محاولة قراءة لمتغيرات اقتصادية قادمة!    أكبر مصدر لتقلبات أسواق النفط عام 2026 .. الرئيس ترمب!    عملية عسكرية واسعة في طوباس..الاحتلال زاد تعذيب الأسرى الفلسطينيين خلال حرب غزة    تونس : سعيّد يدعو سفير الاتحاد الأوروبي إلى الالتزام بضوابط الدبلوماسية    قرعة كأس العالم 2026 : المنتخب الوطني في الوعاء الثالث    بسبب مازا..هجوم إنجليزي حاد على ريان آيت نوري    برنامج مكثف ومباريات قوية تنتظر مولودية الجزائر    ضمن قائمة التراث الإنساني لدى اليونيسكو : اجتماع تنسيقي لإعداد ملف عربي مشترك لتصنيف الألعاب التقليدية    ملتقى الصناعات الإبداعية وحقوق المؤلف : تسليط الضوء على ميكانيزمات النهوض بالصناعات الإبداعية في الجزائر    إحياء للذكرى ال193 للمبايعة الأولى : الدولة والأخلاق عند الأمير عبد القادر موضوع ملتقى وطني    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    فضائل قول سبحان الله والحمد لله    فتاوى    فواكه الخريف والشتاء حلٌّ طبيعي لتقوية المناعة    عشرات الخيام تأوي نازحين هجروا تضررت منازلهم بغزة    سعي إفريقي لتشكيل جبهة موحدة بين دول الاتحاد    تناولنا الفرص الاستثمارية الواعدة التي تتيحها الجزائر    الجزائر ملتزمة بالدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني    الدوبارة .. أكلة شعبية تحافظ على بريقها    سوق الملابس بين تقلبات المناخ وقلّة الإقبال    يوم الأحد المقبل عبر كامل التراب الوطني    زروقي يعقد اجتماعا مع المؤسسة المطورة للعبة PUBG MOBILE    جامعاتنا شعارها..العلم للجميع..؟!    البرهان يناشد ترامب التدخل لإنهاء الحرب في السودان    جامعة التكوين المتواصل تخضع حاليا لأحكام انتقالية    الجزائر قد تلعب افتتاحية المونديال    هكذا يتم تقريب الإدارة من المواطن وتحسين الخدمة بالولايات الجديدة    الجزائر تدعو لمقاربة متكاملة تقضي على أسباب آفة    كل الشروط متوفرة لتحقيق قفزة نوعية للاقتصاد الوطني    عقد لاستيراد 500 ألف عجلة للوزن الثقيل    آلة الحرب الصهيونية تعيث فسادا في الضفة الغربية    مشاركة الرئيس الصحراوي ردّ عملي على ادعاءات المخزن    دعوة إلى تمكين الشعب الصحراوي من حقّه في تقرير المصير    البحث العلمي تحوّل إلى قوة اقتصادية فعلية    الجزائر ستطالب "ايكات" بتعويضات عن خسائرها في 2028    الجزائر ترفع لواء السلم والأمن في إفريقيا    توحيد الجهود لتحقيق السيادة الصحية القارية    المؤتمر الإفريقي للأدوية فرصة لولوج الأسواق القارية    شجرة الزيتون.. رمز فخر على مر الأجيال    صرامة كبيرة وعقوبات قاسية ضد مخالفي قانون المرور    دعوة للتحقيق في وضعية مستشفى عين طاية    عوار يتحدث عن تجربته في السعودية وعلاقته مع بن زيمة    مفاجأة كبيرة في ملف عودة قندوسي إلى مصر    الفوز أو مواصلة الانكسار    الشروع في إعداد قوائم المستفيدين من منحة رمضان    إفريقيا تواجه تحدّيات غير مسبوقة    الجزائر تدعو إلى إعادة ترتيب الأولويات    الجزائر مصر.. روابط قوية وآفاق واعدة    وزارة التربية تعتمد رقما أخضر    الجزائر