تتحول ساحة "التوت"، أو كما تُعرف رسميا ب"ساحة أول نوفمبر"، التي تتوسط مدينة البليدة، إلى قبلة مفضلة للعائلات خلال الفترة المسائية، حيث تكتظ بالزوار من السكان المجاورين والوافدين من مختلف بلديات الولاية، بل وحتى من خارجها. رغم قلة المرافق المتوفرة بها، حيث تحتوي فقط على بعض المقاعد وباعة المثلجات والشاي والمكسرات، إلا أن العديد من العائلات تفضل قضاء أوقاتها هناك، هربا من حر المنازل، للاستمتاع بجوها اللطيف ومتابعة الأطفال وهم يلعبون ويستمتعون ببعض العروض، التي ينشطها عمال موسميون، على غرار جولات "عربة الأحلام". رمزية تاريخية وجاذبية اجتماعية تحظى ساحة التوت بشعبية كبيرة، تعود في جزء منها إلى بعدها التاريخي العميق، إذ يعود تاريخها إلى ما قبل الحقبة الاستعمارية. وهي تعتبر من المعالم التي لا يمكن لأي زائر مدينة الورود، أن يتجاهلها دون التقاط صورة تذكارية فيها. ورغم كونها مجرد ساحة دائرية، تحيط بها مجموعة من مطاعم الوجبات السريعة، وباعة الشاي والمثلجات، إلا أن تاريخها الرمزي يجعلها من أكثر الأماكن استقطابا للزوار. يتوسط الساحة، معلم بارز، يتمثل في نخلة تم غرسها، عقب هدم المسجد الذي كان قائما بالمكان، وهو ما يضفي عليها بُعدا روحيا وتاريخيا مهما في ذاكرة سكان البليدة. ويعتبرها البعض رمزية لمدينة الورود، حيث يتوافد إليها الكبار والصغار مساء، للاستمتاع بأجوائها، تحت ظلال أشجار "البلاطان" العملاقة، بينما يمرح الأطفال ويلهون في ألعاب بسيطة، يوفرها بعض الناشطين الموسميين. فضاء اجتماعي مفتوح لجميع الأعمار تقول إحدى المواطنات في حديثها ل«المساء"، إن الساحة تُعد بمثابة الفضاء الترفيهي الوحيد المتاح للأطفال في المدينة، حيث يجدون فيها متنفسا للعب والركوب في "عربة الأحلام"، إلى جانب ألعاب بسيطة أخرى يقترحها الباعة. كما تُعد الساحة وجهة مفضلة لكبار السن، الذين لا يغادرونها إلا في ساعات متأخرة من الليل، نظرا لهدوئها ودفء أجوائها الاجتماعية، كما تعتبر أيضا مكانا للراحة، يقصدها زوار الأسواق الشعبية بالبليدة، حيث يغتنمون فرصة التسوق من أجل قضاء بعض الوقت فيها. الاسم والتاريخ.. بين الحقيقة والأسطورة وحول أصل تسمية الساحة ب«ساحة التوت"، تحدث الباحث في التاريخ، يوسف أوراغي، ل"المساء"، موضحا أن لا علاقة تربط الساحة بشجرة التوت، رغم شيوع هذا الإسم في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد غرس بعض أشجار التوت فيها خلال ثمانينيات القرن الماضي. وقال أوراغي، إن الساحة تعود إلى العهد الأندلسي، حيث كان يتوسطها "جامع سيدي أحمد الكبير"، والذي تم تحويله إلى كنيسة سنة 1840، خلال الحقبة الاستعمارية. وفي عام 1871، وبعد هدم المسجد، تم غرس نخلة في المكان ذاته، اعتُبرت بمثابة تعويض رمزي عن "المقدسات الإسلامية" المهدمة. وأضاف الباحث، أن الساحة تحولت لاحقا إلى فضاء تُقام فيه تظاهرات ونشاطات ثقافية وفنية، واشتهرت منذ عقود طويلة ببيع المثلجات، حيث كان الزوار من مختلف ولايات الوطن، يقصدونها لتذوق أطيب أنواعها. وقد ورث سكان البليدة من الفرنسيين، تقنيات صناعة المثلجات بمختلف الأذواق، ولا تزال الساحة حتى اليوم، تُعرف بهذه الشهرة، ولعل هذا ما يفسر انتشار باعة المثلجات فيها. وأوضح أوراغي، أن الإسم الأصلي للساحة هو "ساحة أول نوفمبر"، وأن الأشجار المميزة فيها هي "البلاطان"، التي تم غرسها خصيصا لامتصاص كميات المياه الجوفية، التي كانت تشتهر بها أراضي المدينة، نتيجة التساقطات الكبيرة للثلوج على قمم جبالها، ولتوفير الظلال للسكان. ساحة "حرب الورود" تاريخ لا يُنسى اشتهرت الساحة أيضا منذ القدم، باحتضانها تظاهرات ومسيرات شعبية، لعل أبرزها ما يُعرف ب«حرب الورود"، التي تُعد من المحطات البارزة في ذاكرة المدينة، مما يزيد من قيمتها الرمزية في وجدان سكان البليدة، ويجعلها معلما حضاريا، اجتماعيا وتاريخيا، لا يمكن تجاوزه، ولعل هذا ما يفسر التوافد الكبير عليها، خاصة في فصل الصيف.