وفد صحراوي في ستوكهولم لفضح جرائم الاحتلال المغربي بالصحراء الغربية    محمد الصديق آيت مسعودان يستلم مهامه كوزير للصحة    القمة العربية الإسلامية الطارئة: الوقوف "صفا واحدا" إلى جانب دولة قطر في مواجهة العدوان الصهيوني    العاب القوى مونديال-2025: سجاتي وتريكي آخر آمال التمثيل الجزائري للتألق    عجال يتسلم مهامه على رأس وزارة الطاقة والطاقات المتجددة : ضمان الأمن الطاقوي وتطوير المشاريع الكبرى من أبرز التحديات    آمال عبد اللطيف تتسلم مهامها كوزيرة للقطاع : "التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية رافعة للاستقرار الاجتماعي"    ناصري وبوغالي يترأسان اجتماعا لضبط جدول الأعمال : إيداع 18 مشروع قانون لدى مكتبي المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة    وزير الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية:"سنرفع التحدي لتحقيق الأهداف المنشودة"    العدوان الإسرائيلي على الدوحة : اجتماع طارئ مجلس حقوق الإنسان اليوم    القمة العربية الإسلامية الطارئة:الجزائر تُدعم قطر في صون سيادتها    تكثيف عمليات الإبادة في المدينة..استشهاد 25 فلسطينيا في عدوان إسرائيلي على غزة    حول الوقود المستدام والهيدروجين..الجزائر تشارك في اجتماعين وزاريين بأوساكا اليابانية    اليوم الوطني للإمام: نشاطات متنوعة مع إبراز دور الإمام في المجتمع بولايات شرق البلاد    باتنة : التأكيد على تكثيف الأبحاث والحفريات حول تطور التعمير البشري بالأوراس    انعقاد اجتماع ثلاثي جزائري-تونسي-ليبي قبيل افتتاح أشغال القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة    إعادة فتح العيادة المتخصصة في أمراض الأنف والأذن والحنجرة بباتنة بعد تهيئتها وتجهيزها بتقنيات حديثة    افتتاح الدورة البرلمانية: المجلس الشعبي الوطني سيواصل مهامه بنفس العزيمة والإصرار    تيسمسيلت : استلام أربعة مراكز جوارية لتخزين الحبوب قبل نهاية 2025    بومرداس: إنطلاق الطبعة 27 للأسبوع الوطني للقرآن الكريم    قفزة ب300% في تموين المستشفيات بالأدوية المحلية تعزز الأمن الصحي بالجزائر    تنظيم الطبعة ال7 للصالون الدولي للواجهات والنوافذ والأبواب من 20 إلى 23 سبتمبر بالعاصمة    الرابطة الأولى المحترفة "موبيليس": م.الجزائر-م.وهران صراع من أجل التأكيد    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة (أقل من 20 سنة): المنتخب الوطني ينهزم أمام أوغندا (3-1)    افتتاح الدورة البرلمانية العادية    عشرات المستوطنين الصهاينة يقتحمون المسجد الأقصى    اختتام فعاليات مخيم الشباب لذوي الاحتياجات الخاصة    أسبوع وطني للصحة المدرسية    رونالدو الأوّل ورام يتفوق على ميسي    مطار الجزائر يستعين بالذكاء الاصطناعي    خفض التصنيف الائتماني لفرنسا    تكريم جزائري لسلوم حدّاد    تفكيك شبكة إجرامية وحجز 5623 كبسولة    رئيس الجمهورية يعين أعضاء الحكومة الجديدة    توقيف ثلاثيني بعد ظهوره في فيديو    بوغالي يرحّب باعتماد إعلان نيويورك حول حلّ الدولتين    الجزائر ملتزمة بترقية الديمقراطية وحقوق المرأة    مخطط خاص لتأمين الإقامات الجامعية    خارطة طريق للتعاون والتطوير المنجمي    الصيدلة الاقتصادية أداة استراتيجية لمرافقة السياسات الصحية    تعليمات للتكفّل الأمثل بانشغالات الصيادلة الخواص    فان بيرسي يدافع عن أنيس حاج موسى ويتهم التحكيم    يوسف بلايلي يثير أزمة جديدة في تونس    69 مليارا مستحقات "سونلغاز"    إعداد ملف لإدراج المالوف ضمن قائمة التراث العالمي    ملتقى وطني عن آثاره وإنجازاته الرائدة في نوفمبر القادم    أدب السجون.. وثيقة تاريخية وأخلاقية بأبعاد كونية    المالوف من المدرسة إلى العالمية : الطبعة ال13 للمهرجان الثقافي الدولي للمالوف من 20 إلى 24 سبتمبر    ضيوف إمدغاسن يكتشفون جمال جبال الشلعلع    وجهة سياحية ساحرة تستقطب عشاق المغامرة    إصابة عمورة تُهدد جاهزيته لمباراتي الصومال وأوغندا    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    المولودية تعود بالفوز    الديوان الوطني للحج والعمرة يحذر من صفحات مضللة على مواقع التواصل    الديوان الوطني للحج و العمرة : تحذير من صفحات إلكترونية تروج لأخبار مضللة و خدمات وهمية    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    سجود الشُكْر في السيرة النبوية الشريفة    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكيان الصهيوني والنفق المظلم