تطلق رسمياً مشروع تعميم المرجع الوطني للعنونة على مستوى العاصمة    افتتاح المهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي    الفنانة القديرة باية بوزار"بيونة"في ذمة الله    النادي الرياضي" أنوار باتنة"يحصل على 4 ميداليات    بوعمامة حاضر في منتدى داكار    بوعمامة يشارك في المنتدى الإفريقي للبث الإذاعي والتلفزي    انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد شلل الأطفال ابتداء من الأحد المقبل    هذه أضعف صور الإيمان..    يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات فلسطينية حميمية بعين نسائية
نشر في أخبار اليوم يوم 07 - 03 - 2012

تتحدث قصص الفلسطينية ميسون أسدي (لملم حريم) عن الحياة الخاصة لنساء يعذبهن الفقد للحميمية ويعشن حيوات تترنح تحت ضغط الروتين والاعتياد، فتجتمع عندهن صورتان نقيضتان، واحدة ظاهرة يومية وتشبه القناع، فيما الثانية باطنية، مستترة، نساء يتجوّلن في البيت والشارع وأماكن العمل وعلى شاطئ البحر في صور تبدو طبيعية وعادية، فيما تصطرع في أعماقهن نار القهر والحرمان·
ميسون أسدي ابنة قرية (دير الأسد) في الجليل، والتي تقيم في حيفا، تذهب إلى تلك المساحات الشائكة من عيش نسوي يطفح بمرارات لا تحصى من تفاصيل ومشاهد تؤلف مجتمعة ومنفردة محنة الروح في جحيم اليومي الطافح بالمرارات والخيبات·
(لملم حريم) مجموعتها القصصية الجديدة (منشورات مكتبة كل شيء (حيفا) 2012) تختار لها منذ البداية عنواناً لافتاً، سنجد تفسيره في القصة التي تحمله وتعبر عنه، وتحمله كذلك عنواناً لها وللمجموعة معاً، وهو اختيار لافت من الكاتبة، ف (لملم حريم) هو اسم الاتحاد النسائي في اللغة الأفغانية، على ما يضمره ذلك من مفارقات حياة النساء في تلك البقعة القصية من العالم·
في الهواء الطلق
في قصة (الصفر يربح)، تحكي ميسون أسدي عن تباهي النساء بفحولة أزواجهن في نوع من إغاظة الأخريات، وعن حكايات وأجواء حميمة لتنتهي القصة بخاتمة هزلية، إذ تروي إحداهن لصديقتها حكاية عجوزين يراهن أحدهما الآخر على الروليت حول عدد المرات التي يعاشر كل واحد منهما زوجته فيها، فيختار كل منهما رقماً، لكن الروليت تقف عند الرقم صفر، فينظر كل منهما للآخر قائلَيْن: كنا ربحنا لو اخترنا الرقم صفر·
في القصة سرد يذهب مع النساء إلى الطبيعة، الأماكن المفتوحة والهواء الطلق، وبالذات البحر، حيث تلتقي الصديقات هناك، في ما يشير إلى رغبة عميقة في التحرر من الروتين اليومي وأثقاله· نساء ميسون أسدي يحتفلن بالحياة، ويملأهن جموح عيشها· هنا بالذات تزدهر كتابتها بالجزئيات والتفاصيل الصغيرة التي تجعل سطور القصة تجمع بين السرد وبين البوح الدافئ والذي يضفي على القصص حميمية العلاقة مع القارئ· قراءة المجتمع من خلال عالم نسائه وما يحيط بتلك العوالم من ضنك، لا يطفو على سطح الجدالات الفكرية والثقافية عادة، وأعتقد أن ميسون أسدي بهذه القصص تفتح باباً واسعاً لرؤية ذلك المسكوت عنه، والذي قد يبدو من النظرة العابرة بعيداً من (العناوين الكبرى) والموضوعات العامة، ولكنه بقليل من التأمُّل يشير لها، بل يصدر من أتونها ومن تفاعلاتها، التي تحكم المجتمع وتخضعه لسطوتها وهيمنتها·
