في غرفة واحدة تعيش عائلات بحي لصنامي في بلدية سيدي الشحمي التابعة لولاية وهران، الذي يضم بين جدرانه الضيقة أسرا متكونة من أكثر من ستة أفراد، وهم يعانون الأمرين، جراء الحالة الكارثية التي توجد عليها تلك المساكن المهترئة، وفوق رؤوسهم توصيلات كهربائية عشوائية تهدد حياتهم في أي لحظة، ووفاة أطفال رضع لم تتحمل أجسادهم الضعيفة الوضع البيئي الملوث في تلك الغرف أو "شقق" العائلات، التي تتنفس روائح الصرف الصحي بدل الهواء العلي.. وبين هذا وذاك يبحر الشباب في غياهب الانحراف لأنهم لم يتحملوا المبيت مع أوليائهم، أو تبديل ملابسهم بالتناوب، فمنهم من اختار الهروب من واقعه من خلال ما ينسيه ذلك في أقراص المهلوسات أو جرعات من الكحول، ومنهم من اختار البحر سبيلا إلى واقع أفضل فركبوا قوارب الموت، طمعا في الوصول إلى الضفة الأخرى. ولم يجد "مير" بلدية سيدي الشحمي بولاية وهران مبررا لحل معضلة أفراد أزيد من مائة عائلة يقطنون في مساكن أشبه بالجحور بحوش لصنامي، لأنها تفتقر إلى أدنى متطلبات العيش الكريم فعلى غرار تقاسم أفراد العائلة الواحة المتكونة من أكثر من ستة أشخاص مرحاضا واحدا مشتركا بين عدة عائلات من ضمن 117 عائلة تقيم بالحي، أضف إلى ذلك الأوضاع البيئية الكارثية بسبب انتشار القمامة في كل مكان والتي تشكل الفضاء الوحيد للعب الأطفال الذين يعانون من مختلف الأمراض وعلى رأسها الأمراض الصدرية والتنفسية نتيجة انعدام التهوئة في تلك "الجحور"، إلا أن يكون جوابه في رده على سؤال التلفزيون الجزائري الذي سلط الضوء على معاناة العائلات في مساكن لا تليق حتى للحيوانات فما بالك بالإنسان من خلال حصة "من واقعنا" سهرة الاثنين، أنه ك"مير" ما عليه إلا أن "يقارع" -أي ينتظر- برنامج رئيس الجمهورية، وكأنه يخلي مسؤوليته من أي التزامات تجاه تلك العائلات التي تعاني الويلات في تلك المساكن منذ 20 سنة خلت.. ونتيجة الضيق الكبير في الجدران والصدور، تفاقمت ظواهر الانحراف في الحي بكل أشكالها من سرقة، تعاطي المخدرات، الكحول بين شباب نشأوا بين أربعة جدران تمثل الغرف والمطبخ والحمام وكل ما يمكن أن تمثله شقة محترمة، فكيف للمير أن "يقارع" برنامج الرئيس الذي لا يمكنه أن يمتلك خاتم سليمان كي يحل كل المشاكل التي يتخبط فيها المواطنون، وقد نصب المسؤولين حتى يتكفلوا بتلك المشاكل كل حسب منصبه، فالأطفال في الحي المذكور يترعرعون بين مخالب الأمراض الناجمة عن محيطهم الملوث بدءا بالغرفة التي يقطنون بها والتي تنعدم فيها نسمة هواء، والمرحاض الجماعي الذي يمثل بؤرة لمختلف الأمراض التناسلية وصولا إلى المحيط الخارجي "المزين" بالأوساخ، كما أن الإخوة في الغرفة يتناوبون على تبديل ملابسهم، وقد تحدث صحفي التلفزيون مع أم تعاني ابنتها ذات الخمس سنوات من مرض تنفسي مزمن ناجم عن المسكن غير اللائق، وقد أكدت أن الطبيب فسر لها طبيعة مرض ابنتها التي لا يمكنها العيش اليوم إلا بحهاز للتنفس، وأضافت سيدة أخرى أنها تضطر إلى قضاء حاجياتها البيولوجية وعائلتها في دلو خلال الليل، خوفا من عضات الجرذان عند قصد المرحاض المشترك. وإذا عدنا إلى حال الشباب في الحي، وهم الذين يمكن لنا معرفة سنهم من خلال عدد السنوات التي قضوها في حيهم، لأنهم وبكل بساطة عندما فتحوا أعينهم وجدوا أنفسهم بين أربعة جدران فقط تضم الأب والأم والإخوة، فإنهم ليسوا بأفضل حال من الرضع والأطفال والنساء والرجال والشيوخ في الحي بل هم الأكثر تأثرا بالواقع المر الذي يحيونه، وهروبا منه تعاطوا كل أنواع المخدرات والكحوليات، وركوب البحر "حراقين" إلى واقع أفضل وغيرها من الآفات الاجتماعية التي تتولد من رحم المعاناة بمختلف أنواعها، هي معضلة يتقاسمها سكان حوش لصنامي الذين ينتظرون الفرج، بعد أن أودعوا ملفات من أجل الظفر بسكنات تليق بالبشر منذ أكثر من 18 سنة ولازال المسؤولون يتداولون على كرسي المسؤولية دون أن يجدوا حلا نهائيا لعائلات لا تتمنى إلا سكنا لائقا.