الشيخ: أبو إسماعيل خليفة عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما). قال ابن بطال في شرح البخاري: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما) يعني: باء بإثم رميه لأخيه بالكفر ورجع وزر ذلك عليه إن كان كاذبا). وقد روي هذا المعنى من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك) ذكره البخاري في باب ما ينهى عنه من السباب واللعن في أول كتاب الأدب. فيا أيها الذين يزعمون أنهم يفتشون القلوب ويشقون بزعمهم الصدور ليطلعوا على ما بداخلها من كفر وإيمان وحب وبغض. هل قرأتم يوما هذا الحديث. يا أيها الذين يصدرون أحكاما صارمة على خلق الله. ويا ليتها أحكاما عملية يمكن قياسها ماديا فتكون حينئذ من اختصاص البشر. هل قرأتم هذا الحديث.. إن تلك أحكاما تتعلق بالإيمان وتوابعه والإخلاص وآثاره والقلوب وأسرارها. هل تعلمون أنكم بما تفعلون يشاركون بهذا رب العالمين في أخصّ صفاته تبارك وتعالى. وهو علمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور علمه بالقلوب وما تحويه علمه بالسرائر علمه بما لا يطلع عليه من العباد سواه تبارك وتعالى. (يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور). (يعلم السر وأخفى)!. إن أمثال هؤلاء نصّبوا أنفسهم قضاة وحكاما على عقائد الناس ونواياهم فصنفوا الناس حسب أهوائهم فأخرجوا من شاءوا من الإسلام واتهموا من شاءوا بالنفاق ووصموا من شاءوا بالبدعة وأدخلوا من شاءوا الجنة وأدخلوا من شاءوا النار. أجرموا وما دَروا.. عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال رجل والله لا يغفر الله لفلان فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك رواه مسلم. فيا لها من جريمة عظمى يوم يضع المخلوق نفسه في موقع إصدار أحكام لا تكون إلا من الخالق جل وعلا. لقد جهل هؤلاء أنهم أجهل الناس بأسماء الله وصفاته والتي منها العليم والرقيب والخبير والحكيم. فجرّهم جهلهم إلى مشاركة الله في صفاته والتي منها الاطلاع على ما في القلوب والحكم على النوايا والسرائر. ألا أيها المتبعون للعورات المتلمسون للزلات إنكم على خطر عظيم!. إن الواحد منكم سيسأل يوم القيامة: لماذا كفرت المسلمين؟. لماذا فسّقت المسلمين؟. لماذا حكمت على النوايا والقلوب؟. هل عندك على ذلك من الله دليل وبرهان؟. عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر فوجده يوما على الذنب فقال: له أقصر فقال: خلني وربي أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: كنت بي عالما أو كنت على ما في يدي قادرا وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار) قال أبو هريرة والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته. صحيح الجامع ألا فليتق الله أولئك المصنفون لعقائد الناس ألا فليتق الله أولئك الذين نصبوا نفوسهم حكاما على النوايا والقلوب فليتقوا الله في كل من قال: (لا إله إلا الله) وكان على معتقد صحيح من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليتركوا ما بطن من السرائر والنوايا لله. ألا فاجتهدوا في إصلاح قلوبكم وسارعوا في مرضاة ربكم واسألوه سبحانه الثبات إلى الممات فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة وشرف العاقبة..