أبو ذر القصراوي كان النبي صلى الله عليه وسلم أميا لا يعرف الكتابة والقراءة كحال العرب في ذلك الزمان قال الله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158] وقال تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَاب وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت: 48] وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَال مُّبِين ) [الجمعة: 02] فأنعم الله سبحانه وتعالى عليه بعلم الكتاب والسّنة قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُّسْتَقِيم ) [الشورى: 52] فما أفضله من علم وما أكبرها من نعمة كيف لا وهو الوحي الصادق وعلم الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم قال الله تعالى:(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 09]. بلّغ النّبي صلى الله عليه وسلم رسالة ربه ونشر العلم الذي علمه ربه إياه وبين أهمية هذا العلم وفضله وحث على طلبه والتسابق لنيله قال الله تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: 114] وقال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر: 09] قال الإمام السعدي رحمه الله: قل هل يستوي الذين يعلمون ربهم ويعلمون دينه الشرعي ودينه الجزائي وما له في ذلك من الأسرار والحكم والذين لا يعلمون شيئا من ذلك؟ لا يستوي هؤلاء ولا هؤلاء كما لا يستوي الليل والنهار والضياء والظلام والماء والنار) وقال عليه الصلاة والسلام: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) [رواه مسلم] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) [رواه البخاري] وقال عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدّين) [رواه البخاري] وقال عليه الصلاة والسلام: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم) [رواه الترمذي] ملعونة أي مذمومة. المكانة المرموقة للعلماء في الإسلام لما كان العلم الشرعي بهذه الأهمية العظيمة جعل الله سبحانه وتعالى لأهله مكانة راقية وفضلا كبيرا في الدنيا والآخرة قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة: 11] قال الإمام ابن حجر: (قيل في تفسيرها: يرفع الله المؤمن العالم على المؤمن غير العالم. ورفعة الدرجات تدل على الفضل إذ المراد به كثرة الثواب وبها ترتفع الدرجات ورفعتها تشمل المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت والحسية في الآخرة بعلو المنزلة في الجنة) وقال الله تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران: 18] قال الإمام ابن القيم: (وهذا يدلّ على فضل العلم وأهله من وجوه: أحدها استشهادهم دون غيرهم من البشر والثاني اقتران شهادتهم بشهادته والثالث اقترانها بشهادة ملائكته) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) [رواه أبو داوود]. هؤلاء هم العلماء العلماء من أخشى الناس لله وأتقاهم لله قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر: 28] قال الإمام ابن كثير: (إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر) وقال الإمام الطبري: (إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء بقدرته على ما يشاء من شيء وأنه يفعل ما يريد لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته فخافه ورهبه خشيا منه أن يعاقبه) لقد أورثهم علمهم بالله سبحانه وتعالى خشية عظيمة وكيف لا فهم يوقنون بأن الله هو الخلاق العليم على كل شيء قدير لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء فاستسلموا له وانقادوا لأمره واجتنبوا نواهيه والله سبحانه جزاهم عن ذلك خيرا في الدنيا والآخرة والله ذو الفضل العظيم. وصف الإمام الآجري العلماء وصفا عجيبا ولخص أهميتهم وفضلهم في الدنيا والآخرة تلخيصا فريدا فقال رحمه الله ورحم جميع علمائنا: (فإن الله عز وجل وتقدست أسماؤه اختص من خلقه من أحب فهداهم للإيمان ثم اختص من سائر المؤمنين من أحب فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة وفقههم في الدين وعلمهم التأويل وفضلهم على سائر المؤمنين وذلك في كل زمان وأوان رفعهم بالعلم وزينهم بالحلم بهم يعرف الحلال من الحرام والحق من الباطل والضار من النافع والحسن من القبيح فضلهم عظيم وخطرهم جزيل ورثة الأنبياء وقرة عين الأولياء الحيتان في البحار لهم تستغفر والملائكة بأجنحتها لهم تضع والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع مجالسهم تفيد الحكمة وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة هم أفضل من العباد وأعلى درجة من الزهاد. حياتهم غنيمة وموتهم مصيبة يذكرون الغافل ويعلمون الجاهل لا يتوقع لهم بائقة ولا يخاف منهم غائلة بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون جميع الخلق إلى علمهم محتاج والصحيح على من خالف بقولهم محجاج الطاعة لهم من جميع الخلق واجبة والمعصية لهم محرمة من أطاعهم رشد ومن عصاهم عند ما ورد على إمام المسلمين من أمر اشتبه عليه حتى وقف فيه فبقولهم يعمل وعن رأيهم يصدر وما ورد على أمراء المسلمين من حكم لا علم لهم به فبقولهم يعملون وعن رأيهم يصدرون وما أشكل على قضاة المسلمين من حكم فبقول العلماء يحكمون وعليه يعولون فهم سراج العباد ومنار البلاد وقوام الأمة وينابيع الحكمة هم غيظ الشيطان بهم تحيا قلوب أهل الحق وتموت قلوب أهل الزيغ مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر إذا انطمست النجوم تحيروا وإذا أسفر عنها الظلام أبصروا). يتبع..