لازالت الجبة القبائلية ذلك اللباس العريق الذي لم يتزعزع ولم يتأثر بالعواصف التي هبت من هنا وهناك، وكان الغرض من تلك التيارات الجديدة التأثير على كل ما هو تقليدي والقضاء على التراث الجزائري، إلا أننا نجد الكثير من الألبسة التقليدية لم تتأثر بتلك التيارات المصدرة من الخارج متخذة شعار التطور والعصرنة بالقضاء على التقاليد، نذكر منها جبة الفرقاني القسنطينية، الجبة النايلية، الملحفة الشاوية، الشدة التلمسانية، البينوار السطايفي، الجبة الوهرانية، وكانت من بينها الجبة القبائلية التي تبرز التراث الأمازيغي العريق بكل ما يحمله من أحداث وبطولات تاريخية. بحيث حضرت الجبة القبائلية بقوة في الكثير من المناسبات والأفراح والولائم الجزائرية وحتى الدينية بالنظر إلى الصبغة التقليدية المحضة التي تحملها في تصاميمها وتنميقها الفريد، من دون أن ننسى التزام كافة العرائس بها في زفافهن ولبسها واختيارها كطقم مضاف إلى الأطقم التقليدية في عرف التصديرة. ولازالت حرفيات يبدعن في ذلك اللباس الذي على الرغم من تصاميمه المعصرنة والمتطورة لازال يحافظ على أصالته في طريقة التنميق وتجميل الجبة بتلك التموّجات الملونة التي يصنعها ذلك الخيط المخصص أو كما يعرف ب(الزيق زاق) من دون أن ننسى إلحاقها بحليها الخاص المعتمد أساسا على الفضة الملونة والتي تتناسق مع اللباس القبائلي المحض الذي يعتمد على الألوان كأساس كالأصفر والأخضر والأحمر وغيرها من الألوان الزاهية الأخرى التي تبرز بهجة وفرحة القبائليين في أفراحهم ومناسباتهم السعيدة. انتقلنا إلى زنيقة العرايس بساحة الشهداء ولاحظنا اصطفاف الجبة القبائلية إلى جانب أزياء أخرى تختارها العرائس كثيرا وتحبذن لبسها في الأعراس وكانت أزياء قبائلية محضة ملحقة بالفوطة التي يغلب عليها اللون البرتقالي، وبالنظر إلى جماليتها التي جذبت إليها الكثيرات فإن أسعارها المغرية هي أيضا سر من أسرار الانجذاب إليها، فهي في أحسن الأحوال لا تعلو عن ثمن 6000 دينار وتنخفض إلى 3500 دينار وهو سعر مقبول مقارنة بالأزياء التقليدية الأخرى التي تصل إلى مبالغ خيالية تعد بالملايين. فانخفاض السعر مستنبط من بساطة ذلك اللباس التقليدي الجميل وزاهي الألوان ما وضحته حرفية في الميدان من سوق بازيطة بباب الوادي التي اختصت الكثير من المحلات عبره في عرض أرقى أنواع الجبة القبائلية، إذ قالت الحرفية إن الإقبال لازال متواصلا على ذلك الزي القبائلي وهناك من تختار جبة قبائلية أصلية محضة متعددة الألوان، ومن النسوة أو العرائس من تميل إلى الموديلات العصرية التي على الرغم من التعديلات التي لحقتها تبقى محافظة على طريقة التفصيل واستعمال (الزيق زاق)، ومن العرائس من تميل إلى الجبة البربرية التي تعتمد على رسومات في الأكمام وعلى حواف الرقبة وفي أسفل الزي، كما أنها زي آخر معصرن ينتمي إلى منطقة القبائل، فيما تفضل أخريات الجبة الملونة الملحقة بالفوطة القبائلية التي تبقى رمزا من رموز الثقافة الأمازيغية والجزائرية ككل. هذا ومن دون أن ننسى أن الفوطة القبائلية باتت حاضرة بقوة في مواكب الأعراس في منطقة القبائل وحتى في الجزائر العاصمة، بحيث تفضل بعض العائلات ذات العروق الأمازيغية وضع الفوطة في الواجهة الأمامية لسيارة زف العروس وتحيطها بالأزهار بغية تبيين التمسك بالأعراف الأمازيغية العريقة كجزء من الثرات الجزائري العريق الغني بمختلف المكتسبات.