في قصة (شحنة من الأمل) تكتب أسدي حكايات الطفولة الفلسطينية في شقيها، المقيم في فلسطين وذلك الذي في مخيمات اللجوء في لبنان· هي قصة جذابة وجارحة، من خلال أطفال ينشدون لأي طائرة تحلق في السماء كي تعيد لهم أهلهم وأقاربهم الغائبين· هي قصة تنتمي لما يمكن أن نسمّيه (فلوكلور العادات) عند أطفال فلسطين في كل أماكن تواجدهم: الطائرة رمز الحركة الحرة، تشبه معادلاً لبساط الريح، يرمي لها الأطفال أمنياتهم، ولكنهم يكتشفون فجأة أنها لم تعد طائرة أحلامهم وأمنياتهم السعيدة، بل وحشاً كاسراً يتهددهم بالموت·
ثمة هتاف واحد تردّده فتاتان، واحدة ولدت وعاشت في (عين الحلوة)، والثانية ولدت وعاشت طفولتها في الجليل وجاءت إلى عين الحلوة، وتكتشف الفتاتان أنهما دون ترتيب مسبق تحفظان الهتاف ذاته· توقفت طويلاً أمام هذه القصة الجميلة التي تتناول التراجيديا الفلسطينية من حدقات الأطفال: هنا تجانب ميسون الكليشيهات الجاهزة وميلودراما الشعارات التي راجت طويلاً في الأدب المباشر، وتكتب عن ذلك النبض البريء والمشاعر البسيطة، وأبلغها الحلم بعائلة مكتملة بحضور أفرادها·
الطبقة الوسطى
لافتٌ في مجموعة ميسون أسدي الجديدة بطلاتها، من النساء اللواتي تختارهن الكاتبة من صفوف الطبقة الوسطى، أعني هنا بالتحديد نساء فاعلات اجتماعياً ويشاركن بالعمل والعلاقات الاجتماعية عامة، ويعشن حالات ازدواجية تخبئ معاناة هائلة تتكثف كلها في غياب الحب، وفقدان التواصل مع الشريك حتى في حالات الزواج بعد علاقة حب عاصف· لافتة تلك القصة التي تختتم بها الكاتبة مجموعتها، والتي حملت العنوان (أشعلت مصباح السرير)، ففيها نقف على فضاء سردي لعله الأجمل والأعمق بين قصص المجموعة كلها: قصة إذ تتناول رتابة العلاقات بين الزوجين من وجهة نظر المرأة وما تعانيه، نراها تعود (وفي حبكة سردية جذابة) لرؤيتها في الجانبين، أي أيضاً في ذلك الجانب المتعلق بالرجل· القصة تحكي عن امرأة تعيش حالة من الحرمان الجنسي تشعر معها أن جسدها يصاب بارتعاشات تظنها ارتعاشات الشهوة لتكتشف لاحقا أنها مصابة بالسرطان، وأن عليها الخضوع لجراحة·
نهاية رمزية بالغة الدلالة تختارها ميسون أسدي لقصتها، ففي حين تبدأ القصة ببوح بطلتها أنها لا تحب أن تشعل ضوء السرير لأنها لا تريد أن ترى زوجها، نجدها في خاتمة القصة على عكس ذلك، ترغب في إشعاله بعد أن تفاجأت بحجم الحب الذي يحمله زوجها لها· قصة تحيل المسألة إلى الحياة الاجتماعية ذاتها التي تجعل الرجل والمرأة معاً ضحيتين للاغتراب ووحشة الوحدة·
أعتقد أن واحدة من ميزات هذه المجموعة القصصية هي بالذات في موضوعاتها ومناخاتها الاجتماعية التي جاءت متنوعة، ترى بحدقتين يقظتين ما بعد الظواهر الاجتماعية التي تبدو عادية أو مألوفة ولا تثير عادة انتباهات لافتة عند الناس· الكتابة في حالة كهذه تمزج الرؤية العميقة لجماليات القص، وفي الحالتين نجحت ميسون أسدي في كتابة قصصية عالية المستوى، أخذتنا إلى القراءة بمتعة واهتمام·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.