نشر في أخبار اليوم يوم 26 - 12 - 2012


بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي
تكثرُ كل عام في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر، وهو الشهر الأخير في السنة، التنبؤاتُ والتوقعاتُ وقراءاتُ المستقبل، وينشطُ في هذا الموسم العرافون والمشعوذون والمهتمون بالفلك والأبراج وحركة ومسار النجوم، فتسمو نجومهم المعتمة، وتزداد شعبيتهم الرخيصة في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ويصبحون ضيوفاً مرحباً بهم على كل الشاشات في كل ليلة، وأخيراً عبر شبكات الاتصال المختلفة، حيث يحسنون استغلال موسمهم في جني أكبر قدرٍ ممكن من المال، وهم يتنبأون بالحروب والثورات والكوارث، ويتوقعون مرض زعيمٍ وموت آخر، وينشغل الناس بتنبؤاتهم ويصدقونها خاصة تلك التي تتعلق بسقوط الأنظمة ومرض وموت ومقتل القادة والرؤساء، لأنها أحلام الكثيرين وأمانيهم، وهي دعاء الله عليهم، فهم كابوس منامهم ومعاناة حياتهم، ومصدر أحزانهم وآلامهم.
أما الكيان الصهيوني فلا أحد من العرافين والفلكيين يتنبأ له بالزوال والسقوط، أو بالهزيمة والاندحار، أو بكارثةٍ تدمره، أو حدثٍ يزلزله، أو بتغييرٍ كوني يشطب وجوده وينهي كيانه، رغم أن هذا هو حلمنا وغاية أمانينا، وهو دوماً على ألسنتنا التي تتوجه إلى الله بالدعاء على كيانهم بالهزيمة والانكسار، وأن ينتقم منهم ويرينا فيهم يوماً أسوداً، ولكن أحداً من العرافين لا يتجرأ أن يتنبأ بمآل الإسرائيليين ومستقبل أيامهم، وكأن الأبراج لا تخبرهم عنهم شيئاً، أو لا تقوى على البوح بأسرارهم، ولا كشف حقيقة مصائرهم، تضامناً معهم، أو خوفاً على نفسها منهم، لئلا تنحرف عن المسار فتضطرب، أو تضل الطريق فتهوي، أو يطالها شهابٌ فتحترق.
ولكن الإسرائيليين أنفسهم يقرأون مستقبلهم، ويتنبأون بمصيرهم، ويستشعرون مآلهم، ويتحدثون عن عيوبهم ونقائصهم، ويكشفون عن عجزهم وخوفهم، ويبدون قلقاً على مصيرهم ومستقبل وجودهم، ونحن إذ نكذب مشعوذينا وإن صدقوا، فإننا نصدق الإسرائيليين وإن كذبوا، عندما يقولون عن أنفسهم إنهم حيارى وقد ضلوا الطريق، وأنهم يسيرون إلى حيث لا يدرون، وأن المستقبل أمامهم غامض، والمصير مجهول، والأعداء كثر، والتحديات جسام، والنفق الذي دخله كيانهم مظلمٌ وطويل، ومعتمٌ ومخيف، ولا يعرف له نهاية أو خاتمة، وهم لا يعتمدون في تشخيص حالهم على حركة النجوم والأبراج، ولا على تنبؤات متحذلقٍ جاهل، يستغل العقول، ويستخف بالناس، ويوهمهم بما لم يعطه الله أو يخصه بعلمه دونهم.
رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي السابق يوفال ديسكن، الذي أشرف على قيادة الجهاز لسنواتٍ طويلة، وصبغ الكثير من أنشطته ومهامه بصبغته الشخصية، وعرف عنه أنه أحد أقوى الشخصيات الأمنية في تاريخ الكيان الصهيوني، يعلن خوفه من المستقبل، وهزيمته وكيانه أمام المستجدات العربية، والمتغيرات الدولية، وأن الذي ينتظر كيانه أكبر بكثير من استعدادات حكومته وقدرة شعبه على الصمود والثبات، ما دفعه إلى دعوة شعبه إلى التنبه والحذر، بأن القادم غريبٌ وخطر، وهو مفاجئ وخارج إطار الحساب والتوقع، ولا يوجد في كيانه رجلٌ زعيمٌ قادر على قيادة الشعب وتحمل المسؤولية، والمضي بالدولة والشعب إلى بر الأمان، إذ أن الحسابات الشخصية أكبر، والمكاسب الحزبية أهم، والمنافع والمكتسبات الآنية أكثر إغراءً وإغواءً، والزعماء المتنافسون فاسدون انتهازيون كاذبون ومضللون، تهمهم مصالحهم الشخصية أكثر من مصالح شعبهم.
