإنعاش الفلاحي بهذه المنطقة الحدودية، وهذا بدءا بتطهير الأراضي الفلاحية من الطفيليين وتسليمها لمن يخدمها لأصحاب الكفاءات، وقتها يمكن عودة القطاع مثلما كان عليه في السبعينات أو أحسن من ذلك.