الكعبة المشرفة.. بين عبق المكان وقدسية المكان في بداية لابد من معرفة الحقبة الزمنية والتاريخية لهذا البناء الرباني الخالد وقد أجاد المفسر الكبير ابن جرير الطبري في هذا فقال والصواب من القول أن يقال أن الله أخبر أن أول من رفع القواعد من البيت هو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ‘ أما القول بأن الله أهبطه مع آدم ثم رفع إبراهيم على قواعده أو أن آدم هو من بناه ثم انهدم ثم رفع إبراهيم قواعده فهذا لاعلم عندنا به ؛ لأن حقيقة ذلك لا تدرك إلا بخبر عن الله ورسوله بالنقل المستفيض ولا خبر في ذلك تقوم به الحجة فيجب التسليم لها. ( وهناك اجتهاد آخر يرى أصحابه أن بناء الكعبة كان قبل إبراهيم عليه السلام ولهم دليل قوي على ذلك أورده القرطبي رحمه الله واستدل عليه من خلال الجمع بين حديثين صحيحين الحديث الأول ( ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال : المسجد الحرام . قلت ثم أي ؟ قال : المسجد الأقصى . قلت : كم كان بينهما ؟ قال : أربعون ).( الحديث الثاني ( ما أخرجه النسائي في سننه من حديث عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس . سأل الله عز وجل خلالا ثلاثة: سأل الله حكما يصادف حكمه فأوتيه ‘ وسأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه ‘ وسأل الله حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا يحضره إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أم ) ( وهذا الحديث صحيح الإسناد ورجاله ثقات . وقال القرطبي رواه النسائي بإسناد صحيح خصائص البيت الحرام للبيت الحرام خصائص تميز بها عن سواه . ونذكر في هذا المقام بعضها . وهي مستمدة من القرآن الكريم أولا : أنه أول بيت وضع للناس . قال الله تعالى : "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين "آل عمران 96 وكونه أول بيت وضع للناس . يطرح سؤالا مفاده : هل هو أول بيت وضع للناس على الإطلاق ‘ أم أول بيت وضع للعبادة ؟ قال ابن جرير : اختلف أهل التأويل في ذلك ( ثانيا : أن الله سبحانه وتعالى جعل البيت الحرام مباركا ليضاعف العمل فيه إذ أن البركة كثرة الخير والثواب والأجر . قال تعالى " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً " . وقد أخرج أحمد بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه " () ثالث هذه المزايا : أن الله سبحانه جعله هداية للعالمين حيث يختم الله الآية بقوله "وهدى للعالمين " أي فيه الهداية وأي هداية أعظم منشعائر إبراهيم وشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رابع هذه المزايا : أن الله سبحانه جعل فيه آيات بينات . وهذه الآيات البينات تتمثل في عدة أشياء وهي : (الصفا والمروة والركن والمقام والحجر والحطيم وزمزم والحجر الأسود )وقد اقتصر القرآن الكريم على مقام إبراهيم حيث قال " فيه آيات بينات مقام إبراهيم " مدللا على قدسيته ومقامه والمقام هو الحجرالذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت . قال أنس بن مالك رضي الله عنه "رأيت في المقام أثر أصابعه وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم ( قال قتادة : إنما أمروا بالصلاة عنده ولم يؤمروا بالمسح ( خامس هذه المزايا : أن الله سبحانه جعله آمنا لمن دخل فيه قال تعالى " ومن دخله كان آمنا " . قال قتادة : من دخل هذا البيت في الجاهلية كان آمنا حيث يؤمن القاتل من القتل ما دام أنه التجأ إلى الحرم . وقال القرطبي : هذا قول حسن وجيد (. سادس هذه المزايا : أن الله سبحانه توعد كل من يمس هذا البيت بسوء بالعذاب الأليم . قال تعالى :"ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقهمن عذاب أليم " . (الحج 9) وفي قوله " للذي ببكة " إشارة إلى هذا المعنى حيث إن من معاني البك في اللغة " دق العنق " لأنها تدق رقاب الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم ولذلك يقول ابن الزبير : لم يقصدها جبار قط بسوء إلا وقصه الله أي كسر ودق عنقه وظهره "، وفي التاريخ شواهد كثيرة على ذلك . سابع هذه المزايا : أن الله سبحانه جعل البيت مثابة للناس وأمنا . قال تعالى " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا " . (البقرة 125) . ومعنى مثابة للناس : أي مرجعا للحجاج والعمار يتفرقون عنه ثم يعودون إليه فقد روي ذالك عن ابن عباس ومجاهد وعطاء بأسانيد جيدة