كانت جبال، سفوح ووديان، أنهار وبحار، جزر منعزلة ! هكذا كانت الأرض حين وطأتها قدماها لأول مرة، هبت رياح عنيفة وشديدة، سقطت جذوع أشجار ضخمة بين ضفتي نهر، وهوت أحجار ضخمة فاستقرت في قعر واد ··· استطاع أن يمر فوقها ليصل ويكتشف كل ما كان عنه معزولاً· مرت قرون، كثرت ذريته وانتشرت وتباعدت، تذكر ما جادت به الطبيعة عليه في الزمن الأول، فحاكاها وتعلم وصمم وخطط، وأقام وشيد من الخرسانة المسلحة والصلب ... أقوى وأضخم وأعلى الجسور، وأنتظر أن تأتيه ذريته وأن تتزاور لتتعارف، لكن لم يأته أحد، صاح بأعلى صوته مردداً اسمه! فلم يسمع إلا صدى صوته ولم تأته نفسه!· واكتشف أن الكثير من مواد أخرى يحتاجها البناء لم ينتبه لاقتنائها حتى يكتمل بناء جسوره، من سؤال، وصلة، وهدية، وابتسامة، وكلمة طيبة، وشهادة حق، وتنازل عن رأي، ودفء نظرة، ولمسة حب، دعاء بصدق، وركعتين في جوف الليل، وحوار بناء، وشراكة فكر دون تعصب أو مراء ··· بهذا وغيره كثير، تُبنى الجسور والروابط في المجتمع، مع الأهل والأقارب والأصحاب، بين الأزواج، والآباء والأبناء، بين الشعوب والثقافات. اختلفنا أو اتفقنا، توحدت أفكارنا أم تعددت اتجاهاتنا الصلة بالله، جسر بين العبد وربه عسى أن يتصالح ونفسه كيف نخطط لمد هذه الجسور؟ ما ضوابطها ومتطلباتها وركائزها ومحاذيرها؟··