يشهد ارتفاعا رهيبا في السنوات الأخيرة الطلاق شبح مخيف يهدد كيان الأسر الطلاق ذاك الشبح الرهيب الذي يظل ويبيت متربصا بالبيوت لينتظر لحظات جنونية لينقض بكل وحشية وبكل ما تحمله الواقعية من اعتداء على الرغبات والآمال والأحلام..ويضع حدا لعلاقة تفنن طرفاها قبل ذلك في رسم معالمها ودروبها ووضعها على السكة الصحيحة ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ويحدث الطلاق. وقد تضخمت إحصائيات الطلاق قي الجزائر ما يوجب دق ناقوس الخطر للوقوف على الأسباب. خ.نسيمة /ق.م هل للظروف الاقتصادية دخل في ذلك؟ أم أن طاقة التحمل لم تعد كما كانت أيام زمان؟ أم أن مدرسة الزواج فقدت مصداقيتها؟ أم أن الاستهتار والتلاعب تسرب أيضا لهاته المؤسسة ليفقدها قدسيتها.... .في الأيام الأولى من الزواج تكون الأمور أكثر شاعرية وأكثر حب وحميمية وكل شيء يكون مثاليا ولكن مع مرور الأيام والشهور والسنوات تبدأ الحميمية تخبو والدفء يقل وشيئا فشيئا تتغير المعالم وذلك إما بسبب المشاكل التي تبدأ بالزحف على الشريكين وتحيطهما من كل جانب أو ربما لأن كل شيء فقد لمعانه وبريقه وحرارته بمجرد تعايشهما مع بعض وزوال تلك الهالة التي كانت تحيط بكل واحد منهما ولكن ماهو السبب الحقيقي وراء ذلك؟ هل انتهى ذلك الحب وتلاشى للأبد؟ أم أنه ما زال موجودا لكن وهج الحياة وإيقاعاتها جعله يخبو ويستتر في الظل؟ حتى تتضح الصورة أحسن كان لزاما ان نأخذ بعض الآراء لبعض الأزواج الذين إما استسلموا للأمر وتركوا الحياة ومشاكلها تفعل بهم ما تفعله ويضعون حدا لحياتهم الزوجية وإما لأزواج استطاعوا أن يتحدوا كل الصعوبات ويحافظوا على بعضهم البعض وعلى علاقتهم مع بعض. تطلقت بعد معاناة مريرة السيدة مليكة جميلة وكل شيء فيها ينطق بالأنوثة والأناقة لم تتجاوز العقد الثاني من عمرها لكنها مطلقة وأم لبنت في الرابعة من عمرها تحدثت لنا قائلة: _تزوجت وسني لم يتجاوز الخامسة عشرة بعد في البداية مانع أبي لأني كنت صغيرة كما أني كنت أحلم بإكمال تعليمي وحصولي على وظيفة راقية لكن أمام إصرار أهل زوجي وافق أبي خصوصا أن زوجي كان من عائلة محترمة وميسورة الحال صحيح أن زوجي لم يكن لديه مشروع أو شيء خاص به لكنه كان يشتغل مع أبيه كما هو الشأن بالنسبة لباقي إخوته. المهم تزوجت به وأصر أن أعيش مع أمه وأخواته حتى أتعلم الكثير عن الحياة الزوجية لأني صغيرة ولا أتقن بعد كيفية التعامل مع الزوج ولا أعرف شيئا عن الحياة الزوجية وافق أبي وذهبت للعيش معهم… وبعد مرور أقل من شهر بدأت المشاكل تنهال علي من كل حدب وصوب تارة مع أمه التي كانت دائما تصفني بأني مبذرة وأني أسرف في كل شيء حتى في الأكل والشراب وتارة مع أخواته اللواتي كن أحيانا كثيرة ينتظرن أن أدخل لأستحم فيسارعن إلى قطع الماء الساخن وإقفال قنينة الغاز لأخرج وأنا أرتجف من البرد.. وعندما رزقت بابنتي جن جنونهم وأجبروني على تناول حبوب منع الحمل حتى لا ألد ثانية صبرت كثيرا وتحملت لأنه لم يحصل أن كانت حالة طلاق في أسرتي أو عائلتي كنت دائما أحكي لأمي ما يحدث معي لكنها كانت دائما توصيني بالصبر ولكن ما أفقدني صوابي ولم أعد أستطيع أن أتحمل أكثر هو أن زوجي بدل أن يقف بجانبي ويواسيني ويحس بما أحسه بدأ ينهال علي بالضرب حتى يرضي أمه وأخواته وفي نهاية المطاف قرر أن ينفصل عني لأنه لم يعد يتحمل كثرة المشاكل مع أهله ومعي وجمع لي أغراضي وأتى بي وابنتي إلى بيت أهلي لا أخفي عليك صدمت كثيرا في البداية وعانيت لأكثر من سنة وأنا مريضة نفسيا لأني لم أستطع أن أستوعب فكرة أني أصبحت مطلقة وكيف سينظر لي المجتمع وهل سينصفني كيف سأتصرف وما ذنب هاته البنت؟ وما ذنب أهلي حتى يصبروا على وجود مطلقة بينهم فكرت كثيرا في أن أضع حدا لحياتي لكني في كل مرة أتردد لأعود وأفكر في ابنتي كيف أتركها ولمن؟ ومن سيحن عليها أو يرأف بها؟ لذلك قررت أن أصمد وأستمر وأقاوم من أجل ابنتي والحمد لله أحس أني استرجعت عافيتي وثقتي بنفسي. صحيح أني أعمل كمربية في روض للأطفال لكنه على الأقل عمل يضمن لي أن أنفق على ابنتي ولا أتركها تحتاج لأي شيء تقدم لي العديد من الخطاب لكني لا أستطيع أن أفارق ابنتي التي هي جزء مني كما أن أبوها رجع هذه الأيام ويستعطفني بشدة لأعود إليه لكني رفضت لأني متأكدة أن الوضع لازال على حاله والحياة هناك ستكون نفسها … وأنا حاليا لا أفكر في أي شيء سوى في ابنتي وضمان حياة راقية لها لا ينقصها أي شيء_. مليكة هي واحدة أو لنقل هي نقطة من بحر ما تزخر به مجتمعاتنا من حالات الظلم والتعدي على فتيات لا زلن في مراحلهن الأولى من التعلم من هاته الحياة ليقذف بهن القدر نحو ظروف وأجواء مليئة بالمتاعب والمحن والتحديات التي تصهرهن وتقوي عودهن وتعلمهن أشياء لم يكونوا ليتعلموها ولو قضوا سنين أعمارهن في الدراسة. وعدها بالهجرة ثم خذلها منى هي أيضا واحدة من بين آلاف المطلقات اللواتي تتزايد أعدادهن يوما بعد يوم التقيناها مرة عند باب المحكمة حينما أتت رفقة أمها وأبيها تحمل طفلها الذي لم يكمل شهره الثالث بعد تحدثنا إليها حينما كانت تستعد للمثول أمام القاضي قصد الطلاق فهمت من كلامها المتقطع أنها تزوجت قبل حوالي سنة ونصف من شاب يعيش بالمهجر لم تعش معه إلا أيام زواجهما الأولى حيث ذهب لإيطاليا على أمل أن تلتحق به عندما تستكمل الأوراق الخاصة بذلك لتكتشف بعد ذلك أنه متزوج ولا يستطيع أن يأخذها معه لأن القانون هناك لا يسمح بذلك وجدت الفتاة نفسها حاملا واضطرت لتصبر وتعيش مع أهله لأن هذا قدرها ولا تستطيع أن تغيره _على الأقل هذا ما كانت تقوله حماتها- وصبرت الفتاة على الذل والقهر كما عبرت لنا وكانت دائما تأمل أن تتغير الأوضاع خصوصا عندما تنجب فربما يحرك ذلك شيئا في أبيه ويجمع شمل الأسرة الصغيرة لكن الأب بخل على إبنه بإعطائه إسما لم يعترف به وهكذا ووفقا على اتفاق بين أسرته وأسرتها قررا الإنفصال. عجبت لسخافة الموقف أول مرة تلتقي منى زوجها كان عريسا ومهذبا وجاء خاطبا وطالبا يدها وثاني مرة وبعد غياب أكثر من سنة تلتقيه عند باب المحكمة ليمثلا أمام القاضي كي ينظر في شأن طلاقهما…. زواج لم يدم إلا يومان قصة منى لا تختلف كثيرا عن قصة إيمان فتاة لا يتجاوز عمرها 18 سنة تزوجت في الصيف الماضي بعد خطبة دامت سنة كان الزوج إبن عمتها يقطن بفرنسا أتى وخطبها وعقد القران عليها وارتأت الأسرتان أن يؤجلا حفل الزفاف لحين استكمال الأوراق اللازمة لإيمان حتى يتسنى لها اللحاق بزوجها بالديار الفرنسية وهكذا كان.. فبعد أن استكملت جميع الأوراق وقبل أسبوع واحد على انتهاء صلاحيتها… كان حفل الزفاف وزفت الفتاة إلى عريسها في ليلة من أحسن الليالي وكأنها من ليالي ألف ليلة وليلة موسيقى على اختلاف ألوانها وأشكالها و_طلّة_ للعروس التي كانت كأنها ملكة من شدة حسنها وجمالها زفت العروس وهي ترتدي ثوبا أوروبيا ناصع البياض كانت تبدو فيه وكأنها حورية بقي معها العريس يومان فقط وأخذ معه جميع الأوراق والوثائق التي تعبت المسكينة في جمعها وفي التجوال بين القنصلية والسفارة إلى أن استكملتها وبكل براءة كانت تنتظر إيمان زوجها أن يأتي خصوصا وأن الوقت يداهمها فيجب أن يحجزا ويسافرا فورا قبل انتهاء مدة صلاحية الأوراق لكن أين الأوراق..؟ ربما أخذها زوجها ليحجز لأن الوقت لا يسمح بمزيد من التماطل… لتكتشف بعد ذلك أن كل ذلك كان مجرد كذبة كبيرة عاشتها بكل جوارحها وبكل أحاسيسها لماذا فعل هذا؟ أليس هو الذي ألح في طلب يدها وفي الضغط على أهلها كي يوافقوا عليه؟ هل هي بشعة لهذه الدرجة؟ ماذا ينقصها؟ وما ذنبها؟ هل هي تصفية حسابات بين العائلة وكانت هي كبش فداء؟_ جلست الفتاة والأسئلة تنهال على مخيلتها كأمطار الشتاء لا تحسن لها جوابا وللأسف لم يستطع أحد أن يحسن لها جوابا ما ذنب هؤلاء الفتيات؟ ألأنهن هربن للزواج على رأي المثل (من هرب للزواج هرب للطاعة) يفعل بهن كل هذا؟ وهل القوانين تستطيع فعلا أن تنصفهن؟ ما ذنب أولائك الأطفال الذين يولدون وهم يتامى؟ لماذا يسكت الجميع عن هذا و لا ينصف امرأة مطلقة وهل الأزمة أزمة اختيار واندفاع؟ أم أنها أزمة استهتار وتلاعب وعدم تقدير للمسؤوليات؟ حقيقة الكثير من التساؤلات لا تجد جوابا شافيا وافيا امام الارتفاع الرهيب لظاهرة الطلاق في السنوات الأخيرة.