لازالت المستشفيات تصنف على أنها قطاع مريض وحالته تزداد سوءا يوما بعد يوم ويبقى المرضى هم الضحايا، إذ يتم تقاذفهم من مكان لآخر ولا مناص من استعمال لغة العنف معهم والصراخ في وجوههم من دون أدنى اهتمام بحالاتهم المرضية الصعبة بحيث تزيدهم تلك المعاملات سوءا، ولولا أوجاعهم لفروا هاربين من تلك المستشفيات التي صار النهر والصراخ في وجوه المرضى وذويهم الأسلوب الشائع والغالب بها. ب. وسيلة ونحن ندخل إلى مستشفى مصطفى باشا الجامعي قابلتنا تلك الجموع والوجوه الشاحبة التي تحمل في نفوسها الكثير من المآسي والأحزان، زادتهم المعاملة التي يحظون بها على مستوى المستشفيات من كامل الأطقم الطبية سواء من بعض الأطباء أو حتى الممرضين معاناة أخرى، بحيث يضطر المرضى القدوم إلى المستشفى منذ الصباح الباكر بحكم إقامتهم بمناطق تبعد عن العاصمة على غرار تيبازة بومرداس، تيزي وزو، قسنطينة، وهران، تقرت، عنابة.... وغيرها من الولايات الأخرى بحثا عن استطبابات لعللهم المستعصية إلا أنهم يتذوقون الأمرين بغية الوصول إلى ذلك المنال الصعب تحقيقه إلا أنهم يحاولون قدر المستطاع مواجهة كل الصعاب وتعنت بعض الممرضين والصراخ في وجوههم لأجل الاستفادة من العلاج ويرون أن كل شيء يهون في سبيل الشفاء ووضع حد لآلامهم. مرضى ينتظرون من الساعة الثامنة إلى الواحدة الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك هو مثل شائع، إلا أن لا تطبيق له في بلدنا كبلد إسلامي يمنع فيه إهدار الوقت ويوجب استعماله في مختلف المنافع إلا أن الجاري ببعض المستشفيات يجسد الوضعية الحرجة التي آل إليها المرضى، فالأطقم الطبية لا معنى للوقت في قاموسها، وأضاع بعضهم بتصرفاتهم حتى أوقات الناس الذين يفدون إلى المستشفيات من أجل أخذ الحصص العلاجية في وقتها إلا أن أفضلهم أو أحسنهم من يقوم بذلك في حوالي ساعتين من الوقت، أما البقية فينتظرون لنصف يوم أي منذ الساعة الثامنة وإلى غاية منتصف النهار لكي يأتي دورهم، بحيث أن بداية الكشف لا تتم إلا في حدود الحادية عشر أو أكثر ويضطر المريض إلى الانتظار المطول، وتحمّل آلامه طيلة تلك المدة ويكون على الأعصاب، إلا أن لا حيلة له فالاحتجاج يعني نهره من طرف الممرض أو حتى الوصول إلى إقصائه من الكشف وتأجيله إلى وقت لاحق وكأن الذنب ذنبه. وهو ما وقفنا عليه على مستوى مصلحة طب العيون بمستشفى مصطفى باشا الجامعي التي يتذوق فيها أغلب المرضى الأمرين خصوصا وأن الكثير من الجزائريين يعانون من أعراض متنوعة على مستوى البصر ورمى بهم القدر إلى هناك. بحيث وما إن دخلنا إلى هناك حتى لاحظنا جموعا من المرضى بملامح مستاءة على وجوههم بعد أن وفدوا في الصباح الباكر إلا أن ساعة الخضوع إلى الكشف لا تخرج عن منتصف النهار. أحد المرضى عبر بنبرة حادة وقال يوم مشؤوم هو الذي يحين فيه موعد الكشف والخضوع إلى الرقابة الدورية على عينيه، إذ يجد نفسه يفد إلى المصلحة في حدود السابعة والنصف ولا يغادرها إلا بعد منتصف النهار بسبب التماطل المعلن من طرف الأطباء والممرضين وصرنا كالكرة التي يتم تقاذفها هنا وهناك ويهدر وقتنا هكذا لأسباب خارجة عنا، ووضعنا بين نارين نار الوقت المطول ونار احتمال عدم الظفر بالكشف إذا اقتربت الساعة الواحدة، بحيث لا يتوانى الممرضون على تأجيل الموعد إلى الأسبوع اللاحق وكأن الذنب ذنبنا بل هم من أضاعوا الوقت للمريض بتماطلهم المعلن والويل كل الويل لمن تجرأ وسأل أحد الممرضين عن دوره أو عن قدوم الطبيب المعني فالصراخ سيكون مصيره الحتمي. استياء كبير للمرضى من الحالة الكارثية عبر جل المرضى عن استيائهم الكبير من الحالة الكارثية التي يتخبطون فيها وعن تيههم المتواصل على مستوى المستشفيات خصوصا وأن أغلبهم