يوفال ديسكن لا يختلف كثيراً عن غيره، ممن يرون أن الانتخابات الإسرائيلية القادمة قد تكون الأخيرة التي يشهدها الكيان الصهيوني، فقد لا يكون بعدها قادراً على خوض انتخاباتٍ عادية، وفق قواعد الهيمنة والقوة والتفوق الاستعلاء، الذي كان يخلق طمأنينةً واستقراراً، وإنما سيكون لزاماً عليه أن يخلق قيادة موحدة، وجبهةً وطنية عريضة لمواجهات التحديات التي ستعصف بالكيان واقعاً ومستقبلاً، حالاً ومصيراً، وهو لا يعتمد في تنبؤاته على خياله الأمني الواسع، أو قدراته التصويرية المخادعة، وإنما يقرأ أن نسبةً قد تصل إلى ثلث سكان الكيان الصهيوني يفكرون في الهجرة، وترك أرض (إسرائيل)، والتخلي عن حلم (أرض الميعاد والأجداد)، ونسيان الهيكل وعدم المقامرة بالمصير من أجل صفحاتٍ من التاريخ كانت عابرة، وهي إشارةٌ لديه خطيرة، ولا يستطيع أن يكذبها أو ينكرها، إذ تثبتها سجلاتٌ وقوائم، وتحتفظ بها أجهزة وحواسيب، ما يجعل من ناقوس الخطر الذي يدقه حقيقةً لا خيالاً.
يوسع ديسكن إطار مخاوفه على مستقبل كيانه ومصير شعبه، فلا يحصر الخطر في أمةٍ عربيةٍ ناهضة، تملك إرادتها وتعرف وجهتها، أو في رحيل قياداتٍ عربية كانت تحمي الكيان الصهيوني وتحول دون الاعتداء عليه أو تعريضه للخطر، أو تكتلٍ دوليٍ جديد، تشكل فيه دول أوروبا القلب والمحرك، يعارض سياسات الحكومات الإسرائيلية، ويهدد بعزلها وفرض العقوبات عليها، بل وفرض حلولٍ قسرية عليها، وقد سبق أرئيل شارون ديسكن في مخاوفه عندما قال(أخشى أن تنظر أوروبا إلى (إسرائيل) على أنها تشيكوسلوفاكيا فتفككها)، وتتخذ بنفسها قراراتٍ نيابةً عنها، الأمر الذي يجعل المخاوف جدية، داخلية وخارجية، تطال الحلفاء والأصدقاء والأعداء معاً، خاصةً في ظل سياساتِ وزراءٍ يحسنون فض الحلفاء، وإهانة الأصدقاء، وتخويف دول الجوار، وتهديد المستقبل الوحيد المضمون للكيان، بقتل فرص السلام والاتفاق مع السلطة الفلسطينية، التي قد لا يكون غيرها قادراً أو مستعداً لبناء السلام.
لا يتوقف ديسكن عند هذه المخاوف، بل يعمق الخوف لدى سكان كيانه مشيراً إلى أن اقتصادهم في خطر، وأن أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية تزداد وتتضخم، وأن الحكومات الإسرائيلية التي انشغلت في الاستيطان والأمن، أغرقت المواطن الإسرائيلي في أزماتٍ من الفقر والديون، وكشفت عنه الدعم والطبابة والضمان، وجعلت مستقبله في خطر، فلا شيخوخة مضمونة ولا أمان اجتماعي، ما يجعل المواطن يفكر في البديل، وفي السعي للنجاة من خطرٍ محدقٍ قد بدت ملامحه في كل مكان، محذراً بشدة من الفجوة الاجتماعية الكبيرة التي ستنشأ.
إن المستطلع لمستقبل الكيان الصهيوني هم أكثر رجاله تبصراً، وأقدرهم على تقدير الأمور، وحساب موازين القوى، ممن يملكون تفاصيل المعلومات ودقيقها، وممن يعرفون قوتهم والسلاح الذي يملكون، من كبار ضباط جيشهم، ومسؤولي أجهزته الأمنية الكبار، ممن يعرفون الأثر النفسي لتصريحاتهم، والبعد المعنوي الذي ينعكس على شعبهم وجيشهم نتيجة اعترافاتهم، فهم يعرفون أكثر من غيرهم، ويستشعرون الخطر الداهم قبل وقوعه، ويتبجحون أنهم يعرفون عدوهم، ويدركون مراكز قوته ومواطن ضعفه، فلنصدق نبوءاتهم، ولنمض بهم إلى حيث مصارعهم، ولنعمل على خلق واقعٍ جديد، نكون نحن فيه الأقوى، وهم فيه الأضعف والأكثر خوفاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.