وفدوا من ولايات بعيدة بحثا عن الشفاء، إلا أنهم اصطدموا بالمعاملة المهينة بدل الأخذ بيدهم وتوجيههم وإرشادهم، فأغلب الأعوان هناك رفعوا شعار (تخطي راسي) وبعضهم لا يقومون بإرشاد المريض إلا من رحم ربي وكأنهم سخروا هناك من أجل الزيادة في شقاء المريض وليس لتيسير خدماته وتوجيهه، خصوصا وأننا نجد بعض الممرضين الناقمين على المرضى بحيث يرونهم أنهم مصدر شقائهم وتعبهم وكأنهم وطئوا مصالح المستشفيات من أجل الراحة والاستجمام وليس بغرض العمل، بحيث عادة ما نجدهم جماعات جماعات وهم يضيعون الوقت في الأحاديث الفارعة خصوصا بعض النسوة الممرضات بدل تقديم خدمة نافعة للمريض، وإن حدث وأن فاجأهم المريض بالدخول فالخطوة الأولى هي إرسال نظرات ثاقبة إليه وكأنها سم قاتل، بعدها يتم تقاذفه إلى مصالح أخرى من أجل استكمال الأحاديث الفارغة أصلا قد تكون تدور حول مسلسل تلفزيوني أو طبخة وغيرها من الأحاديث النسوية التي تكون في غير موضعها على حساب صحة المريض. سيدة أخرى قالت إنها تتنقل من مصلحة إلى أخرى منذ الصباح الباكر لأجل الكشف عن ابنها ولم يحظ ابنها بذلك حتى قلق وانزعج وطلب منها الذهاب بعد أن سئم من الوضع. أما مجاهدة أخرى في حدود الثمانين والتي التزمت الصمت ونابتها ابنتها في التعبير عن الغضب إزاء الحالة الكارثية، إذ أجبرت أمها العجوز على الجلوس هناك من الساعة السابعة والتزمت بالصمت وكأنها لم ترد البوح عن ما يختلج في نفسها وهي المجاهدة التي ضحت بالنفس والنفيس لأجل إخراج العدو لكي يكون مصيرها الانتظار المطول لأجل أخذ العلاج في بلد الحرية، لاسيما وأن حالتها الصحية لا تسمح لها بذلك على حد تعبير ابنتها، بحيث ظهرت تلك العجوز الشهمة وهي صامتة وصامدة، وشابه صمودها هناك بكثير صمودها أمام المستعمر الغاشم بالأمس لكنها ثارت في الأخير وطلبت من ابنتها مغادرة المستشفى، لكن ابنتها أقنعتها بضرورة الكشف خصوصا وأنهما انتظرتا لوقت طويل ولا يليق في الأخير الذهاب من دون خضوعها إلى الكشف. وقد اتخذ بعض الأطفال المرضى الحل بالنوم على المقاعد الباردة من الإسمنت المحاذية للجدران بعد أن أوفدتهم أمهاتهم إلى هناك في وقت مبكر خوفا من فوات الوقت وتضييع الكشف إلا أنهم وجدوا أنفسهم وهم يضيعون الساعات من دون فائدة. المستشفيات العمومية أهانتنا... والخاصة ألهبت جيوبنا! (اللي ما يكونش عندو المال يعفسو عليه) كانت هذه العبارة لأم مريض يعاني من عارض صحي على مستوى العينين، إذ قالت إنها وفدت في وقت مبكر إلا أن الوقت مر ولم يظفر ابنها بالكشف بعد ساعات طوال، ولم تجد إلا النهر والصراخ من طرف الممرضين لمجرد استفسارها عن أسئلة بسيطة التي يتفادى الممرضون الإجابة عنها فكلهم لا يعلمون وكلهم لا يدرون، فما الفائدة من لبسهم تلك المآزر البيضاء والحوم بها على مستوى رواق المستشفى على حد قولها فهم حادوا عن تحقيق مصلحة المريض بإرشاده وفك الغبن عنه بل زاد بعضهم من شقائه. أما شيخ آخر في حدود السبعين من العمر فقال إنه لو وجد العلاج في المشافي الخاصة لما وطأت رجلاه إلى هناك بسبب المهانة التي يتعرض لها المرضى، بحيث يفضل أن يدفع المال بدل جرح كبريائه من طرف ممرض أو حتى طبيب، ومرد لجوئه إلى مستشفى عمومي هو توجيهه من طرف عيادة خاصة لم توفق في إيجاد العلاج له كونه متوفرا في المشافي العمومية، بحيث قال لا سنه ولا حالته المرضية يسمحان له بالانتظار لساعات لأجل الكشف، ناهيك عن نظرات الاحتقار والغل الذي يرسلها بعض الممرضين إلى المرضى، باصمين أننا مصدر شقائهم وإزعاجهم فهذا يأمر بالجلوس في قاعة الانتظار وآخر يتجرأ حتى على دفع المرضى الكبار في السن إلى داخل القاعات وغيرها من المعاملات المهينة التي تلحق المرضى وتزيد في معاناتهم.